قضايا «فيسبوك»: المال قبل المسؤولية

قضايا «فيسبوك»: المال قبل المسؤولية
TT

قضايا «فيسبوك»: المال قبل المسؤولية

قضايا «فيسبوك»: المال قبل المسؤولية

تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى في أسواق وول ستريت أكثر من 800 مليار دولار وسط شكوك تتعلق بقرب فرض قيود على الاحتكار الذي تتهم هذه الشركات بممارسته من جهة، وبسبب سوء إدارة «فيسبوك» لفضيحة تلكؤها في التعامل مع التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، من جهة ثانية.
جاء ذلك بعد أيام من نشر صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقا عن تجاوزات منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لعدد من المعايير المهنية في تعاملها مع المعلنين والمسوقين لديها، بعد شهور قليلة من فضيحة كشف «فيسبوك» المعطيات الشخصية للملايين من مستخدميها لشركة «كامبريدج أناليتيكا» التي استخدمتها في الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية الأخيرة.
على صعيد آخر، أصدر قاض فدرالي قراراً بإعادة البيت الأبيض التصريح بدخول مراسل شبكة «سي إن إن» جيم أكوستا إلى مقر الرئاسة الأميركية واستئناف عمله من هناك. ينتمي القرار القضائي إلى تراث من المواقف المساندة لحرية التعبير عن الرأي التي يضمنها وينص عليها الدستور الأميركي ويشكل استمراراً لدور القضاء في الرقابة على السلطة التنفيذية ومنعها من تجاوز حدودها. وسحب البيت الأبيض تصريحه بعد الحادث الذي شاهده الملايين حيث وبخ الرئيس دونالد ترمب المراسل التلفزيوني، ما اعتبره القاضي تيموثي كيلي انتهاكاً للتعديل الخامس على الدستور الذي يفرض القيام بعملية قانونية قبل تنفيذ أي إجراء عقابي. قرار القاضي مؤقت في انتظار صدور حكم نهائي في القضية التي تقدمت الشبكة بها، لكنه يشير إلى أن «التوازن والرقابة» بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لا يزالان قائمين على الرغم من العاصفة التي أطلقها وصول ترمب إلى سدة الرئاسة.
في هذه الأثناء، أحيا تحقيق الـ«نيويورك تايمز» الانتقادات لـ«فيسبوك» بعد سلسلة من الفضائح التي تتعلق بسرية المعلومات الشخصية لمستخدميه وبطء تعاونه مع السلطات في التحقيق في الحملة الروسية المنظمة للتلاعب بالانتخابات الرئاسية، ما يغذي مشاعر عدم الاطمئنان عند كثير من المستخدمين حيال وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة والخشية من استغلال «فيسبوك» للكمية الهائلة من المعلومات الشخصية التي تجمعت لديه عن مستخدميه، ضدهم ولابتزازهم على ما بدا أنه يفعل بعد تكليفه مؤسسة «ديفانيرز ريسرتش أفيرز» الموالية للتيار المحافظ في الحزب الجمهوري البحث في خلفيات منتقديه واختلاق اتهامات لهم.
ما العلاقة بين قرار إعادة المراسل أكوستا إلى البيت الأبيض وبين الصعوبات المتفاقمة التي يواجهها «فيسبوك» سواء في أسواق الأسهم أو في تضاؤل الثقة به؟ العلاقة من مستويين: الأول هو أن الإعلام التقليدي الذي تمثله في هذه الحالة شبكة «سي إن إن» قد حصل على اعتراف القانون والرأي العام به كجزء من أدوات الخدمة العامة التي تتولى نقل الحقيقة إلى الجمهور وهو لذلك يحظى بحماية ينص عليها الدستور وتفرضها القوانين.
الثاني يتلخص في أن الموقع القانوني و«الخدمي» لـ«فيسبوك» وما يشبهه من منصات ما زال غير واضح، ذلك أن الوسائل هذه لا تنتج أي محتوى لكنها تجني الأرباح من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون من دون أن تعيد توزيع أي عائدات على من وضع مقالات أو آراء أو تعليقات على الموقع. مع ذلك، فرضت المنصات المذكورة نفسها مدخلاً إجبارياً إلى عالم النشر الإلكتروني بسبب الحاجة إلى روافع قادرة على توسيع دائرة القراء والمشاهدين تفوق كثيراً ما بين أيدي الأفراد والمؤسسات الصغيرة.
اقتراح الرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك» مارك زوكربيرغ بتشكيل هيئة خاصة تتألف من أشخاص لا يعملون لدى مؤسسته وتكون شبيهة بالمحكمة العليا تتولى تقرير أي مواد صالحة للنشر وأي منها غير صالح بدا مبشراً على الرغم من أنه يحتاج إلى الكثير من العمل والتوضيح وتحديد المفاهيم بشأن الحيادية والمصلحة العامة وحرية التعبير وغير ذلك. في المقابل، ثمة من رأى أن «فيسبوك» هو في صميمه مؤسسة تجارية تبغي الربح، ما يجعلها على تناقض بديهي مع كل ما يتعلق بالموضوعية واتخاذ مسافة من القضايا التي قد تلحق الضرر بحجم أرباح هذه الشركة.
يضاف إلى ذلك أن موقف «فيسبوك» من التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية بات سابقة غير حميدة في عالم التواصل الاجتماعي، حيث قدمت الشركة المشغلة للموقع مصالحها على المصلحة العامة للبلاد ومارست سياسة التملص من موجبات التحقيق.
في جميع الأحوال، تحث قضايا الشفافية والعلنية في مجال التواصل الاجتماعي على المزيد من التفكير النقدي لهذه الظاهرة التي سترافق البشرية لفترة طويلة مقبلة.


مقالات ذات صلة

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

العالم شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكتين لشركة «ميتا» متعطلتان لدى آلاف من المستخدمين في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تامونا موسيريدزي مع والدها (صورة من حسابها على «فيسبوك»)

بعد 40 سنة... سيدة تكتشتف أن والدها الحقيقي ضمن قائمة أصدقائها على «فيسبوك»

بعد سنوات من البحث عن والديها الحقيقيين، اكتشفت سيدة من جورجيا تدعى تامونا موسيريدزي أن والدها كان ضمن قائمة أصدقائها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»

«الشرق الأوسط» (تبليسي )
العالم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)

أستراليا تقر قانوناً يحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم أقل من 16 عاماً

أقر البرلمان الأسترالي، اليوم (الجمعة) قانوناً يحظر استخدام الأطفال دون سن الـ16 عاما لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيصير قريباً أول قانون من نوعه في العالم.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
العالم يلزم القانون الجديد شركات التكنولوجيا الكبرى بمنع القاصرين من تسجيل الدخول على منصاتها (رويترز)

أستراليا تحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً

أقرت أستراليا، اليوم (الخميس)، قانوناً يحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».