الفن والسياسة يمتزجان في حفلة موسيقية في سان دييغو

قائد الأوركسترا رافائيل باياري  -  عازف البيانو الصيني لانغ لانغ
قائد الأوركسترا رافائيل باياري - عازف البيانو الصيني لانغ لانغ
TT

الفن والسياسة يمتزجان في حفلة موسيقية في سان دييغو

قائد الأوركسترا رافائيل باياري  -  عازف البيانو الصيني لانغ لانغ
قائد الأوركسترا رافائيل باياري - عازف البيانو الصيني لانغ لانغ

تعيش مدينة سان دييغو في أقصى الجنوب الغربي للولايات المتحدة عصرها الذهبي في الموسيقى الكلاسيكية هذه الأيام. إذ شاهدنا مؤخراً أهم العازفين في العالم من روسيا والصين. ساهمت في هذه النشاطات المميزة أوركسترا سان دييغو السيمفونية منذ أن تسلمت رئاسة إدارته مارتا غيلمر قبل أربع سنوات بعد انتقالها من أوركسترا شيكاغو السيمفونية واهتمامها ببرمجة الحفلات الموسيقية ثم مجيء نائبتها جون كمينغز من أوركسترا لوس أنجليس الفلهرمونية والمهتمة بالإعلام والتسويق.
تم إنشاء فرقة سان دييغو الموسيقية السيمفونية عام 1910 لكنها واجهت صعوبات مالية متكررة منذ نحو مائة عام فتوقف نشاطها عدة مرات ثم انتقلت إلى صالة تاريخية ضخمة بنيت عام 1929 كمسرح وصالة للسينما على نمط الأبنية الأوروبية من طراز الروكوكو الذي يتميز بزخرفته الغنية المنمقة منذ عهد الملك الفرنسي لويس الخامس عشر. أعلنت أوركسترا سان دييغو السيمفونية إفلاسها مجددا سنة 1996 لكن الثري أروين جاكوبز وزوجته قاما بإنقاذها برصد 120 مليون دولار لصالحها. تبلغ الميزانية السنوية الحالية للفرقة 14 مليون دولار يأتي تمويل ثلثها من بيع التذاكر والباقي من التبرعات وهبة جاكوبز.
استمتعنا هذا الشهر برؤية عازف البيانو الصيني الموهوب لانغ لانغ يعزف كونشرتو البيانو الشهير رقم 24 لموتسارت بمصاحبة الفرقة السيمفونية وقيادة المايسترو المقتدر إيدو دي فارت الهولندي الأصل. شهرة لانغ لانغ طبقت الآفاق في العالم لأنه يعزف مع كبريات الفرق الموسيقية في فيينا وبرلين ولندن وحاز على أكبر جائزة فنية في الصين ويسعى عبر التقنية الحديثة إلى إدخال الموسيقى الكلاسيكية إلى القرن الحادي والعشرين كما يساعد الأطفال بدعم تعليمهم لكي يخلق جيلاً جديداً من الفنانين. بدت طريقة عزفه هذه المرة ناضجة ومتوازنة ومؤثرة تتحاشى طريقة بداياته الشبابية حين كان يحاول نيل الإعجاب بتبديل طريقة أو تفسير بعض المقاطع الموسيقية حسب مزاجه الشخصي.
الحدث الكبير كانت الحفلة المشتركة لأول مرة في الولايات المتحدة بين أوركسترا سان دييغو السيمفونية وأهم أوركسترا في روسيا وهي الفرقة الموسيقية لمسرح مارينسكي في سان بطرسبرغ بقيادة أشهر مايسترو في العالم وهو فاليري غرغييف. بعد أن عزفت أوركسترا مارينسكي افتتاحية رسلان ولودميلا للموسيقار غلينكا ثم «في سهوب آسيا الوسطى» لبورودين التي عزفتها أوركسترا سان دييغو بقيادة غيرغييف الذي أظهر جهداً إضافياً لكي ينسجم مع الفرقة الأميركية تلتها أهم قطعة في البرنامج وهي السيمفونية رقم 7 «ليننغراد» لديمتري شوستاكوفيتش، وقاد غيرغييف بنجاح منقطع النظير القطعة بأوركسترا مشتركة من الفرقتين. ألف شوستاكوفيتش هذه السيمفونية وعمره 35 سنة فبدأ بها أوائل الحرب العالمية الثانية وأكملها أثناء حصار الجيش النازي لمدينة ليننغراد (سان بطرسبرغ حاليا) في شتاء عام 1941 حيث سقط فيها نصف مليون روسي، مما هيج الروح الوطنية والمقاومة الصلبة. كان الموسيقار خائفاً من عدم إعجاب السلطات الحكومية الروسية بقطعته لا سيما وأنه تعرض قبل ذلك بسنوات إلى نقد وغضب ستالين لأنه ألف أوبرا «ليدي ماكبث من متيسنسك» تمس بقضايا الزنا والإجرام على عكس صورة ما تريده الدعاية السوفياتية والحزب الشيوعي، لكن ظنه كان خاطئاً، إذ لاقت السيمفونية رقم 7 إعجاباً منقطع النظير، بل بعثت السلطات الحكومية بنسخة من النوتة سراً إلى طهران والدار البيضاء ولندن ليسمعها العالم بأكمله. وقام المايسترو توسكانيني بعزفها في نيويورك عام 1942 إثر تحالف روسيا مع الولايات المتحدة والغرب فأصبحت القطعة رمزاً لمقاومة الفاشية والنازية. أبهر غيرغييف النظر بطريقته الفريدة في القيادة بيديه وعيونه ورجفة يديه التي تدخل الروح في النص الموسيقي وتبتعد عن الطريقة المعتادة وكأنها جري على النوتة الموسيقية دون تفكير إبداعي فظهرت الحركة الأولى الطويلة تصف الحياة في وقت السلم قبل غزو الجيش الألماني وكأنك تشاهدها في فيلم سينمائي ثم تبدأ المقاومة ضد المحتل. استخدم شوستاكوفيتش لحنا (أو نصف لحن معروف) من أوبريت «الأرملة الطروب» الكوميدية للموسيقار ليهار للإشارة إلى تقدم الجيش الغازي حين يذهب البطل إلى مطعم ماكسيم المشهور في باريس ويغني: متى أريد الفرح أذهب إلى مكسيم لأنسى همومي! سبب اختيار شوستاكوفيتش لهذا اللحن علمه بأن هتلر كان معجباً بهذا الأوبريت، فحين صنف نائبه المسؤول عن الدعاية غوبلز قائلاً إن ليهار «موسيقار يهودي ملوث» قلب رأيه فيما بعد رأساً على عقب تزلفاً لهتلر وصنفه بأنه «مثال على الفن الجرماني المقدس». كرر شوستاكوفيتش ذلك اللحن 37 مرة بتنوع على طريقة الموسيقار الفرنسي رافيل، حيث تعزف اللحن خافتاً آلة موسيقية واحدة ثم يتعالى الصوت إثر انضمام الآلات الأخرى ثم الأوركسترا بأجمهعا مثل قطعة «بوليرو» لرافيل. كان عزف الأوركسترا المشتركة مدهشاً، وخصوصاً بعد الحركة الحزينة التي تليها الحركة الأخيرة منتهية بتمجيد النصر الجبار في ذروة قوية على ضربات الطبل الكبير والأبواق وكأننا نسمع صدى سيمفونيات ماهلر أو بروكنر.
يشعر المستمع أن الرسالة قد وصلت في تبجيل بطولة الشعب السوفياتي المدافع عن وطنه. وصف شوستاكوفيتش هذه السيمفونية السياسية قبل وفاته عام 1975 بأنها «شاهد للقبور لمن قضى نحبه ودفن دون أن يعرف أقاربه أين اختفى».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».