مساعٍ أميركية لدمج قرارات القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة

هيلي تطالب المجتمع الدولي بالوحدة في مواجهة سلوك إيران «الإرهابي»

TT

مساعٍ أميركية لدمج قرارات القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة

كشف دبلوماسيون عرب لـ«الشرق الأوسط» أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تسعى إلى تقليص عدد القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة في شأن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي من خلال بذل جهود لـ«دمج» عدد منها، فضلاً عن التفاوض على مشروع قرار جديد هدفه التنديد بحركة «حماس» ونشاطاتها «الإرهابية».
من جانبها، طالبت المندوبة الأميركية لدى المنظمة الدولية نيكي هيلي مجلس الأمن بالتركيز على «النشاط الإرهابي» للنظام الإيراني، داعية إلى الوحدة «لوقف هذا السلوك» قبل أن يصل إلى المزيد من الأبرياء في كل أنحاء العالم.
وعقد دبلوماسيون أميركيون اجتماعات مكثّفة خلال الأيام القليلة الماضية مع الكثير من المندوبين الدائمين للدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة، وبينهم الكثير من الدبلوماسيين العرب، في محاولة لإقناعهم بأن «القرارات الكثيرة المنحازة ضد إسرائيل غير مفيدة، ولم تجلب خيراً للفلسطينيين وقضيتهم». ولذلك «من المستحسن أن تدمج هذه القرارات والبالغ عددها 16 في الجمعية العامة، ليقتصر العدد على أربعة فقط». وظهر رأي بأنه «ينبغي للولايات المتحدة أن تعمل على إزالة الأسباب الموجبة لهذه القرارات، بالإضافة إلى تحديد المقابل الذي تريد إعطاءه مقابل دمج بعض القرارات».
ولم توزع الولايات المتحدة بعد مشروع القرار الخاص بـ«إدانة حماس»، غير أن دبلوماسيا غربياً نقل عن نظير أميركي أن «واشنطن متفائلة لأن ميل المجتمع الدولي إلى إدانة حماس ظهر واضحاً في اجتماع عقدته الجمعية العامة في يونيو (حزيران) الماضي».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن غالبية الدبلوماسيين العرب أبلغوا محاوريهم الأميركيين أنهم «يلتزمون بما يراه الجانب الفلسطيني مناسباً في شأن دمج القرارات». وظهرت هذه المعلومات على هامش الإحاطة الشهرية لمجلس الأمن حول «الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية»، حيث استمع الأعضاء إلى إفادة من منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف الذي دعا إسرائيل إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس. وحض «حماس» والفصائل الفلسطينية المسلحة على إنهاء الإطلاق العشوائي للصواريخ على إسرائيل. وقال عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من القدس إن «مليوني فلسطيني في غزة يستحقون قيادة حقيقية تعالج المشاكل الحقيقية التي يعاني منها القطاع»، مضيفاً أن «الاندلاع الأخير للعنف حدث فيما كانت الأمم المتحدة وشركاؤها يكثفون الجهود لتخفيف الأزمتين الاقتصادية والإنسانية في غزة، وإتاحة المجال للجهود الجارية التي تقودها مصر للنهوض بالمصالحة الفلسطينية». وحض كل الأطراف على «عدم إضاعة الوقت وعلى الانخراط بجدية وتحقيق تقدم ملحوظ خلال الأشهر الستة المقبلة»، لأن ذلك «يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة السلام». ورأى أنه «يتعين على حركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى وقف كل الاستفزازات والهجمات، ويتعين على إسرائيل تحسين القدرة على الحركة والتنقل أمام البضائع والناس من وإلى غزة كخطوة باتجاه الرفع الكامل للإغلاقات بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 1860»، مشدداً على أن النشاط الاستيطاني «يقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في المستقبل». ورحب بإعلان السلطات الإسرائيلية تأجيل هدم تجمع خان الأحمر - أبو الحلو البدوي الفلسطيني.
أما المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، فاعتبرت أنه «فيما لا يزال مجلس الأمن يركز على النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه يتجاهل نزاعات أخرى خطيرة للغاية في الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أنه في الأشهر الأخيرة وصل أحدها إلى أعتاب أوروبا والولايات المتحدة، وهو «النشاط الإرهابي الدولي للنظام الإيراني»، منبّهة إلى أن «السلوك الإيراني الخبيث لا يستهدف بلداً بعينه، بل يستهدفنا جميعاً».
واستشهدت هيلي بوقائع حصلت خلال الأشهر القليلة الماضية، ومنها الكثير من الحوادث في الدول الأوروبية، إذ جرى الكشف عن مؤامرة قام بها عملاء المخابرات الإيرانية لقتل ثلاثة معارضين إيرانيين على الأراضي الدنماركية. وجاء ذلك بعد أيام من اتّهام الحكومة الفرنسية للمخابرات الإيرانية بالتخطيط لهجوم بالقنابل على تجمع للمعارضة في باريس في يونيو (حزيران) الماضي، وذلك بعد هجوم مدعوم من إيران على القنصلية الأميركية في مدينة البصرة العراقية.
وقالت هيلي: «تعكس هذه المحاولات لقتل الخصوم السياسيين على أراض أجنبية الطبيعة الحقيقية للنظام الإيراني»، موضّحة أن «هذه الهجمات هي بالضبط نوع السلوك الذي دفع الولايات المتحدة إلى إعادة فرض العقوبات ضد إيران في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي». وتحدثت عن «الإرث المأساوي لسياسة الاسترضاء التي اعتمدت سابقاً». وأضافت: «أثبت نظام طهران أنه لا يزال المجموعة العنيفة من القتلة التي كانت موجودة في الثمانينات» من القرن الماضي. وأكّدت أن «حلفاءنا الأوروبيين يعثرون على نحو متزايد على الأدلة في ساحاتهم»، داعية إلى «الوحدة في جهودنا لوقف هذا السلوك قبل أن يصل إلى المزيد من الأبرياء في كل أنحاء العالم».
ودافعت هيلي عن شن إسرائيل غارات جوية على غزة، معتبرة أن ذلك حصل «رداً على أكثر من 400 صاروخ وقذيفة هاون أطلقت عشوائياً من غزة إلى إسرائيل». وأضافت أنه «حتى لو قبلت عذر حماس بأنها أطلقت صواريخها رداً على عملية استخبارية إسرائيلية، فلا يمكن الإفلات من حقيقة أن مسلحي غزة استهدفوا المدنيين رداً على ذلك». وأكدت أيضاً أنه «لا يمكن الهروب من حقيقة أن المجموعة المسؤولة عن الهجمات الصاروخية - حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية - هي جماعة مدعومة من إيران».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم