«تحوّل»... كتاب أميركي جديد لميشيل أوباما

ميشيل أوباما (أ.ف.ب)
ميشيل أوباما (أ.ف.ب)
TT

«تحوّل»... كتاب أميركي جديد لميشيل أوباما

ميشيل أوباما (أ.ف.ب)
ميشيل أوباما (أ.ف.ب)

بدلاً من فصول كتاب عادية، قسّمت ميشيل أوباما كتابها إلى 24 فصلاً قصيراً، وقسمت هذه الفصول إلى 3 أجزاء: «تحولي أنا»، و«تحولنا» و«مزيد من التحول».
بدأت الفصل الأول بقولها: «عندما كنت صغيرة، كنت أحلم بأن يكون لنا منزل من طابقين، وليس طابقاً واحداً؛ مثل المنزل الصغير القديم الذي كنا نسكن فيه. وأن تكون لنا سيارة كبيرة وجديدة، ذات أربعة أبواب، وليس بابين؛ مثل سيارة والدي القديمة... رغم أنه كان فخوراً بها. وكنت أريد أن أكون طبيبة أطفال. لماذا؟ لسببين: الأول: لأني أحب أن يحيط بي الأطفال. والثاني: لأن النساء يحسسن براحة عندما تقول لهم امرأة إنها طبيبة أطفال».
هكذا تبدأ مذكرات السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة، وهي مذكرات مليئة بالمعاني والإنجازات، رغم توترات قابلتها في عام 2007 عندما أعلن زوجها السيناتور باراك أوباما أنه يريد أن يترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي.
في ذلك الوقت، شن جمهوريون ومعارضون آخرون هجمات قاسية عليها، خصوصاً حول رأيها في العلاقة بين السود والبيض. لسوء حظها، كانت كتبت رسالة الماجستير عن هذه العلاقة، وانتقدت فيها الأكثرية البيضاء، لم تصفها بالعنصرية، لكنها كادت تقول ذلك، وقصّت قصصاً شخصية عن معاناة قالت إنها قابلتها بسبب لونها.
لكن، بعد أن فاز زوجها، وبعد أن صارت سيدة أميركا الأولى، برزت بصفتها واحدة من أكثر السيدات الأوائل إبداعاً، ولطفاً، وقدرة على التقرب والتبسط مع الناس. وكانت هذه إنجازات مهمة لأنها أول سيدة أولى أميركية سوداء.
هكذا، بعد فترة الدفاع عن نفسها، جاءت فترة الفخر بنفسها «وبلونها»، وكتبت في الكتاب أنها تفتخر بما فعلت في البيت الأبيض، لأنها جعلته «أكثر ترحيباً، وأكثر شعبية من أي وقت مضى في تاريخه». وأشارت إلى أنها تعمدت فتح أبوابه لأعداد خيالية من السود؛ كبار في السن، وأطفال، ورسميين، وطلاب، وعسكريين، وأدباء، وفنانين.
وقالت إنها لم تفعل ذلك لانحيازها إلى بني لونها، ولكن لأن بني لونها «صاروا يستحقون هذا الترحيب الذي لم يكونوا يتوقعونه أبداً». لكن، ها هما أسودان يدخلان البيت الأبيض، ويرحبان بهم. لم تلهم ميشيل السود فقط، بل ألهمت النساء أيضاً. أسست نفسها مدافعةً قويةً عن النساء والفتيات في الولايات المتحدة، وحول العالم. وأيضاً، ألهمت الشبان والشابات المغرمين بالنشاطات الرياضية، والوجبات الصحية:
بالنسبة للطائفة الأولى؛ ظهرت تمارس الرياضة في مناسبات رياضية.
وبالنسبة للطائفة الثانية؛ زرعت خضراوات في حديقة البيت الأبيض
وحتى علمت الأميركيين بعض أنواع الرقص، مثل «كاربول كاريوكي» مع بنتيها اللتين أحسنتا سلوكهما، واكتسبتا احترام الآخرين، رغم 8 سنوات تحت وهج وسائل الإعلام التي لا ترحم.
في كتاب مذكراتها، تحدثت عن كل هذه الموضوعات، وبطريقة تشبهها، وكأنها تدعو القارئ ليشاركها تطورات حياتها. ومثل زوجها، كانت تحاشت، خلال 8 سنوات في البيت الأبيض، المشكلات الشخصية. وخلت حياتهما هناك من الفضائح، والفساد، وحتى التهكم.
هكذا؛ كان لا بد من أن يخلو كتابها من فضائح، وفساد، وتهكم، وفضلت أن تكتب عن نفسها، وعن تطورات حياتها. كتبت، بطريقة شخصية، عن طفولتها في «ساوث سايد» (الجانب الجنوبي في شيكاغو)؛ حيث أكثر السكان سوداً، وحيث تنتشر الجرائم.
وكتبت عن سنواتها في جامعة برينستون، ثم كلية الحقوق في جامعة هارفارد، ثم مسيرتها المهنية، محامية في شركة قانونية في شيكاغو، حيث قابلت زوج المستقبل.
وكتبت عن الوقت الحاضر؛ أنها تسكن في واشنطن مع زوجها، لكنها تعود معه إلى شيكاغو، من وقت لآخر، وتدرس أحياناً في جامعة شيكاغو، وأسست «فرع شيكاغو» في «منظمة الحلفاء العامين»، التي تركز على إعداد الشباب لشغل وظائف في الخدمة العامة. وتشارك زوجها في إدارة «مؤسسة أوباما الخيرية».
وكتبت عن بنتيهما ماليا، وساشا، اللتين نجحتا في التخرج من البيت الأبيض من دون مشكلات أو فضائح، واتجهتا نحو الدراسة الجامعية؛ واحدة منهما في جامعة هارفارد نفسها. تبدو في كتابها أنها تخاطب النساء أكثر من الرجال، وهذا شيء مفهوم. وكتبت: «نعم؛ زواجنا سعيد، لكن كان لا بد من أن نناضل لنجعله سعيداً»، في إشارة إلى وجود مشكلات؛ لكنها تبدو مشكلات عادية.
وكتبت عن اختلاف، في البداية، حول رأي كل واحد في الزواج: «رأى هو أن الزواج تحالف حب بين شخصين يسير كل واحد منهما على طريقه الخاص به، لكن من دون أحلام مستقلة، ومن دون طموحات مستقلة. ورأيت أنا أن الزواج اندماج وذوبان كامل. حياتان في حياة واحدة».
ثم قالت إن السنوات علمتهما أن هناك «حلولاً وسطاً» لكل شيء، بما في ذلك لرأييهما في الزواج.



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.