الهند: فجوة بين وسائل الإعلام وحكومة رئيس الوزراء مودي

توجيهات واضحة لفريقه بعدم الحديث للصحافيين دون ضرورة.. وحذرهم من استعجال صناعة الأخبار الإعلامية

رئيس الوزراء نارندرا مودي أبقى على مسافة بين حكومته والإعلام بعيدا عن الاتجاهات التقليدية بتقديم أخبار «حصرية» و«عاجلة»وفي الصورة يظهر بملصق دعائي في نيودلهي بعد حملته الانتخابية الناجحة («الشرق الأوسط»)
رئيس الوزراء نارندرا مودي أبقى على مسافة بين حكومته والإعلام بعيدا عن الاتجاهات التقليدية بتقديم أخبار «حصرية» و«عاجلة»وفي الصورة يظهر بملصق دعائي في نيودلهي بعد حملته الانتخابية الناجحة («الشرق الأوسط»)
TT

الهند: فجوة بين وسائل الإعلام وحكومة رئيس الوزراء مودي

رئيس الوزراء نارندرا مودي أبقى على مسافة بين حكومته والإعلام بعيدا عن الاتجاهات التقليدية بتقديم أخبار «حصرية» و«عاجلة»وفي الصورة يظهر بملصق دعائي في نيودلهي بعد حملته الانتخابية الناجحة («الشرق الأوسط»)
رئيس الوزراء نارندرا مودي أبقى على مسافة بين حكومته والإعلام بعيدا عن الاتجاهات التقليدية بتقديم أخبار «حصرية» و«عاجلة»وفي الصورة يظهر بملصق دعائي في نيودلهي بعد حملته الانتخابية الناجحة («الشرق الأوسط»)

تعاني وسائل الإعلام الهندية، خاصة تلك الموجودة في العاصمة دلهي من قلة الأخبار، حيث تبقي حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا» برئاسة رئيس الوزراء نارندرا مودي على مسافة بينها وبين الإعلام، بعيدا عن الاتجاهات التقليدية بتقديم أخبار «حصرية» و«عاجلة».
يبتعد مودي، الذي استفاد ببراعة من وسائل الإعلام أثناء حملته الانتخابية، عن وسائل الإعلام منذ توليه السلطة.
وتنبع المسافة التي وضعها مودي مع الإعلام المطبوع والمرئي من حقيقة التوجيهات الواضحة التي أعطاها لفريقه بعدم الحديث دون داعٍ إلى الصحافيين، وحذرهم فيها من استعجال صناعة الأخبار الإعلامية.
يعترف الصحافيون في كل من الإعلام المطبوع والمرئي الذين كانوا يغطون أخبار «بهاراتيا جاناتا» عندما كان حزبا معارضا، بأنه أصبح من الصعب عليهم الحصول على معلومات من وزراء مودي.
إن عدم القدرة على الوصول إلى المصادر الرسمية هي أكبر شكوى يعاني منها الصحافيون في دلهي.
صرح أحد الصحافيين قائلا: «توقف الوزراء الذين كان من الممكن الوصول إليهم فجأة عن الرد على الرسائل النصية أو المكالمات عندما نحاول التواصل معهم للحصول على تصريحات منهم بشأن بعض القضايا. وكل ما يقولونه هو: (لا نستطيع قول أي شيء). نشعر بالضغط الذي يتعرض له المحررون للحصول على أخبار حصرية، حيث إن هؤلاء الوزراء قبل الوصول إلى السلطة كانوا يمثلون مصادر جيدة».
بعد أن أدى مودي اليمين الدستورية رئيسا للوزراء بفترة وجيزة، أصدر توجيها لنوابه في اجتماع مع حزب «بهاراتيا جاناتا» في القاعة الرئيسة للبرلمان: «تجنبوا الحديث مع وسائل الإعلام. لا حاجة إلى الحديث عن قضايا وطنية دون داع».
في قواعده الجديدة للتعامل مع وسائل الإعلام وكسرا للتقاليد المتبعة، لم يصطحب مودي وسائل إعلام خاصة معه أثناء زياراته الخارجية إلى مملكة بوتان والبرازيل، وكان برفقته ممثلو وسائل الإعلام الرسمية فقط، ومنعت كل الصحف والقنوات الإخبارية من مرافقة الوفد الإعلامي التابع له.
وأثناء تناول وجبة الشاي أخيرا، اتجه أحد كبار الصحافيين إلى مودي، وسأله عن سبب عدم اصطحابه وسائل الإعلام معه أثناء الزيارات الخارجية التي يجريها، وما إذا كانت هذه هي المرة الوحيدة التي سيحدث فيها ذلك أم أن هذا القرار بدافع سياسة متعمدة، وأكد مودي أنه في غنى عن اصطحاب وسائل الإعلام كافة معه عند إجراء زياراته الخارجية، وذلك عقب دراسة تلك العادة بالدقة التي استمرت في عهد من سبقوه وحتى عهده.
وأفضى وزير في حزب «بهاراتيا جاناتا» لكاتبة هذه السطور بأن مودي بالفعل أصدر توجيهاته إلى مسؤولي الحكومة والوزراء بعدم استضافة الإعلام في مكاتبهم أو غيرها. ويجري تصفح الجرائد كل صباح لمعرفة من في الحزب والحكومة تحدث إلى وسائل الإعلام وعن ماذا. كما يوجد «خط تحذيري» في المناظرات والحوارات التلفزيون.
وفي مجموعة من القواعد الجديدة التي تخص التعامل مع وسائل الإعلام، وبعيدا عن الشكل التقليدي، لم يصطحب مودي وسائل إعلام خاصة معه أثناء أول زيارة خارجية له في بوتان. بل اصطحب ممثلي الإعلام الرسمي فقط.
وفي الوقت الذي من المقرر أن يقوم فيه رئيس الوزراء بثاني زيارة خارجية له إلى البرازيل في الشهر الحالي، أرسلت وزارة الشؤون الخارجية إلى مكتب رئيس الوزراء قائمة بالمؤسسات الإعلامية التي اختارتها لمصاحبته خلال الزيارة، وما زال الأخير لم يصدر قرارا بعد في هذا الشأن.
عادة ما يسافر وفد من 30 - 35 صحافيا مع رئيس الوزراء والرئيس ونائب الرئيس على طائرة الرئاسة المخصصة للأشخاص المهمين جدا، التي يوجد بها مكان كامل خاص بالصحافة.
وفي حين لا تدفع وسائل الإعلام مقابل رحلة الطيران، فإنها تتحمل تكاليف الإقامة والسكن في مكان الزيارة.
يعني اصطحاب الصحافيين على متن الطائرة التزاما بعادة الإجابة عن أسئلتهم في طريق العودة. ويشتهر مودي بعدم تفضيله الإجابة عن أسئلة الصحافيين، حيث، على عكس وسائل الإعلام الحكومي ووسائل التواصل الاجتماعي، لا تسمح وسائل الإعلام الخاصة بالتحكم في الحديث.
تأتي الإرشادات الجديدة الخاصة بالإعلام بعيدة تماما عما كانت تفعله حكومة حزب المؤتمر التي شهدت تسريب كل فرع في الحكومة للمعلومات وصناعة الوزراء للأخبار. كانت الأخبار العاجلة تشغل مساحة يومية ثابتة في أخبار التلفزيون الذي اعتاد على الحصول على أخبار «عاجلة» من الحكومة وعنها على مدار اليوم، بعضها دقيق وبعضها غير دقيق، ولكنها غالبا كانت تثير الاهتمام.
ذكرت الصحافية والكاتبة الكبيرة مادهو كيشوار: «مودي يريد أن يعلم مجلس وزرائه الانضباط بالإضافة إلى البرلمانيين من حزب (بهاراتيا جاناتا) حتى لا يفسدوا وينتقوا الصحافيين لتسريب معلومات بعضهم ضد بعض. ومن المرجح أن يكون هناك نظام جماعي لتعامل الوزراء مع الصحافة».
في صورة أخرى مختلفة عن فترة مانموهان سينغ، لم يعين مودي أي صحافي بارز مستشارا إعلاميا له.
وأوردت خدمة «إيانس» الإخبارية نقلا عن مصادر من الحكومة أن مودي لم يعجب كثيرا بتجربة حكومة المؤتمر السابقة في تعيين صحافيين مستشارين إعلاميين، ويفضل أن يقتصر القرار على مسؤولي الحكومة غير المشهورين حيث يرى أنهم سيعملون بشكل أفضل.
حتى الآن لا توجد واجهة تواصل رسمية بين مكتب رئيس الوزراء والإعلام، فيما عدا التدوينات والإعلانات التي تنشر عن طريق الحساب الرسمي على «تويتر». ويعد رئيس الوزراء نارندرا مودي ثالث أكثر زعيم يحظى بمتابعة حول العالم. وتجري صياغة البيانات الصحافية بناء على تدوينات ينشرها مكتب رئيس الوزراء. وكان مودي بالفعل أكد على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التفاعل مع الناس، و«اقترح» على جميع وزرائه والوزارات الانضمام إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» والمدونات للتواصل «مباشرة» مع الناس.
بيد أن وسائل الإعلام في دلهي كانت تنتعش من خلال وصولها إلى المسؤولين. وكان المعتاد أن يرعى السياسيون والموظفون الصحافيين.
مر ما يقرب من 50 يوما على تولي حكومة نارندرا مودي السلطة. ولكن تظل وسائل الإعلام غير قادرة على معرفة الكثير من المعلومات بشأن قرارات وأعمال الحكومة المهمة، حتى إن صحافيا كبيرا في الإعلام المطبوع سخر من الإعلام المرئي قائلا: «أسفرت تعليمات مودي بخصوص الإعلام عن جفاف إخباري في وسائل الإعلام التي تعمل على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، خاصة التلفزيون والتواصل الاجتماعي، بعد أن ولت الطريقة التي ازدهرت عليها وحققت من خلالها أرباحا طائلة».
ومع أن التواصل مع الجمهور أمر محوري في أسلوب مودي السياسي، إلا أنه ما زال يبتعد عن الإعلام. وهو يتواصل معه ولكن بشروطه.
بالطبع ما زال الوقت مبكرا، وسوف نرى كيف ستتطور العلاقة الجديدة بين الإعلام وحكومة مودي عبر الوقت.. هل سيتغير مودي، أم إن وسائل الإعلام في نيودلهي سيكون عليها أن تتكيف مع الوضع الحالي؟



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.