تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

التنظيمات الأصولية تواصل خطتها لاختراق الغرب

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
TT

تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا

أكد خبراء وباحثون في شؤون التنظيمات الأصولية أن «خطاب تجنيد الأجانب» لدى الجماعات المتطرفة يتسم بـ«العاطفية المفرطة»، ويركز على الأصول الفقهية دون الفروع، متستراً في «ثوب الدعوة، حيث يغلب الطابع الدعوي على المرحلة الأولى من التجنيد، والتي تستغل عدم دراية الشخص المستهدف بالدين الإسلامي». فخطاب التنظيمات الأصولية المتطرفة لتجنيد الأجانب مر بالكثير من مراحل التطور، وصولاً إلى تنظيم داعش الذي استفاد من خبرات التنظيمات التي سبقته في هذا المجال، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» الذي وضع المبادئ الأساسية لذلك.
ويستهدف الخطاب بحسب الخبراء فئتين رئيسيتين في أي مجتمع غربي، هما الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية، والشباب من مواطني هذه البلدان أصحاب الجنسية الأصلية. وقال مراقبون إنه «رغم اختلاف التكتيكات النفسية التي تستخدم في تجنيد كل فئة منهما؛ فإن ثمة قواسم مشتركة في الاستراتيجية العامة للتجنيد، والتي تبدأ عادة بقيام أعضاء «الخلايا النائمة» بترشيح أسماء لأهداف محتملة للتجنيد يصلون إليها في محيطهم الاجتماعي وتحركاتهم اليومية، ثم يقومون بإجراء دراسات على الهدف «أي الضحية» لتحديد الوسيلة المناسبة للتواصل معه، وترتيب أولويات خطاب التجنيد. وأكد ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أبناء الجيل الثالث من المهاجرين ذوي الأصول العربية أو الإسلامية يشكلون دائماً هدفاً رخواً وسهلاً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويستغل خطاب التجنيد الفئات التي تعاني من تناقضات نفسية ومجتمعية، فالكثير من هؤلاء الشباب يعيشون في المجتمعات الغربية منفصلين ويواجهون مشكلة في الاندماج، ويعانون من عقدة (التناقضات النفسية)، فهم يعيشون في مجتمع ليبرالي؛ لكن لديهم عواطف موروثة تجاه كل ما هو إسلامي، وتقوم التنظيمات المتطرفة بمساعدتهم على حل هذه العقدة فيحسمون صراعهم النفسي».

مفاهيم مغلوطة
أضاف فرغلي على عكس خطاب التجنيد الموجه لشباب الداخل في الدول العربية والإسلامية، يركز خطاب تجنيد أبناء المهاجرين على الأصول الفقهية وأحكام التوحيد، فالشخص الذي ينشأ في مجتمع إسلامي يكون لديه على الأقل قدر من الدراية والمعرفة الدينية تمكنه من المجادلة ومناقشة الحجج الفقهية؛ إلا أن أبناء المهاجرين لا تتوافر لديهم هذه المعرفة، ومعظمهم يتعرف على المفاهيم الدينية للمرة الأولى، لذلك ينتقل الخطاب سريعاً إلى مرحلة وجوبية الجهاد لنشر الدين، مستنداً إلى المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة، التي تشبع بها الضحية في المرحلة الأولى... ويحل الولاء للتنظيم محل العائلة والمجتمع عن طريق مفهوم «العزل الأولي» والذي يقوم على ملء الفراغ النفسي والاجتماعي لدى العنصر الجديد من خلال إهدائه الكتب الفقهية التي تتبنى أفكاراً متطرفة، وإشعاره أنه جزء هام من مشروع كبير لنشر الدعوة.
وأكد فرغلي أن خطاب تجنيد أصحاب الجنسيات الأصلية في المجتمعات الغربية يستخدم مفردات تتناسب مع نشأتهم الاجتماعية في مجتمع ليبرالي ديمقراطي، ويركز الخطاب على المفاهيم والقيم الإنسانية البراقة، من نوعية «العدل»، و«المساواة بين البشر»، و«مواجهة الظلم»، وهي مفاهيم تجتذب الضحية، وتشكل البداية لاستخدام القيم السمحة والتستر وراء مفهوم الدعوة إلى الدين، لبث الأفكار المتطرفة.
من جهته، أشار صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن «خطاب التجنيد يتجنب في البداية أي إشارات إلى التكفير؛ بل على العكس فهو يركز على استغلال الأفكار والقيم الإنسانية السامية التي يؤمن بها الشخص المستهدف بحكم نشأته في مجتمع ليبرالي، وتكون الرسالة أن الإسلام سبق العالم كله في تبنيه لمفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة، وفي المرحلة الأخيرة يتم استخدام مفهوم «الصدمة» بإخباره أن المجتمع الذي يعيش فيه كافر - على حد زعمهم - ويعيق تقدم الدعوة ونشر الحرية والمساواة».
مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: يشكل استهدف الأجانب بالتجنيد هدف ذو أولوية لكافة التنظيمات الإرهابية الأصولية ضمن استراتيجية اختراق المجتمعات الغربية، ليس فقط لكونهم هدفاً ثميناً نظراً لعدم معرفتهم بأي أمور فقهية، حيث يكون التنظيم هو منبع معرفتهم الوحيد؛ بل أيضا لسهولة تحركاتهم في بلادهم أو أي بلاد أخرى من دون إثارة شكوك الأجهزة الأمنية.

ميراث {القاعدة}
القاسمي أكد في هذا الصدد أن «الخلايا النائمة» في المجتمعات الغربية تلعب دوراً رئيسياً في عمليات تجنيد الأجانب، فبحسب الخبراء يقوم أعضاء هذه الخلايا بإجراء دراسات مستمرة على المجتمع الذي يعيشون فيه لاستخدامها في تطوير خطاب التجنيد، كما يقومون بترشيح الأهداف المحتملة للتجنيد، ودراسة جوانب حياتها المختلفة... ويعيش أعضاء «الخلايا النائمة» حياة طبيعية في المجتمع من دون لفت الأنظار، ويعتمدون على مبدأ السرية في نشر الدعوة.
وقال المراقبون إن تنظيم داعش الإرهابي اعتمد في إنشاء وتوسعة خلاياه النائمة على أعضاء ورثهم من تنظيم «القاعدة»، الذي كان يقوم بإعادة الأجانب عقب تجنيدهم وتدريبهم في معسكراته إلى بلادهم الأصلية، في حين ظل «داعش» حتى وقت قريب يطلب من أعضائه الأجانب الهجرة من بلادهم للقتال في صفوف التنظيم بالدول التي ينشط بها... وهي الاستراتيجية التي تراجع عنها التنظيم في الآونة الأخيرة، بسبب هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا وغيرهما من الدول.
في ذات السياق، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري لـ«الشرق الأوسط»، أنه في أحد معسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان عام 1989 كان الأعضاء في جهاز التجنيد يستهدفون الأجانب، الذين يدرسون في معاهد أو جامعات إسلامية، وبعد أن تنتهي مراحل التجنيد الأساسية، يتم عزلهم في المعسكر لتلقي تدريبات عسكرية، ثم يتم إرسالهم إلى بلادهم... وقد استطاع «داعش» تجنيد معظم هؤلاء في وقت لاحق، ليشكلوا قاعدة خلاياه النائمة». وأضاف نعيم: تعمل «الخلايا النائمة» وفق آليات محددة ونسق مجتمعي يقوم على السرية وعدم لفت الانتباه، لذلك يتحركون في محيطهم الاجتماعي الطبيعي سواء الدراسة في جامعة ما أو في نطاق العمل، وعقب الانتهاء من دراسة الشخص المستهدف في محيطهم ينتقلون إلى مرحلة «جس النبض»، والتي تتضمن إشارات وجملا عابرة في سياق حوار حول أمور عامة، ويتم دائماً تغليف الإشارات بمفردات عن الديمقراطية والحرية ومفاهيم مماثلة لصرف ذهن المستهدف عن الرسالة الخفية... وتتسم كل مراحل التجنيد بتجنب أي حديث عن الانتماء لتنظيم ما، إذ يتم معظمها في إطار أحاديث شخصية أو أنشطة اجتماعية مشتركة، إلى أن ينتقل المستهدف إلى مرحلة الإيمان بالدعوة وما تتضمنه من بث أفكار مغلوطة.

العالم الافتراضي
وأكد الخبراء والباحثون أن «داعش» يولي اهتماماً خاصاً بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، وهو ما يبدو واضحاً في اهتمام التنظيم برسائله الإعلامية التي تعتمد على الإبهار لجذب عناصر جديدة، واستعراض القوة عن طريق نشر مشاهد المذابح التي يقوم بها للتدليل على قوته. في هذا الصدد يشير صبرة القاسمي إلى أن «داعش» لديه خبراء في علم النفس والاجتماع والإعلام من أعضائه يتولون صياغة رسائله الإعلامية وإصداراته المختلفة، فهو عندما يستهدف الشباب الفرنسي مثلاً، تكون الرسالة على لسان مواطن فرنسي من أعضائه، فتكون اللغة سليمة والتأثير النفسي للرسالة الإعلامية أكبر، وبشكل عام يستغل أعضائه الأجانب في جذب مزيد من شباب بلادهم.
أما ماهر فرغلي، فقال إن اللجان الإلكترونية تركز على عنصر الإبهار كأحد وسائل التأثير، ففي مرحلة متقدمة من التجنيد يقومون بإرسال صور ومقاطع فيديو للشخص المستهدف، تصور استرخاء أعضاء التنظيم وسعاتهم وهم يجلسون سوياً على جانب نهر الفرات ليلاً، أو يقومون ببعض الأنشطة الرياضية أو الترفيهية، ويعكف على إنتاج الصور ومقاطع الفيديو مخرجون محترفون، بهدف تصوير حياة أعضاء التنظيم باعتبارها الجنة على الأرض... وتستخدم اللجان الإلكترونية صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تتضمن أي محتوى متطرف يوحي بانتماء صاحبها لأي تنظيم أو اعتناقه أي أفكار أصولية، إذ تقوم هذه الصفحات بالبحث في صفحات الشباب بشكل عام لوضع دراسات نفسية من خلال ما يكتبونه لتحديد إمكانية تجنيدهم، إذ يكون الشباب المحبطون أو الناقمون أو الذين يمرون بمشكلات نفسية أكثر الفئات المستهدفة.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».