الجيش الأميركي يقيم نقاط مراقبة لـ {عزل} الأكراد عن تركيا

اتفاق بين التحالف الدولي و «قوات سوريا الديمقراطية» شرق الفرات

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات (رويترز)
عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات (رويترز)
TT

الجيش الأميركي يقيم نقاط مراقبة لـ {عزل} الأكراد عن تركيا

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات (رويترز)
عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات (رويترز)

أعلن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، أن الجيش الأميركي سيقيم نقاط مراقبة على الحدود الشمالية لسوريا لتجنب التوتر بين تركيا وأكراد سوريا، حلفاء التحالف الدولي المناهض للمتطرفين، في وقت ظهرت معلومات عن اتفاق بين «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية والتحالف شرق سوريا.
وقال ماتيس لصحافيين في وزارة الدفاع (بنتاغون): «نحن نشيّد أبراج مراقبة في مناطق عدة على طول الحدود السورية، الحدود الشمالية لسوريا».
وأوضح، أن الهدف هو التأكد من أن «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالف فصائل كردية وعربية يدعمه التحالف، «لن تنسحب من المعركة» ضد تنظيم داعش و«لنتمكن من سحق ما تبقى من الخلافة الجغرافية».
وأضاف ماتيس: إن مراكز المراقبة هذه «ستكون مواقع ظاهرة بوضوح ليلاً ونهاراً ليعرف الأتراك أين هي بالضبط»، لافتاً إلى أن هذا القرار اتخذ «بالتعاون الوثيق مع تركيا».
وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» أعلنت في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) استئناف عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش في شرق البلاد بعد عشرة أيام على تعليقها رداً على القصف التركي لمناطق سيطرة الأكراد شمالاً. وأربك العنف الولايات المتحدة الشريكة الأساسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية».
ومنذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، طغى التوتر على الأجواء في شمال سوريا مع بدء القوات التركية استهداف مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، وتهديد أنقرة بشن هجوم واسع ضدها.
وسعى التحالف الدولي طوال تلك الفترة إلى خفض التوتر عبر التواصل مع كل من «قوات سوريا الديمقراطية» وأنقرة. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، أنه حصل على تفاصيل «الهجوم الأعنف للتنظيم منذ 28 أكتوبر، تاريخ استعادته لكامل ما خسره من مناطق في الجيب الأخير الخاضع لسيطرته عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، والممتد من بلدة هجين إلى الحدود السورية - العراقية».
وفي التفاصيل، هاجم «داعش» عند الساعة الـ3 من فجر أمس «مواقع لـ(قوات سوريا الديمقراطية) وقوات الدفاع الذاتي، حيث حاولت مجموعات من التنظيم الالتفاف على نقاط (قوات سوريا الديمقراطية)، خلال الساعة الأولى من هجومهم، متجهين نحو حقل التنك النفطي، إلا أنهم اصطدموا بعناصر (قوات سوريا الديمقراطية) والمتطوعين في صفوف قوات الدفاع الذاتي، فعمد التنظيم لتفجير عربتين مفخختين، تسببت في انسحاب وفرار عناصر من (قوات سوريا الديمقراطية) على خطوط المواجهة الأولى، في حين بقي عناصر الخط الثاني متمركزين لتأمين المنسحبين والفارين، ودارت اشتباكات عنيفة بينهما، وبدأت إثرها طائرات التحالف الدولي عمليات قصف مكثفة، استهدفت مواقع التنظيم وتمركزاته بالقرب من منطقة حقل التنك النفطي الذي يحتوي قاعدة لـ(قوات سوريا الديمقراطية) ويتواجد فيها مستشارون من التحالف الدولي».
واستمرت الضربات الجوية، بحسب «المرصد»، حتى الساعة الـ8 من صباح الخميس، لتنعدم الرؤية بعدها نتيجة كثافة الضباب وسوء الأحوال الجوية، لتندلع إثرها اشتباكات شرسة بين الطرفين «تعد الأعنف منذ خسارة (قوات سوريا الديمقراطية) والتحالف لكل ما تقدموا إليه في حملتهم التي بدأت في الـ10سبتمبر (أيلول) الماضي وحتى الـ28 من أكتوبر».
إلى ذلك، أفادت صفحات موالية للأكراد على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، بحصول «اتفاق بين (قوات سوريا الديمقراطية) والتحالف الدولي تضمنت التزام التحالف الدولي حماية حلفائه في سوريا والعمل معهم لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن الاتفاق سيكون مرحلياً يتجدد كل عامين وتضمن استمرار مد (قوات سوريا الديمقراطية)، والقوات الأمنية بالدعم؛ لضمان بناء قوات أمنية وعسكرية متكاملة بهيكلية الجيوش النظام تنحصر مهمتها في الدفاع عن الحدود الخارجية ضد أي تهديد، بالإضافة إلى ضمان الأمن الداخلي».
وتضمّن الاتفاق «موازنة ثابتة لتمويل (قوات سوريا الديمقراطية)، والقوات الأمنية للسنتين المقبلتين، وإنشاء برنامج جديد لشرق الفرات»؛ الأمر الذي يعني «تجديد دعم التحالف الدولي لـ(قوات سوريا الديمقراطية)، عبر تأسيس برنامج كامل للتحالف وآلية تطبيقه، ومن ثم تجديده كل عامين».
وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن على مساحة 52528 كلم مربع من الأراضي السورية، بنسبة 28.2 في المائة من الجغرافية السورية (البالغة 185 ألف كيلو متربع مربع)، حيث تشمل كامل منطقة منبج وريفها في غرب نهر الفرات.
وكان ممثل الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا جيمس جيفري قال الأربعاء: إن «هزيمة (داعش) لا تعني بالضرورة تدمير آخر وحداته العسكرية هناك، وإنما ضمان ألا يعود كحركة تمرد مرة أخرى».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.