قضايا حظر النشر... حماية خصوصيات أم عرقلة لحرية المعلومات؟

أضعفتها فوضى الإنترنت

طالبت صحيفة «التلغراف» السير غرين بإسقاط الحظر القضائي  بعد أن أصبحت قضية التحرش المتهم بها شائعة إعلامياً
طالبت صحيفة «التلغراف» السير غرين بإسقاط الحظر القضائي بعد أن أصبحت قضية التحرش المتهم بها شائعة إعلامياً
TT

قضايا حظر النشر... حماية خصوصيات أم عرقلة لحرية المعلومات؟

طالبت صحيفة «التلغراف» السير غرين بإسقاط الحظر القضائي  بعد أن أصبحت قضية التحرش المتهم بها شائعة إعلامياً
طالبت صحيفة «التلغراف» السير غرين بإسقاط الحظر القضائي بعد أن أصبحت قضية التحرش المتهم بها شائعة إعلامياً

أثيرت في الأوساط الإعلامية البريطانية، أخيراً، قضية رجل أعمال مشهور يحمل لقب «سير» رفع دعوى قضائية ضد صحيفة «التلغراف» يمنعها من نشر اسمه في قضية تحرش وعنصرية ببعض العاملين والعاملات في شركاته. والتزمت الصحيفة بأمر المحكمة الذي يسمى في القانون الإنجليزيInjunction» »، لكن القضية اتخذت منحى معاكساً بالمرة عندما صرّح اللورد هين، عضو مجلس اللوردات البريطاني، باسم رجل الأعمال سير فيليب غرين وبأنه هو المقصود بقرار المنع القضائي في حالة صحيفة «التلغراف»، مستخدماً في ذلك امتيازات برلمانية تحميه من المحاسبة القضائية.
وبدلاً من السرية التي كان يريدها، غرين تحولت القضية إلى أمر شائع نشرته كل الصحف البريطانية، واضطر غرين إلى إصدار بيان ينفي فيه التهم المنسوبة إليه. وطالبت صحيفة «التلغراف» غرين بإسقاط الحظر القضائي بعد أن أصبحت القضية شائعة إعلامياً.
يفتح ملف هذه القضية ظاهرة منع النشر التي ظلت سائدة منذ عقود لحماية المشاهير والنبلاء، وحتى العائلة المالكة من نشر خصوصيات تتراوح بين تصرفات غير لائقة وفضائح على أساس أنها معلومات شخصية ذات خصوصية لا تهم الرأي العام.
وهناك سابقة من لاعب كرة مشهور اسمه براين غيغز استصدر أمراً قضائياً لمنع صحيفة بريطانية من نشر مذكرات عشيقة قررت أن تبيع قصتها معه إلى الصحافة. ولم يكتفِ اللاعب بمنع الصحيفة من نشر الفضيحة، بل منعها أيضاً من نشر وجود أمر قضائي يمنعها من النشر، وهو ما أطلق عليه قانوناً لفظ «Super Injunction». ومع ذلك تكفلت تغريدات «تويتر» بالكشف عن هوية اللاعب، وتبع ذلك إعلان النائب البرلماني جون هيمينغز، من حزب الأحرار الديمقراطيين، اسم اللاعب تحت قبة البرلمان؛ وبذلك انعدمت قيمة المنع القضائي الذي حصل عليه اللاعب.
وجاءت الاتهامات ضد سير فيليب غرين ضمن حملة غربية اسمها »#MeToo» من نساء تعرضن للتحرش من رجال في مراكز قوة بدأت من هوليوود بإفصاح الكثير من الممثلات عن حالات تحرش واعتداء جنسي من المنتج هارفي واينستين، وانتقلت بعدها إلى أوساط ودول أخرى تشجعت فيها النساء على إعلان حالات التحرش التي إصابتهن في مجالات أعمالهن.

حماية الخصوصيات
يأتي دور القضاء في حالات منع النشر «لحجب معلومات تعتبر شخصية وخصوصية»، وهي في الغالب تخص أشخاصاً لا يرغبون في نشر معلومات تؤثر على سمعتهم، وتكون في الغالب صحيحة وعليها شهود أحياء. لكن هذا الحجب يكون أحياناً لفترات محددة كما يمكن أيضاً الاستئناف من أجل إلغاء الحظر. وهي في الواقع حالات نادرة نسبياً، وفي الغالب لا تدوم طويلاً في العصر الحديث، حيث تتكفل بالكشف عنها وسائط التواصل الاجتماعي بعيداً عن المحاذير القضائية المفروضة على الإعلام.
ومع ذلك، تعترض الصحف على أسلوب فرض القضاء لأوامر منع النشر في كشف حالات وقضايا حقيقية عليها شهود وتلتزم بالقواعد الصحافية في التحقق من المعلومات قبل نشرها.
وما يؤكد ذلك، أن أعضاء البرلمان ومجلس اللوردات البريطاني يضطرون أحياناً إلى استخدام الامتياز البرلماني الذي يعفيهم من المساءلة للكشف عن الأشخاص الذين يسعون إلى منع أسمائهم قضائياً من الظهور الإعلامي.
ويلجأ المشاهير إلى منع النشر القضائي لحماية السمعة، أو للحفاظ على تعاقدات رعاية إعلانية مثل حالة تايغر وودز، لاعب الغولف العالمي، الذي فقد تعاقدات إعلانية بملايين الدولارات بعد كشف خيانته الزوجية إعلامياً. وتشمل قائمة الأشخاص الذين سعوا لحجب النشر سياسيين وفنانين ورياضيين وشخصيات عامة.

قضايا الفساد
الخطير في مسألة المنع القضائي، أنها لا تقتصر على قضايا التحرش أو الفضائح، بل تشمل أيضاً قضايا فساد وقضايا جنائية. ومن أبرز القضايا السابقة التي حصلت على منع نشر قضائي، شركة نفط هولندية لوّثت شاطئ ساحل العاج بنفايات وحاولت التهرب من المسؤولية عبر منع النشر. لكن القضية انكشفت بعد حين واضطرت الشركة إلى دفع تعويض إلى حكومة ساحل العاج قيمته مائة مليون إسترليني من أجل تنظيف الشواطئ، بالإضافة إلى 30 مليون إسترليني لمواطنين تأثروا بالتلوث بلغ عددهم 30 ألف مواطن في ساحل العاج. وبعد ذلك، فرضت محكمة هولندية غرامة على الشركة قيمتها مليون يورو.
وعلى رغم صدور أمر قضائي «سوبر» بعدم النشر وعدم ذكر قرار منع النشر، فإن عضواً برلمانياً بريطانياً كشف القضية في عام 2009. وبعد هذه القضية هاجم الإعلام البريطاني القضاء لمحاولة الحفاظ على سرية هذه الفضيحة بمنع النشر.
وما زالت الصحافة البريطانية تهاجم قرارات المنع من النشر؛ لأنها تقتصر على بريطانيا.
وتذكر الصحافة أمثلة كثيرة لمنع صور ملكية بريطانية من النشر في التسعينات من القرن الماضي، والتزمت جميع الصحف البريطانية عدم النشر، لكن الصور طبعت ونشرت في مجلات أوروبية. وتتهم الصحف قرارات المحاكم بمنع النشر بأنها تمنح صكوكاً للغشاشين في كل الأحوال بدلاً من موازنة الصالح العام مقابل حق الخصوصية.

خطوط رمادية

وليست هناك خطوط واضحة بعد بين حرية المعلومات وحقوق الخصوصية. من ناحية، توجد قوانين الصحافة المتعارف عليها من منع السب والقدح والتشهير وضرورة نشر وجهة نظر جميع الأطراف في أي قضية ونشر الدلائل ومصادر المعلومات. من ناحية أخرى، هناك مخاوف من الشخصيات العامة من ورود أسمائهم في تحقيقات أو قضايا مغرضة ليس لهم علاقة بها، لكنها تضر بسمعتهم.
وقد حصل المغني البريطاني كليف ريتشارد على تعويض من هيئة الإذاعة البريطانية على قيامها ببث تصوير بطائرة هليكوبتر لهجوم الشرطة على منزله الشاغر بينما هو في عطلة أوروبية؛ بدعوى البحث عن دلائل لاتهامه بجرائم جنسية. وعلى رغم البراءة التامة من هذه الادعاءات، فإن القضية كان لها تأثير عميق على ريتشارد الذي بكى أثناء الدفاع عن نفسه. وهي قضية تعلل أهمية عدم النشر قبل التحقق من الوقائع رسمياً.

الفوضى الإلكترونية

من ناحية أخرى، يتساءل إعلاميون عن أهمية حظر النشر في عصر الإنترنت، حيث لا تلتزم مواقع الأخبار والتدوينات والتغريدات والتعليقات الشخصية من متابعي الشبكة غير المحترفين صحافياً بالقواعد والقيود التي يلتزم بها المحترفون صحافياً.
هذه المعلومات الإلكترونية لا توجد عليها قيود إعلامية ولا حدود جغرافية، ويمكنها أن تنتشر على نطاق عالمي في غضون ساعات قليلة بالمشاركات والاطلاع. فهل أصبحت قرارات منع النشر عديمة الفاعلية في عصر الإنترنت؟
مكتب المحاماة «مانليز» المتخصص في قضايا الخصوصية يختلف في الرأي، ويقول مارك مانلي: إن عمليات اختراق الخصوصية بوسائل متعددة زادت في السنوات الأخيرة عن طريق مراقبة الهواتف وبيع قصص الخيانة الزوجية والابتزاز، وهي قضايا تحتاج إلى ضبط قانوني تقدمه المحاكم لضحايا هذه الحالات. ويضيف أن المكتب نجح في التصدي لوسائل إعلام استخدمت هذه الوسائل من أجل نشر فضائح بغض النظر عن تأثيرات كارثية على ضحاياها وأعمالهم.
وتعمل مكاتب المحاماة في هذه القضايا على مدار الساعة، وتجتهد لمنع مقالات كاذبة أو مغرضة في غضون ساعة من إعلان أي صحيفة نية نشرها. ويضيف مانلي، أن مكتبه حصل على منع نشر مقال ضد لاعب كرة في الوقت الذي كان فيه اللاعب يكمل مباراة على أرض الملعب في الدوري الإنجليزي.

الحظر عربياً
على الصعيد العربي، تكون قرارات منع النشر عادة من المدعي العام بنسبة أكبر من المحاكم، وتصدر في معظم الأحوال في قضايا سياسية أو حساسة أو تشغل الرأي العام. وتكون هذه القرارات موجهة لمنع التكهنات أو إصدار أحكام مسبقة من صحافة تتلهف على نشر خبطات صحافية لزيادة توزيعها أو عدد مستمعيها أو مشاهديها.
وكانت آخر قرارات منع النشر عربياً صادرة من الأردن في فاجعة البحر الميت، التي أصدر المدعي العام فيها قراراً بمنع نشر أي معلومات أو تعليقات على مسار التحقيق في القضية.
وفي مصر، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في شهر يوليو (تموز) الماضي قراراً بعدم النشر في قضية حول مستشفى لعلاج سرطان الأطفال. وظل الرأي العام المصري مشغولاً بهذه القضية قبل حظر النشر فيها لشبهات فساد في عملية جمع التبرعات والتصرف فيها.
وبعد أن أصدر المجلس هذا القرار أحال النائب العام رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد إلى التحقيق؛ لأنه اعتبر القرار غير قانوني ويتعدى على اختصاصات النيابة العامة والنائب العام.
وصدرت قبل هذه القضايا قرارات منع نشر كثيرة، ربما كان أشهرها إصدار المدعي العام العسكري في مصر قراراً بمنع النشر في قضية مقيدة ضد الفريق سامي عنان لإعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية من دون الحصول على موافقة القوات المسلحة، أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له.
وقد أصدر المركز المصري لدراسات السياسات العامة دراسة حول قرارات حظر النشر في مصر، جاء فيها: إن عدد قضايا النشر التي يصدر فيها قرارات حظر يبلغ 12 سنوياً، بواقع قضية كل شهر تقريباً. وكانت أحدث قضية رصدتها الدراسة تخص حرق مخزن يحتوي على أحراز خاصة بنيابة الهرم. وصدر أمر النيابة العامة بحظر النشر والاكتفاء ببيانات النيابة الصادرة بخصوص القضية.


مقالات ذات صلة

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».