يكتنف البحث عن وسيلة لإنهاء القتال في قطاع غزة الذي أسفر عن مقتل أكثر من 800 شخص كثير من التعقيدات، أهمها حقيقة أن أحد الطرفين المتقاتلين هو إسرائيل التي تعد حليفا وثيقا للولايات المتحدة ومن جهة أخرى أن حركة حماس تعد شبه عدو مدرج على القائمة السوداء.
فمن الصعب أن تكون وسيطا عندما لا يمكنك التحدث إلى كل الأطراف، وهو الأمر الذي مر به وزير الخارجية جون كيري خلال خمسة أيام من جهود صنع السلام هذا الأسبوع.
وكان كيري يأمل في إعلان هدنة مؤقتة الجمعة، تنص على وقف إطلاق النار الذي سيبدأ مطلع الأسبوع وربما يستمر أسبوعا، مما يتيح الوقت لإجراء مفاوضات أوسع نطاقا من شأنها أن تقلل من احتمالية وقوع قتال آخر في قطاع غزة.
وبدلا من ذلك اتفقت إسرائيل وحماس على «توقف إنساني» لمدة 12 ساعة السبت، وبدا أن القتال سيستأنف من دون شك.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساء الجمعة أن مجلس الوزراء الإسرائيلي في اجتماعه المصغر للشؤون السياسية والأمنية رفض بالإجماع اقتراح وقف إطلاق النار في شكله الحالي. واعترف كيري أن الجهد لم يثمر ولكنه قال إنه ودبلوماسيين آخرين سيواصلون العمل لوقف العنف.
وقال حسبما نقلته وكالة أسوشييتد برس «لقد جرى تضيق الفجوات إلى حد كبير». وأضاف: «يمكن تحقيق ذلك، إذا عملنا على بعض القضايا التي تمثل أهمية للطرفين».
وتقف إدارة أوباما في مأزق بين الولاء لإسرائيل والانتقادات الدولية المتزايدة لإسرائيل بسبب أنها غير آبهة بسقوط ضحايا من المدنيين نظرا لاستخدام القوة المفرطة. وترد إسرائيل بأنها تحمي المدنيين الذين تستخدمهم حماس دروعا بشرية، ولكن هذا لا يسهل من مهمة الأميركيين التي تهدف إلى صنع السلام.
وشملت جهود كيري الرامية إلى التوصل إلى اتفاق هدنة يوم من الدبلوماسية المكوكية التقليدية، بدءا من مصر ثم إلى إسرائيل والضفة الغربية والعودة مرة أخرى. ومعظم الوقت الباقي كان يجري اتصالات هاتفية.
فكان على قائمة الاتصال الهاتفي السريع لكيري وزيرا خارجية تركيا وقطر ودبلوماسيون مسلمون بأجنداتهم الخاصة، وكان لديه، عبر هؤلاء، خط مفتوح مع قادة حماس، بينهم خالد مشعل أحد زعماء الحركة الذي يعيش في العاصمة القطرية، الدوحة.
كما التقى كيري مرتين مع رئيس استخبارات السلطة الفلسطينية، الذي كان يدير الوساطة بين حركتي فتح وحماس، إذ يعد الانقسام الفلسطيني أحد معضلات التوصل إلى حل للنزاع الذي دخل أمس يومه الـ19 في غزة، التي تسيطر عليها حماس منذ عام 2007. وتعهدت الحركة المسلحة كثيرا بالقضاء على إسرائيل، في الوقت الذي تعدها فيه الولايات المتحدة وإسرائيل جماعة إرهابية. ويحظر على مسؤولي الولايات المتحدة التعامل بصورة مباشرة مع حماس. ويستخدم المسلحون التابعون لحماس أو من يحظون بحمايتها، غزة كمنصة إطلاق لصواريخ ترهب إسرائيل على الرغم من كونها غير فعالة في غالب الأحيان ويحفرون أنفاقا على الحدود الإسرائيلية التي تزعم إسرائيل بأنها تستخدم لمحاولة شن هجمات إرهابية.
أبرمت حماس وفتح مصالحة رسمية في ربيع هذا العام، وهو ما أفسد إلى جانب البناء المتكرر للمستوطنات الإسرائيلية جهود كيري الرامية إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود. فلم تفعل المصالحة شيئا لوقف صواريخ حماس التي تطلق على إسرائيل قبل الحرب الحالية. وتدعي إسرائيل أن ما يزيد على 2000 صاروخ أطلقت من غزة منذ بدء القتال في 8 يوليو (تموز).
وقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بجهود دبلوماسية الأسبوع الماضي لكنه لم يتمكن من الحصول على تنازلات لحماس من إسرائيل أو لإقناع المسلحين بالتراجع.
وهناك أيضا مشكلات تخص العزلة المتنامية لحماس والضعف، الذي لن يجعل هناك الكثير ليخسره المسلحون إذا واصلوا قتالهم ضد إسرائيل، والتأثير المتلاشي لمصر، الشريك الأميركي، كوسيط.
تلك العوامل تجعل إمكانية التوصل إلى اتفاق في الوقت الراهن أصعب من الوقت الذي تبادلت فيه حماس وإسرائيل إطلاق النار في عام 2012، وهو الصراع الذي استمر ثمانية أيام ثم جرى التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.
كان مرسي الرئيس الذي حظي بدعم جماعة الإخوان المسلمين له تأثير واضح على المسلحين، وتدخله لوقف إطلاق النار أعطاه ثقلا كرجل دولة. لكن الحكم الحالي في مصر لديه شكوك عميقة حول ميليشيات حماس التي تجاوره على الحدود.
وقبلت إسرائيل اقتراح وقف إطلاق النار المصري الأسبوع الماضي ورفضته حماس عادة إياه غير كاف، بينما سعى كيري لتعديل العرض من دون الإساءة إلى السلطات المصرية.
وهنا يثار سؤال ذو وجهين عما إذا كانت إسرائيل مستعدة لوقف حملتها العسكرية وما إذا كانت حماس ترى أنه من مصلحتها أن توافق على ذلك.
واستمرت الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية لفترة أطول، وأعمق في قطاع غزة مما كان متوقعا في البداية. وتجاهلت إسرائيل تحذيرات أميركية ضد الغزو البري وتجاهلت الانتقادات الدولية المتزايدة بشأن عدد القتلى المدنيين. ولم يتضح يوم الجمعة ما الذي سيحدث بعد ذلك، والآن رفضت الحكومة الإسرائيلية اقتراح وقف إطلاق النار الذي تدعمه الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، لم تعد حماس كما كانت من قبل، وذلك بخفوت نجم الحركة كثيرا منذ عام 2012، بعد أن سحبت مصر دعمها، وانهمك راعيها السوري السابق بشار الأسد في الحرب الأهلية، وعادت إيران إلى عميلها السابق. بيد أن الصراع الحالي يسترعي الانتباه الدولي تجاه الهدف الرئيس الذي تنشده حماس وهو إنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن حماس لا تحظى بقدر كبير من التعاطف، ربما يؤجج تصاعد أعداد الوفيات وحوادث مثل قصف مدرسة تابعة للأمم المتحدة في غزة يوم الخميس الغضب تجاه إسرائيل وتحسين الموقف التفاوضي للميليشيات.
* خدمة «واشنطن بوست»