صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن
TT

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

فرح العالم العربي بفوز الأردن بمقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن، بعد حصوله على موافقة ثلثي الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعهد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة بأن يعمل الأردن للدفاع عن المصالح العربية داخل المنظمة الدولية، ووعد بالعمل على الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يضمن وحدة الأراضي السورية ووقف معاناة اللاجئين السوريين في دول الجوار.
في الوقت نفسه، وقف العالم احتراما للمملكة العربية السعودية بعد اعتذارها عن عدم شغل هذا المقعد بمجلس الأمن لازدواجية المعايير التي تحول دون قيام المجلس بواجباته. وقد أبلغ السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ببيان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وأسباب رفض السعودية للمقعد، والذي أشار فيه إلى إخفاق المجلس في معالجة الوضع في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وهي القضية التي يناقشها مجلس الأمن منذ أكثر من 60 عاما، وإخفاق المجلس في التعامل مع الأزمة السورية، واستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في قمع إرادة شعبه وقتل وتعذيب وتشريد الملايين «تحت بصر مجلس أصابه سوء استخدام نظام الفيتو بالشلل».
وطوال تاريخ مجلس الأمن لم يشهد خطوات إصلاحية سوى مرات قليلة، كانت الخطوة الأولي في الإصلاح عام 1965 بعد تصديق ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بما في ذلك الدول دائمة العضوية على زيادة عضوية الدول غير الدائمة من ستة أعضاء إلى عشرة أعضاء. وكان إصلاح مجلس الأمن قضية مدرجة بشكل دائم على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1979، لكنها لم تحظ باهتمام كبير. ومنذ انتخاب بطرس بطرس غالي أمينا عاما للأمم المتحدة عام 1992 انطلقت مناقشات موسعة حول إصلاح مجلس الأمن وتوسعة أعضائه، وطالبت كل من اليابان وألمانيا بمقاعد دائمة بمجلس الأمن باعتبارهما ثاني وثالث أكبر مساهمين في الأمم المتحدة، كما طلبت البرازيل مقعدا دائما باعتبارها خامس أكبر بلد من حيث المساحة.
وطالبت الهند بمقعد دائم باعتبارها ثاني أكبر بلد من حيث السكان، وتسهم بشكل ثابت ومنتظم في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وطالبت الدول الأفريقية بمقعدين دائمين لدول القارة الأفريقية على أساس الظلم التاريخي للقارة. كما طلبت مجموعة تدعى «نادي القهوة»، ثم جماعة «متحدون من أجل التوافق» التي تضم إيطاليا وإسبانيا والأرجنتين وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وباكستان، بتوسعة عضوية مجلس الأمن وانتخاب أعضائه على أساس إقليمي، بما يحقق التوازن. واقترحت سويسرا مع 19 دولة تعرف بمجوعة «أكت» (ACT) بتقديم اقتراحات تتعلق بالمساءلة والشفافية في عمل مجلس الأمن. وتعددت المؤتمرات المطالبة بالإصلاح، لكن بقيت كل الأفكار والخطط ومحاولات الإصلاح محل التجميد رغم الاعتراف بأهمية وضرورة إصلاح مجلس الأمن.
وخلال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، أقر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن «جميع الدول تقريبا متفقة على أن مجلس الأمن يجب إصلاحه، لكن كيفية الإصلاح وأسلوبه فإن الدول الأعضاء غير قادرة على الاتفاق حولها»، معترفا بأن المنظمة الدولية تواجه تحديات جسيمة في إثبات مصداقيتها والعمل لمعالجة القضايا الدولية الملحة وتحقيق الأمن والسلم في العالم. وقد برهن مجلس الأمن بنفسه على عدم مصداقيته وفشله في تحقيق السلام والأمن الدوليين، ووقف المجتمع الدولي عاجزا عن التحرك لإنقاذ الشعب السوري من براثن ووحشية نظام الأسد بعد قيام الروس والصينيين باستخدام الفيتو عدة مرات لمنع إدانة النظام السوري، رغم تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بارتكاب الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم التحركات الأميركية التي قادتها مندوبة الولايات المتحدة السابقة سوزان رايس لاستصدار قرار من مجلس الأمن ضد النظام السوري.
يقول المحللون إن الأسباب الرئيسة لإخفاقات مجلس الأمن تعود إلى أمرين، الأول هو نظام العضوية، والثاني هو نظام حق الاعتراض أو الفيتو. فمنذ بداية إنشاء مجلس الأمن عام 1945 أسس قواعد بتخصيص خمسة مقاعد دائمة العضوية لخمس دول هي «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين» بعد انتصارها على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ولم تتغير تلك القواعد رغم التغييرات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك التاريخ، وتغير موازين القوى اقتصاديا وعسكريا. فالاقتصادان الألماني والياباني أصبحا أكثر قوة من الاقتصاد البريطاني أو الفرنسي، ودخلت دول مثل الهند وباكستان نادي الدول النووية ولم تحظ بمقعد دائم في مجلس الأمن. وقد أثار هذا الجمود في هيكل وتشكيل المجلس جدلا كبيرا في المجتمع الدولي حول فاعلية وشرعية المجلس في قضايا الأمن الدولي مثلما حدث في تعامله مع الأزمة السورية. لذا فإن مطالبة المملكة العربية السعودية بتخصيص مقعد دائم للدول العربية في مجلس الأمن لها وجاهتها السياسية، فلا يعقل أن يستمر احتكار تلك الدول الخمس للمقاعد دائمة العضوية وتستمر في التحكم في مصير بقية دول العالم بينما تتغير موازين القوى العالمية.
يقول المحلل المخضرم جيفري لورنتي بمؤسسة «سنشري» بواشنطن - والذي عمل بمنظمة الأمم المتحدة في عهد الأمين العام كوفي أنان وكتب عدة مقالات حول إصلاح الأمم المتحدة والنظام العالمي «هناك انتقادات عديدة لهيكل مجلس الأمن الدولي، فقد تم توسيع عضوية المجلس من ستة أعضاء منتخبين إلى عشرة عام 1965، ومنذ ذلك الحين ظلت تركيبة مجلس الأمن على حالها من دون تغيير، وقد سعت قوى من الدول المتقدمة والدول النامية مثل اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا للتصويت لصالح توسيع عضوية المجلس والحصول على مقعد دائم لها، ودعا آخرون للحصول على مقعد أوروبي مشترك واستبدال المقاعد الدائمة لبريطانيا وفرنسا، لكن النقاشات حول توسيع عضوية المجلس تظل دائما محكومة بالجدل حول المفاضلة بين الشرعية والفاعلية».
ويوضح لورنتي «ظهر مصطلح مسؤولية الحماية (R2P) في بداية الألفية لتبرير استخدام القوة خارج تفويض المجلس اعتمادا على مبدأ اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 ينص على أن الدول تتحمل مسؤولية حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية، وأنه على المجتمع الدولي مسؤولية استخدام الوسائل السلمية لحماية حياة السكان المهددة إذا فشلت الدولة بشكل واضح في تحمل مسؤوليتها.. لذا ينبغي اتخاذ تدابير بموجب الفصل السابع».
ويقول «دعاة هذا المبدأ ينتقدون المجلس ويقولون إن الفيتو يعطي حقا لا مبرر له لخدمة المصالح السياسية للدول الخمس دائمة العضوية، مما يؤدي إلى التراخي في مواجهة الفظائع الجماعية، كما أن الدول الساعية لعضوية دائمة في المجلس (مثل البرازيل والهند وألمانيا) لديها وجهات نظر مختلفة حول التدخل وتسعى لخدمة مصالحها الخاصة». ويشير لورنتي إلى تجارب لفشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات في الأزمات مثل رواندا عام 1994، حيث كانت الولايات المتحدة من بين القوى التي حالت دون أن تقوم الأمم المتحدة باستجابة فورية في رواندا، مما أدى إلى مقتل 800 ألف شخص في الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد قبائل التوتسي، كما لحقت بالأمم المتحدة هزائم «مذلة» في منطقة البلقان حيث استخدمت قوات حفظ السلام كدروع بشرية في حصار سراييفو، وفشل مجلس الأمن في حماية المدنيين. لكن لورنتي يؤكد رغم تلك الإخفاقات أن سجل الأمم المتحدة في مجال بعثات حفظ السلام لا يزال قويا نسبيا.
ويشدد المحللون على أن السبب الثاني وراء إخفاق مجلس الأمن الدولي هو نظام حق النقض أو ما يعرف بحق الفيتو باعتباره أمرا يتعارض تماما مع مبدأ الديمقراطية، حيث تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية الاعتراض على أي قرار دون إبداء أسباب، حتى لو كانت جميع دول العالم تؤيد هذا القرار. أما الدول العشر غير دائمة العضوية فواقع الأمر أنها «لا حول لها ولا قوة»، أي أنها لا تستطيع أن تفرض قرارا ولا تستطيع منع أي قرار.
يقول ريتشارد بتلر، المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة ولاية بنسلفانيا، إنه منذ بداية عمل مجلس الأمن تم استخدام حق الفيتو 269 مرة، حيث استخدمه الاتحاد السوفياتي - روسيا الاتحادية 128 مرة، واستخدمته الولايات المتحدة 89 مرة، واستخدمته المملكة المتحدة 32 مرة، وفرنسا 18 مرة، والصين 9 مرات. ويضيف بتلر أن استخدام حق الفيتو من قبل روسيا والولايات المتحدة كان كبيرا خلال فترة الحرب الباردة. فالمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بتكوين مجلس الأمن، والتي تم تعديلها في 23 أغسطس (آب) 1965، هذا التعديل فيها وسع العضوية إلى 15 عضوا وأعطى صلاحيات فريدة من نوعها للدول دائمة العضوية، حيث يعطي ميثاق الأمم المتحدة سلطة قانونية لمجلس الأمن على حكومات الدول الأعضاء، وتعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق).
ويواصل «ينص الميثاق على مجموعة متناقضة من المعايير، فهو من ناحية يشير إلى فكرة المساواة بين الدول الأعضاء، والالتزام بالغرض المشترك وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وضمان حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، أعطى الميثاق امتيازات مثيرة للدهشة للأعضاء الدائمين بما يمكنهم من لعب دور المهمين».
ولفظ «فيتو» لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ «حق الاعتراض»، وهو في واقع الأمر «حق إجهاض لأي قرار يجتمع عليه معظم الأعضاء في المجلس، إذ يكفي اعتراض أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائيا حتى وإن كان مقبولا للدول الأربع عشرة الأخرى. ووفقا للمحللين السياسيين، يمثل حق النقض نقطة خلافية حساسة للكثير، لأنه يضع الكثير من السلطة في أيدي عدد قليل من الدول. وقد أعطت الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام مثالا حيا لقدرة «حق النقض» على منع التحرك الدولي لمعالجة مشكلة باتت تشكل جريمة إنسانية.
وتشدد مندوبة أستراليا لدى الأمم المتحدة فيليبا كينغ على أنها تؤيد اقتراح فرنسا لإصلاح حق النقض. وتقول «بالنظر إلى تعامل مجلس الأمن مع الأزمة السورية فإننا نؤيد اقتراح فرنسا بأن يتنازل الأعضاء الدائمون عن حق النقض طواعية في حالات الجرائم والفظائع الجماعية، وهو اقتراح له ما يبرره ويستحق مزيدا من الدراسة». وقد أيدت نيوزيلندا وآيرلندا والمكسيك هذا الاقتراح، لكن البعض دعا إلى إلغاء حق النقض بشكل كامل. ويقول نائب مندوب جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة الدكتور ماشاباني إن النظام الحالي غير ديمقراطي، ويمثل نوعا من النفاق، لأن المفارقة أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم قادة العالم الحر، وحصون الديمقراطية، هم أنفسهم يجلسون مرتاحين في بيئة غير ديمقراطية داخل مجلس الأمن. والنظام الحالي لا يخدم سوى الأجندات السياسية الخاصة لتلك الدول، ويبقي مواطني العالم رهينة للمصالح السياسية للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن».
ويطرح المنادون بالإصلاح في ما يتعلق بحق الفيتو ثلاثة اتجاهات، الأول يطالب بإلغاء حق الفيتو كلية، والثاني يرى ضرورة الإبقاء عليه للأعضاء الدائمين وعدم منحه للأعضاء الجدد إذا جرت توسعة نطاق العضوية ودخول أعضاء جدد لمجلس الأمن. أما الاتجاه الثالث فيرى ضرورة الإبقاء على حق الفيتو، لكن مع تقييد حق استخدامه وتعديل المعايير ووضع ضوابط وشروط تقنن قدرة أي دولة على استخدامه لتلافي ظاهرة سوء استخدامه أو الإسراف فيه.
في المقابل، كتب ألكسندر ياكوفينكو، السفير الروسي لدى بريطانيا ونائب وزير الخارجية الروسية (من 2005 إلى 2011)، مقالا بموقع «روسيا اليوم» الشهر الماضي، هاجم فيه أي محاولات لتغيير نظام الفيتو داخل مجلس الأمن مطالبا بأفكار تهدف لتعزيز قدرة المجلس على الاستجابة السريعة، وليس أفكارا تؤثر على امتيازات وصلاحيات الأعضاء الدائمين الحاليين في المجلس. وقال ياكوفينكو «أي أفكار تؤثر على امتيازات الدول دائمة العضوية هي أفكار غير مقبولة، لأن هذه الامتيازات هي انعكاس للمساهمة التاريخية التي قدمتها الدول الخمس لتجعل من الأمم المتحدة حقيقة ملموسة. والي جانب ذلك فإن الفيتو هو أحد العوامل المهمة التي تحفز أعضاء مجلس الأمن للسعي لاتخاذ قرارات متوازنة. وسيكون من الخطأ تاريخيا وسياسيا التعدي على هذا الحق الذي تم اعتماده للتغلب على صدور قرارات من جانب واحد، وسيكون ذلك تخريبا للأمم المتحدة». وأضاف ياكوفينكو «مسألة إصلاح مجلس الأمن لا يمكن معالجتها ببساطة عن طريق الرياضيات، وإجراء تصويت على مشروع إصلاح والحصول على أصوات ثلثي الجمعية العامة (عدد الدول الأعضاء بها يبلغ 192 عضوا)، ونحن نؤيد إصلاحا يحظى بأوسع دعم ممكن من الدول بأغلبية أكبر بكثير من الثلثين، أي أننا بحاجة لاتفاق عام، ونحن على استعداد للنظر في كل الخيارات شرط أن تكون أفكارا معقولة تقوم على التوافق ودعم جماعي داخل الأمم المتحدة».
وتقول الباحثة سونيا روثويل إنه رغم الضغوط لإصلاح الطريقة التي يعمل بها مجلس الأمن فإنه من غير المرجح أن يحدث تغيير، فالانتقادات الأساسية كما تقول الباحثة ترتكز في الافتقار لتمثيل من أفريقيا وأميركيا اللاتينية بين مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما لا يعطي بذلك مجالا لقوى صاعدة وقوية اقتصاديا مثل الهند وألمانيا، وهو ما يعني أن تكوين مجلس الأمن يعكس النظام الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية والذي عفا عليه الزمن لكنه لا يزال قويا.
* خطط كثيرة للإصلاح
* في عام 2004 وبناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان، قدم فريق من 16 عضوا خطة لإصلاح مجلس الأمن، وقدم خيارين الأول هو إضافة ستة أعضاء دائمين جدد من دون أن يكون لهم حق الفيتو، مع إضافة ثلاثة مقاعد غير دائمة أخرى. والخيار الثاني هو إضافة ثمانية مقاعد قابلة للتجديد مرة كل أربع سنوات، وأيضا ليس لها حق النقض، وإضافة مقعد واحد غير دائم العضوية. خطة أخرى قدمتها مجموعة «متحدون من أجل التوافق»، والتي تشمل إيطاليا وإسبانيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمكسيك والأرجنتين، عام 2005، واقترحت التوسع في العضوية غير الدائمة مع الإبقاء على الدول دائمة العضوية بوضعها الحالي، ويتم انتخاب الأعضاء الإضافيين من قبل الجمعية العامة، ـخذا في الاعتبار معيار مدى مساهمتهم في ميزانية مهمات حفظ الأمن والسلم وأيضا التوزيع الجغرافي العادل.
وتهدف الخطة إلى إتاحة مقاعد لست دول من أفريقيا وخمس من آسيا وأربع من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وثلاث من أوروبا الغربية واثنتين من أوروبا الشرقية، وانتخاب الدول غير الدائمة لمدة سنتين من قبل مناطقها بما يوفر إمكانية فورية لإعادة انتخابها وبناء الثقة وتوفير توازن عادل إقليميا وعالميا.
ورغم ما قدمته تلك الوثيقة من إصلاح معقول فإن الاتحاد الأفريقي اعترض على مبدأ عدم الحصول على حق النقض، وطالب بمنحه لجمع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
ويستلزم إجراء أي تغيير وجود إرادة سياسية من القوى الكبرى في مجلس الأمن، وهي أكبر عقبة تحول دون تحقيق أي أفكار أو خطط لها علاقة بإصلاح الأمم المتحدة.
وخلال العقود الماضية طرحت عدة سيناريوهات وأفكار لإصلاح مجلس الأمن، تركز معظمها على تغيير تركيبة العضوية وطريقة التصويت، وطرحت أفكار تتعلق بالتمثيل القاري بحيث يكون لكل قارة صوت داخل مجلس الأمن، وأن يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية، وأن يتم إلغاء حق النقض أو الفيتو نهائيا.
وخرجت أصوات أخرى تبحث عن حلول أخرى، وتنادي بإنشاء منظمة دولية جديدة تشترك فيها قارات أفريقيا وأستراليا، ودول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية والعربية والأوروبية الناقمة على الأوضاع الحالية في منظمة الأمم المتحدة، وأن تكون لتلك المنظمة الجديدة ميزانيتها الخاصة وقوة عسكرية خاصة قادرة على تنفيذ القرارات التي تصدرها بشكل حاسم.
وتنادي أصوات إصلاحية أخرى بتقوية منظمات مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية لتصبح كيانات قوية بما يمكنها من القيام بدور أكبر في مهام حفظ السلام والأمن الذي تقوم به الأمم المتحدة، فإذا رأت دولة أنها لم يتم تناول مظالمها في نيويورك أو جنيف فيمكنها التفكير في الحصول على العدالة من منظمات إقليمية بما يشكل ضغطا على مجلس الأمن.
* إحصاءات وحقائق
* وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2013 فإن أكبر 15 دولة من المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة هي بالترتيب: الولايات المتحدة التي تسهم بنسبة 22 في المائة من ميزانية المنظمة الدولية، تليها اليابان بنسبة 10.9 في المائة، ثم ألمانيا بنسبة 7.1 في المائة، ثم فرنسا بنسبة 5.5 في المائة، ثم المملكة المتحدة بنسبة 5.2 في المائة، ثم الصين بنسبة 5.1 في المائة، ثم إيطاليا 4.4 في المائة، ثم إسبانيا 2.9 في المائة، ثم البرازيل 2.9 في المائة، ثم روسيا 2.4 في المائة، ثم أستراليا 2.07 في المائة، ثم كوريا الجنوبية 1.9 في المائة، ثم المكسيك بنسبة 1.8 في المائة، وأخيرا هولندا بنسبة 1.6 في المائة. أما بقية الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة فيبلغ إجمالي مساهمتها 20.7 في المائة. وبلغت ميزانية الأمم المتحدة لعام 2013/2012 مبلغ 5.512 مليار دولار.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.