فتح الله غولن.. خلاف المعلم وتلميذه

فتح الله غولن.. خلاف المعلم وتلميذه
TT

فتح الله غولن.. خلاف المعلم وتلميذه

فتح الله غولن.. خلاف المعلم وتلميذه

ينشغل الرأي العام العالمي حاليا بالصراع الدائر في تركيا بين رمزين من أبرز رموز تركيا الإسلامية، هما رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان الذي يمثل «إسلام الأمة»، والداعية فتح الله غولن الذي يمثل «الإسلام القومي» التركي. الرجلان كانا معا في معركة وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، وازدهار النموذج التركي، قبل أن يتباعدا وصولا إلى حافة المواجهة المباشرة بين التلميذ والأستاذ الذي بينت الأحداث الراهنة أن له قوة لا يمكن الاستهانة بها داخل النظام، جمعها خلال سنوات التوافق، ليستعملها الآن في مواجهة إردوغان على طريقة «خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود».
فالمواجهة القائمة الآن في تركيا، بعد انطلاق موجة «محاربة الفساد» الذي يتهم أنصار الحزب الحاكم جماعة غولن في داخل الشرطة والقضاء بتنفيذه، تظهر أن الأمور وصلت إلى أبواب المعركة، وهي معركة سوف يستخدم فيها الطرفان كل ما لديهما من إمكانات. وبينما يسود على نطاق واسع تعبير يصف نجم الدين أربكان بأنه أستاذ رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، إلا أن العارفين ببواطن الأمور يقولون إن غولن هو الأستاذ الحقيقي لرئيس الوزراء، ومنظر مشروعه في الحكم. وكان إردوغان وصف غولن في أكثر من مرة بـ«أستاذي».
بخلاف نجم الدين أربكان الذي يعد أبا الإسلام السياسي في تركيا، فإن غولن هو أبو الإسلام الاجتماعي. فحركته تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس خارج تركيا، بدءا من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا وأوغندا، مرورا بالبلقان والقوقاز. كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمالا تجارية ومؤسسات خيرية.
ويعتبر غولن من المنظرين الأساسيين للإسلام التركي الحديث القائم على «المرونة والبعد عن التعصب والتشنج». ووصلت هذه الحركة إلى ذروتها في الاجتماع الذي عقد في الفاتيكان بين الشيخ غولن و‏البابا إثر دعوة من الأخير. يقول غولن إنه «آمن بأن العالم أصبح - بعد تقدم وسائل الاتصالات - قرية عالمية، لذا فإن أي ‏حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وإنه يجب الانفتاح على العالم بأسره، ‏وإبلاغ العالم كله بأن الإسلام ليس قائما على الإرهاب، كما يصوره أعداؤه، وأن هناك مجالات واسعة ‏للتعاون بين الإسلام والأديان الأخرى». وقد صورت الكثير من الصحف الغربية غولن كزعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معاد للغرب، ووجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط.
وهكذا لقيت حركة غولن ترحيبا غربيا تميزت به حركته عن باقي الحركات الإسلامية في المنطقة والعالم. فبينما كان أربكان يرى أميركا عدوا للعالم الإسلامي بسبب تحكم «الصهيونية العالمية» في صنع القرار فيها، فإن غولن يرى أن أميركا والغرب عموما قوى عالمية لا بد من التعاون معها. ويرى أربكان ضرورة الوحدة بين العالم الإسلامي، بينما لا ينظر غولن إلى العالم العربي وإيران بوصفهما المجال الحيوي لتركيا، بل يعتبر القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هي المجال الحيوي لتركيا، فهذه البلدان تضم أقليات تركية هامة، وهو يرى أنه إذا كان لتركيا يوما ما أن تعود لمكانتها بوصفها واحدة من أهم دول العالم، كما كانت خلال الدولة العثمانية، فلا بد من نفوذ قوي لها وسط الأتراك في كل مكان في العالم.
ويرى رئيس معهد الفكر الاستراتيجي البروفسور ياسين أكتاي، أحد منظري حزب العدالة والتنمية، أن التأييد الغربي سببه أن تلك المدارس والمؤسسات لا تؤثر سلبيا على النظام الأميركي العولمي، وبما أنهم لا يعملون أي شيء يضر المصالح الأميركية في تلك المدارس والمؤسسات فلمِ لا؟ كما أننا لا نعرف إذا كانت هناك علاقات سرية بين الجماعة وأميركا. ورغم أن أكتاي يرفض الخوض في «نظرية المؤامرة» التي تقول بأن غولن يعمل لصالح الولايات المتحدة، فإنه يطرح أسئلة كثيرة على هذا الصعيد، خصوصا وأنهم يبتعدون ليس فقط عن الصدام مع إسرائيل بل يبتعدون كل البعد عن حتى الانتقاد لها أو التلميح بالانتقاد لإسرائيل لما تقوم به من أعمال إرهابية في المنطقة.
ولا يفضل غولن تطبيق الشريعة في تركيا، فهو يقول إن «الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، بينما الأقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وإنه لا داعي لتطبيق أحكام الشريعة في الشأن العام». ولهذا يرى أن «الديمقراطية هي أفضل حل»، ويعادي «الأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي. ولد محمد فتح الله غولن في 27 أبريل (نيسان) عام 1941 في قرية كوروجك التابعة لقضاء حسن قلعة‏ بمحافظة أرضروم. ويبدو جليا تأثير والدته، السيدة رفيعة، على ابنها. وهي كانت معروفة بتدينها والتزامها الديني العالي، وهي من بث التدين فيه منذ أيامه الأولى، علمته القرآن وهو لما يتجاوز الرابعة من العمر، إذ كانت توقظه منتصف الليل لتدرسه إياه. ويقال إنه ختمه في شهر واحد.
أما والده، رامز أفندي، فكان بدوره من المتدينين، وكان بيته يعج بضيوف من العلماء والمتصوفين المعروفين في تلك المنطقة، لذا تعود محمد فتح الله مجالسة ‏الكبار والاستماع إلى أحاديثهم. وقام والده بتعليمه اللغة العربية والفارسية.
درس في المدرسة الدينية في طفولته وصباه، وكان يتردد إلى التكية أيضا، ودرس على أيدي علماء معروفين أبرزهم عثمان بكطاش الذي كان من أبرز ‏فقهاء عهده، حيث درس عليه النحو والبلاغة والفقه وأصول الفقه والعقائد. وفي أعوام دراسته قرأ أبرز مؤلفات العلامة بديع الزمان سعيد النورسي، المعروفة برسائل النور، وتأثر بها كثيرا، وقد وصفها لاحقا بأنها «حركة تجديدية وإحيائية ‏شاملة». السبب في إعجابه بأفكار النورسي - كما يقول مصطفى يشيل، وهو رئيس وقف الصحافيين والكتاب، الذي أنشأه غولن - هو أن النورسي من أبناء هذه الأرض وهو أيضا ركز على المعضلات التي تعيشها وأيضا أوجد الحلول التي تتلاءم مع تلك المنطقة، كما استفاد من أفكار الرومي ويونس آمرة والكثير من المفكرين منذ بداية العهد الإسلامي.
عندما بلغ العشرين من عمره عين إماما في جامع أوج شرفلي في مدينة أدرنة حيث ‏قضى فيها مدة سنتين ونصف سنة في جو من الزهد، حيث قرر المبيت في الجامع وعدم الخروج إلى ‏الشارع إلا لضرورة.‏ بدأ عمله الدعوي في أزمير في جامع «كستانه بازاري» في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع. ثم عمل ‏واعظا متجولا، فطاف في جميع أنحاء غرب الأناضول. كما كان ‏يرتب المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية.‏ ويقول مصطفى يشيل إنه في تلك الفترة لم يكن من المألوف أن يدخل أبناء جيله من الشباب في مثل هذه المعمعة ليعيشوا على أصول وتعاليم دينهم، فهذا شيء ليس بالبسيط ولا بالسهل في تلك الفترة». ويقول إن زملاءه الذين عايشوه في تلك الفترة يذكرون بأنه كان ذكيا جدا ولا يضيع فرصة للقراءة مهما كان نوع الكتب، إلى جانب أنه لم يهمل الطرف الاجتماعي في حياته حيث كان يزور من حوله من الأصدقاء، وكان محبوبا من محيطة ومن أبناء الحي الذي يقيم به، وأيضا كان يقيم علاقات جيدة من كبار المسؤولين ووجهاء تلك المناطق التي يعين بها».
يتركز معظم نشاط غولن في مجالي التعليم والإعلام، فهو أنشأ الكثير من المدارس وأصدر الجرائد والمجلات وإنشاء المطابع، بالإضافة إلى محطة إذاعة وقناة تلفزيونية. وبعد انهيار الاتحاد ‏السوفياتي انتشرت هذه المدارس في دول آسيا الوسطى. ولا يقتصر نشاط الحركة على ذلك، بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأميركا، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من أجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية.
ويقول أكتاي إن غولن يميل إلى التصوف في عبادته أكثر من اللزوم، مشيرا إلى أن زهده وتصوفه جعله يترك حياة الدنيا ووهب نفسه للعبادة والتصوف ولم يتزوج قط، بمعني آخر أوقف نفسه بكل معنى الكلمة للدين والعبادة، موضحا أنه يقتدي في ذلك بملهمه بديع الزمان سعيد النورسي لأنه هو أيضا وهب حياته للدين والعلم ولم يتزوج».
ويرى أكتاي أن هذه «خطوة تتناقض مع سنة النبي محمد الذي أوصى بالزواج والتكاثر ليتباهى بنا يوم القيامة أمام ربنا». وغولن لا يطلب من أتباعه عدم الزواج ولكنه يطلب من الذين يردون أن يهبوا أنفسهم للدعوة أن يحذوا حذوه على هذا الصعيد». ويشير أكتاي إلى أن عدم زواج النورسي «كانت له أسبابه الخاصة»، مشيرا إلى أنه خرج بعد سعيد النورسي الكثير من أتباع الطريقة النورية الذين التزموا عدم الزواج، وكان من بينهم فتح الله غولن.
ويقول أكتاي: «لو نظرنا إلى فتح الله غولن سنرى بأنه يعتنق إسلاما خاصا على الطريقة التركية يكون أقرب إلى الإسلام القومي أكثر منه إلى إسلام الأمة، مثله مثل سعيد النورسي الذي اختار نهجا في الإسلامي يختلف عن الإسلام العربي وإسلام أهل السنة. وهنا تظهر نقاط الاختلاف بينه وبين رجب طيب إردوغان الذي ينتمي فكرا وتطبيقا إلى مذهب أهل السنة وينظر إلى الإسلام من منظور الأمة جميعا بخلاف جماعة غولن التي تعتبر نفسها هي الممثلة للإسلام في تركيا وتلغي جميع الجماعات الأخرى، وهذا يمنعهم من تطوير أي فكر يشمل الأمة جميعا، ولهذا نرى بأنهم غير ممتنين لتقارب تركيا مع العالم العربي، كما أنهم أعلنوا جهارا عن امتعاضهم من تضامن تركيا مع حقوق الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وأعلنوا عن رفضهم لإرسال تركيا سفينة مرمرة إلى غزة وانتقدوا سياسة حيال إسرائيل وأعلنوا أنه ليس من صالح تركيا أن تخوض صراعا مع إسرائيل، معتبرا أن مصالح الجماعة مرتبطة مباشرة مع إسرائيل ويعتبرون أنفسهم أقرب إلى إسرائيل من العرب، والسبب في أخذ الجماعة مثل هذه المواقف يأتي بتعليمات من فتح الله غولن نفسه، الذي يحثهم على عدم المساس بالمصالح الإسرائيلية أو الابتعاد عن انتقادها والدخول معها في صراع».
وفي المقابل يقول يشيل إن اتهام جماعة غولن بالابتعاد عن السنة النبوية يصدر عن من «لم يقرأ كتب وفكر غولن». ويقول: «لو نظرنا إلى الفكر وأسلوب حياته لوجدنا أنها تتوافق تماما مع السنة النبوية التي كانت تطبق أيام السلف الصالح، وهو يتابع ويحاول بكل السبل أن يطبق أسلوب حياة الحبيب المصطفى (عليه الصلاة والسلام)».
ويرد أكتاي السبب الحقيقي لخلاف غولن مع الحكومة إلى أن «الجماعة تريد أن تكون هي المتحكمة الأساسية، وبأن تكون السلطة الفعلية في البلاد، ولهذا تريد أن تقيم أو تنشئ دولة موازية (خفية) في تركيا على أنقاض الدولة الخفية القديمة التي جفف منابعها إردوغان، ولهذا كانوا يرغبون في الإطاحة بـ(رئيس الاستخبارات التركية) هاكان فيدان لتعيين رجل مقرب من الجماعة، لافتا إلى تقاطع بين الجماعة وإسرائيل التي كانت من أكثر الدول التي تنتقد فيدان... وهذا دليل آخر على نوع العلاقة بين الطرفين». وتوقع أكتاي أن يسحب إردوغان كل المرشحين المنتمين إلى الجماعة من لوائح الحزب، مشيرا إلى أن الاستقالات التي حصلت من الحزب قد ترتفع، لكنها لن تتجاوز 10 نواب.
* مشكلات المنطقة في فلسفة غولن: الجهل والافتراق والفقر
* يقول يشيل إن غولن يرى أن المشكلات التي تعاني منها منطقتنا تعود إلى ثلاثة أسباب: الأول منها هو الجهل، والثاني هو «الافتراق» وعدم الوحدة، والثالث هو الفقر، ولهذا نرى أنه في جميع مراحل حياته طور أساليبه حسب الظروف الموضوعية لمحاربة تلك المعضلات الثلاث. فكان يحاول تدريس التلاميذ على شكل حلقات في الأماكن التي يوجد بها ودعمهم ماديا لإكمال دراستهم الجامعية، ومن ثم فتح مدارس الدروس الخصوصية لتقوية من يرغب في الحصول على مساعدة للالتحاق بالكلية التي يطمح إلى الدراسة بها، وبهذه الطريقة حقق أول هدف وهو الحرب على الجهل، مشيرا إلى أن هذه الفعالية لم تنتهِ داخل الحدود التركية، بل تعدتها إلى أكثر من 160 دولة حول العالم، تحمل نفس التوجه والإيمان على أساس منطق دحر الجهل».
أما بالنسبة إلى الافتراق فقد قام بتقريب وجهات النظر بين الفرقاء المختلفين والمنتمين إلى قوميات وثقافات مختلفة، فالحضارات والثقافات التي لا يعرف بعضها بعضا تتصارع، فإذا جرى التعرف في ما بينهم فإن الصراع سينتهي فورا، ولهذا أقام منتدى الحوار الذي يوجد له فروع في أكثر من 100 دولة في العالم. أما بالنسبة للمعضلة الثالثة فقد عمل على محاربتها (الفقر) من جانبين، الأولى تأسيس جمعية «كيمسى يوكمو» لمساعدة المحتاجين في السلم والحرب والكوارث الطبيعية، والخطوة الثانية تجميع رجال الأعمال تحت راية واحدة لأن في الاتحاد قوة لاستثمار أموالهم بطريقة صحيحة سواء في داخل أو خارج البلاد، وكانت مؤسسة «توسكم» هي المظلة التي تجمع تحتها العشرات من المؤسسات ورجال الأعمال لإقامة مشاريع إنسانية خارج الحدود.
ولفتح الله غولن 60 كتابا، وقد حصل على الكثير من الجوائز على كتبه هذه، وأغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم. ألف في السيرة النبوية كتابا حديثا سماه «النور الخالد»، الدراسة العلمية للسيرة النبوية.

* علاقته مع العسكر: شهر عسل تلاه ندم
* يفضل البقاء في الولايات المتحدة خوفا من أن يؤذي وجوده أنصاره
* احتفظ غولن بعلاقة جيدة مع العسكر، خصوصا بعد انقلاب عام 1980، حيث ازدهرت حركته مع إعلان السلطات آنذاك إلغاء الحظر عن نشاطات الجمعيات الدينية، وإطلاق حرية الإعلام، وهو ما استفاد منه كثيرا غولن. لكن هذه العلاقة ما لبثت أن ساءت وصولا إلى حد تحرك القضاء ضده. ويقول رئيس معهد الفكر الاستراتيجي البروفسور ياسين أكتاي، الذي يعتبر واحدا من أبرز المنظرين لحزب العدالة والتنمية، إن «سبب انقلاب الجيش عليه هو أنه حاول إدخال رجاله إلى المؤسسة العسكرية باستخدام أساليب ملتوية اكتشفها العسكر بعد فترة، ولهذا كان يطرد من صفوف الضباط سنويا المئات نتيجة اتهامهم بالرجعية، واعتبر الجيش أنه وجماعته يشكلون خطرا على النظام العلماني في البلاد، مع أنه كان من الذين يدعمون الجيش بتصديه لنجم الدين أربكان، بل كان ينتقد سياسته في كل مناسبة، وطالب حكومة أربكان بالاستقالة لأنها تسير في الطريق الخطأ، ولهذا كان يعتبر ابن العسكر المدلل في البداية ولكن في النهاية فإن الطغمة العسكرية كانت ضد أي تيار ديني في البلاد». ويشير يشيل إلى أن غولن تعرض للاعتقال لمدة 9 أشهر في انقلاب 1960 وانقلاب 1971، كما أنه تعرض للملاحقة لمدة 6 سنوات بعد انقلاب عام 1980، ولكن رغم تلك الصعوبات والملاحقات إلا أنه لم يهمل إعطاء الدروس لمن يرغبون.
بدأت متاعب كولن مع السلطات التركية بدأت في 18 يونيو (حزيران) عام 1999 عندما تحدث في التلفزيون التركي، وقال كلاما اعتبره البعض انتقادا ضمنيا لمؤسسات الدولة التركية. وبعد ذلك بدأ المدعي العام للدولة تحقيقا في تصريحات غولن. وقد تدخل رئيس الوزراء التركي آنذاك بولند أجاويد ودعا الدولة إلى معالجة الأمر بهدوء. ودافع عن كولن وعن مؤسساته التعليمية قائلا إنها «تنشر الثقافة التركية حول العالم، وتعرف تركيا بالعالم. مدارسه تخضع لإشراف متواصل من السلطات». بعد ذلك اعتذر كولن علانية عن تصريحاته، إلا أن بعض العلمانيين ظلوا متشككين في أهدافه، ولاحقا وجهت إليه اتهامات بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش.
ثم أتت لقطة الفيديو الشهيرة التي بثت على «يوتيوب» وظهر فيها كولن وهو يقول لعدد من أنصاره إنه سيتحرك ببطء من أجل تغيير طبيعة النظام التركي من نظام علماني إلى نظام إسلامي، كما تحدث عن نشر الثقافة التركية في أوزبكستان، مما أثار موجة غضب في الجيش التركي وباقي المؤسسات العلمانية في البلاد. كما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وأوزبكستان دفعت بولند أجاويد إلى التدخل مجددا في محاولة لحلها. لكن أوزبكستان قررت إغلاق عدد من المدارس التابعة لكولن، بينما أصدرت هيئة التعليم العالي في تركيا قرارا يقضي بعدم الاعتراف بالشهادات العلمية التي تعطيها مدارس كولن، فانتقل كولن إلى الخارج من أجل «العلاج» ولا يزال منذ ذلك الحين مقيما في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن المحاكمة انتهت في وقت لاحق إلى إعلان براءته، إلا أن غولن فضل البقاء في الولايات المتحدة حيث إنه «يدير أعمال وعلاقاته من الولايات المتحدة أفضل وبشكل آمن من تركيا»، كما يقول أكتاي. ويشير إلى أن إردوغان دعاه للعودة إلى البلاد لأنه لا يوجد أي مانع من ذلك، ولكن السبب الحقيقي من وراء عدم العودة أنه لا يريد أن يزج بنفسه في الصراعات السياسية ويحبذ أن يوجه السياسة من بعد، فلو كان اليوم هنا فإنه كان سيكون في قلب الحدث، كما أنه لا يستطيع ترك مؤسساته ومدارسه ولوبياته التي تعمل في الولايات المتحدة».
لكن يشيل يقول إن الجميع يعرف بأنه ذهب للعلاج إلى أميركا، وبعد تعافيه نظر إلى الوضع الذي كانت تعيشه تركيا آنذاك حيث كانت في حالة من عدم الاستقرار، ففضل أن لا يعود لأنه إذا عاد فإن الجماعة ستصاب بأذى نتيجة عودته وسيتضرر العشرات بل المئات من مناصريه». كما أن تركيا كانت تعيش مرحلة العودة أو الانطباق مع الديمقراطية وكان مخاضها صعبا، مشيرا إلى أنه عندما سئل غولن عن سبب عدم عودته مع وصول العدالة والتنمية إلى الحكم قال إن تركيا ما زالت تعيش مرحلة انتقالية غير مستقرة، وإن عودتي في مثل هذه الأيام أيضا ستلحق الضرر بالدعوة وبالمناصرين سواء ماديا أو معنويا»، مضيفا: «إذا كان وجودي في تركيا سيتسبب في استغلال البعض واستفزازهم فإنني أفضل أن أعيش في الغربة على أن أكون سببا لهذا»، معتبرا أن ما تعيشه تركيا الآن «من مرحلة لتطهير البلاد من الفساد لهو دليل قاطع لصحة نظرته ورؤيته». ويقول: «القوانين التي تصدر في دقائق والتعيينات وإقالة العشرات من مديري الأمن وسحب الملفات من الادعاء لهي أكبر دليل على أن تركيا ما زالت في مرحلة انتقالية ولم تنتقل إلى مرحلة الديمقراطية بعد».



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.