مدارس أميركية تدرب الطلاب على تحويل الأغذية إلى سماد عمليا

حلول غير تقليدية للاستفادة البيئية من بقايا الطعام المدرسي

الطلاب يلقون بأطعمتهم غير المرغوبة في صناديق مخصصة للتوجه إلى خط صناعة السماد العضوي (نيويورك تايمز)
الطلاب يلقون بأطعمتهم غير المرغوبة في صناديق مخصصة للتوجه إلى خط صناعة السماد العضوي (نيويورك تايمز)
TT

مدارس أميركية تدرب الطلاب على تحويل الأغذية إلى سماد عمليا

الطلاب يلقون بأطعمتهم غير المرغوبة في صناديق مخصصة للتوجه إلى خط صناعة السماد العضوي (نيويورك تايمز)
الطلاب يلقون بأطعمتهم غير المرغوبة في صناديق مخصصة للتوجه إلى خط صناعة السماد العضوي (نيويورك تايمز)

يقوم الأطفال واحدا تلو الآخر في المدرسة العامة 30 بجزيرة ستاتن الواقعة جنوب غربي مدينة نيويورك الأميركية، بالتخلص من الموز الذي لم يتناولوه وإلقائه في سلة للمهملات توجد خلف الكافيتريا الخاصة بالمدرسة.
وقال جون سوليفان، البالغ من العمر تسعة أعوام وهو طالب بالصف الرابع، إن «الموز يجعل معدتي تؤلمني»، بينما قالت جوليانا ديلوسو، البالغة من العمر ستة أعوام، والطالبة بالصف الأول «مذاق الموز غريب». وكان جوزيف إنكاردن - البالغ من العمر سبعة أعوام وهو أيضا في الصف الأول - مبتهج وهو يوضح سبب قيامه برمي الموز غير المقشر، قائلا: «لا أحب تناوله».
انتقال الفواكه والخضراوات من السيدة المعنية بالإشراف على الوجبات في المدرسة إلى مكب النفايات، جعل الآباء وخبراء التغذية والبيئة يشعرون بالخيبة لعدة عقود؛ فالأطفال لا يزال من الصعب إرضاؤهم، ومبذرون كما هو الحال دوما، ولكن على الأقل هناك الآن حلا أكثر ملاءمة؛ حيث إن سلة المهملات المليئة بالموز تعد بمثابة حاوية للكمبوست (السماد العضوي)، وذلك كجزء من الجهود المتزايدة للتقليل من أن تصبح كميات كبيرة من الأطعمة، تعد بحالة جيدة للغاية، جزءا من أكوام القمامة كل عام.
بدأ برنامج التسميد العضوي المدرسي في مدينة نيويورك فقط قبل عامين من جانب بعض الآباء بالجانب الغربي العلوي، وهو الآن يطبق في عدد 230 من المباني المدرسية في مانهاتن وبروكلين وجزيرة ستاتين، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم لأكثر من الضعف، بحيث يطبق هذا البرنامج في كل أحياء المدينة الخمسة بحلول فصل الخريف، بهدف تطبيق هذا البرنامج على كل المباني المدرسية الأخرى التي يبلغ عددها نحو 1300 مبنى.
وبناء على المكان الذي توجد فيه المدرسة، تنقل بقايا الطعام، الذي لم يؤكل أو الذي جرى تناول جزء منه، إلى كومة الكمبوست بمكب سابق للنفايات بجزيرة ستاتن أو شمال مدينة نيويورك أو ولاية ديلاوير، حيث يجري خلط بقايا الطعام في تربة غنية بالعناصر الغذائية، والتي يمكن أن يقوم المزارعون أو معماريو تنسيق المواقع بشرائها. وفي نهاية المطاف، سترسل المدينة بعض فضلات الطعام إلى محطة معالجة مياه الصرف الصحي في بروكلين؛ بحيث تعمل «هاضمات» على تحويل القمامة إلى غاز قابل للاستخدام. وحسب ما ذكره جون تي شيي، رئيس إدارة الخدمات التعليمية التابعة لوزارة التعليم: «يحتوى ذلك الموز على الكثير من الكربون الذي يؤدي في النهاية إلى نمو نباتات أخرى في حديقة منزلك»، وأضاف: «هذه هي دورة الحياة يا عزيزي».
ومن المأمول أن تسهم المدينة، من خلال برنامج التسميد العضوي في المدرسة، في مساعدة البيئة وغرس الشعور بالحفاظ على البيئة لدى طلاب المدارس، وكذلك من المهم أن يسهم ذلك في توفير بعض المال. وتجدر الإشارة إلى أن المدينة أنفقت 93 دولارا للطن الواحد في عام 2013 لتفريغ فضلات الطعام في مستودعات القمامة، وقد زاد حجم النفقات عن عام 2004 الذي أنفقت فيه المدينة 68 دولارا. وحسب ما أفادت به إدارة الصرف الصحي، فإن تحويل بقايا الطعام لسماد العضوي يوفر للمدينة ما بين عشرة و50 دولارا للطن الواحد، نظرا لأن هذه التكلفة يقابلها بيع المنتج النهائي.
هذه الكمية الكبيرة من الكمبوست في نيويورك تعد ناجمة عن قواعد التغذية التي تتطلب أن يقدم لكل طفل طعام صحي؛ حيث إنه بموجب القواعد الصحية لا يجوز إعادة تقديم الطعام الذي كشف عنه الغلاف بمجرد وضعه في علبة الغذاء، خوفا من التلوث، وللتأكد من تقديم الطعام في درجات حرارة مناسبة، ولهذه الأسباب، لا يمكن تقديم تفاحة لم تؤكل أو موزة، أو حتى علبة حليب لم تفتح ليتناولها طفل آخر. وبناء على ذلك، تعد تلك الكمية الهائلة من الطعام التي تقدم في المدارس والتي يجرى الآن العمل على تحويلها إلى سماد عضوي إما مصدر يدعو لإثارة الإعجاب أو مصدر للإحباط.
فحتى مع مشاركة أقل من ربع المباني المدرسية في برنامج التسميد العضوي، وصلت كمية كل الموز التي جرى التخلص منها، بالإضافة إلى المخلفات الأخرى - بما في ذلك أي شيء يمكن أن يتناوله الأطفال، بدءا من رقائق البطاطس إلى ساندويتش اللحم إلى السلطات - إلى 1400 طن في الفترة ما بين شهري سبتمبر (أيلول) ومارس (آذار)، مقارنة بالعام الدراسي 2012 - 2013 كاملا، الذي وصل فيه حجم المواد التي جرى التخلص منها إلى 450 طنا.
ويوجد مدن أخرى، أمثال سياتل وسان فرانسيسكو، تعمل على تحويل بقايا الأطعمة المقدمة في المدارس إلى سماد لعدة سنوات، وكذلك الحال بالنسبة لمدينة شيكاغو، رغم أن الجهود المبذولة بها كانت على نطاق أصغر؛ حيث إن المخلفات توجد في الغالب في فناء المدرسة، كما هو الحال في الحدائق، وتعد مقتصرة على الفواكه والخضراوات. ولكن تجرب المنطقة التعليمية عملية تحويل بقايا الطعام إلى كمبوست تجاري في إحدى المدارس (مدرسة بلين الابتدائية)، لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر سيساهم في توفير المال أم لا؟
وأوضحت السيدة ميريديث سي ماكديرموت، مدير الاستدامة لمدارس شيكاغو، أن شيكاغو لا تشعر بضرورة وحتمية هذا الأمر مثلما الحال بالنسبة لنيويورك، قائلة: «مستودعات القمامة في منطقة الغرب الأوسط لا تعد باهظة الثمن، وهذا هو السبب وراء تباطؤنا». فيما يتعلق بتحويل بقايا الأطعمة إلى كمبوست بشكل كامل.
تعد الجهود المبذولة لتحويل الأطعمة المقدمة في المدارس إلى كمبوست في نيويورك جزءا من برنامج توسعي على مستوى المدينة، والذي بموجبه يتطلب من المقيمين فصل مخلفاتهم لكي تقوم شاحنات الصرف الصحي بالمدينة بتجميعها أسبوعيا. وأوضح إريك إس غولدستاين، الرئيس التنفيذي لخدمات دعم المدارس بإدارة تعليم مدينة نيويورك، أن المدينة تتعاون أيضا مع المناطق التعليمية في شيكاغو، ودالاس، ولوس أنجليس، وميامي، وأورلاندو من أجل شراء كميات كبيرة الأطباق التي من الممكن أن تتحول إلى سماد، والتي تستخدم بدلا من الأطباق المصنوعة من البلاستيك الرغوي؛ حيث توضع تلك الأطباق مباشرة في براميل الكمبوست - على الأقل عندما يستخدمها الطلاب بشكل صحيح.
وتوفر المدرسة العامة 30، للطلاب عقب الانتهاء من وجبة الغداء ثلاثة صناديق بلاستيكية للنفايات: واحد خاص بالأكياس البلاستيكية، والأكواب الرغوة، والأغلفة؛ وآخر خاص بالمواد القابلة لإعادة التدوير مثل المعادن والزجاج والبلاستيك وعلب الحليب الكرتونية؛ أما الصندوق الثلاث خاص ببقايا الطعام. ويوجد بجوارهم وعاء أحمر يسكب فيه الحليب الذي لم يجر تناوله، حيث يوجد مجرى لتصريفه بعد ذلك.
وأظهرت عملية خط التجميع هذه المهمة المثيرة للدهشة: حيث يقوم بعض الأطفال، بطريق الخطأ برمي علب الطعام الجديدة في صندوق النفايات، بينما يقوم آخرون على عجالة بالتخلص من بقايا رقائق البطاطس مع الكيس الذي توجد بداخله في صندوق النفايات المخصص لبقايا الطعام، والذي يضم كل أنواع الأطعمة المقدمة لهم سواء كانت لم تؤكل أو جرى تناول جزء منها، مثل: زبدة الفول السوداني، وساندويتشات الجيلي، وساندويتشات الجبن، والخيار، وما تبقى من السلطات، وكذلك الموز، الذي يبدو بعد يوم تقريبا وكأنه غير ناضج تماما.
وقام فريق من الطلاب، يرتدي زيا أخضر، وكذلك قفازات مطاطية أو مخالب بلاستيكية، بالتعرف على الأطفال المشاكسين، ووفقا لما ذكره واحد منهم ويدعى شانون أهر، ويبلغ من العمر 10 سنوات، إنهم لاحظوا أنه يبدو عادة أن الأطفال الأصغر سنا يتبعون القواعد بشكل صحيح أكثر من هؤلاء الأكبر سنا.
وبعد المدرسة، تذهب فضلات الطعام إلى المكان المخصص لها؛ حيث يجرى جمعها كل يوم بواسطة الشاحنات التابعة لإدارة الصرف الصحي، باتجاه المواقع المعنية بتحويلها إلى كمبوست، من خلال التقاطها بشكل نظيف من بين الملوثات - مثل قطع البلاستيك الصغيرة - ووضعها في وعاء مصنوع من الألواح الخشبية الجافة، ويجري وضع المزيد من الألواح الخشبية، ثم تتحول إلى تربة غنية بالمواد العضوية، ويسهم الأوكسجين في عملية التحلل، وبعد مرور فترة ما بين ستة وتسعة أشهر، تكون تلك التربة جاهزة للاستخدام. وبالطبع، سيكون الأمر أبسط من ذلك، إذا حدثت عملية التحلل داخل جسم الطفل.
ويقول جوزيف نابوليتانو، مساعد مدير المدرسة العامة 30 بينما كان واقفا بجانب خط الغذاء، ينظر إلى كل طبق يحتوي على موزة إلزامية: «بالتأكيد لا يمكننا إجبارهم على تناولها»، ورغم ذلك قال: «يجرى الآن إعادة تدويرها سواء جرى تناولها أم لا.. حقا إنه ليس هدرا للطعام».
* خدمة «نيويورك تايمز»



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.