تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

التنظيمات الأصولية تواصل خطتها لاختراق الغرب

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
TT

تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا

أكد خبراء وباحثون في شؤون التنظيمات الأصولية أن «خطاب تجنيد الأجانب» لدى الجماعات المتطرفة يتسم بـ«العاطفية المفرطة»، ويركز على الأصول الفقهية دون الفروع، متستراً في «ثوب الدعوة، حيث يغلب الطابع الدعوي على المرحلة الأولى من التجنيد، والتي تستغل عدم دراية الشخص المستهدف بالدين الإسلامي». فخطاب التنظيمات الأصولية المتطرفة لتجنيد الأجانب مر بالكثير من مراحل التطور، وصولاً إلى تنظيم داعش الذي استفاد من خبرات التنظيمات التي سبقته في هذا المجال، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» الذي وضع المبادئ الأساسية لذلك.
ويستهدف الخطاب بحسب الخبراء فئتين رئيسيتين في أي مجتمع غربي، هما الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية، والشباب من مواطني هذه البلدان أصحاب الجنسية الأصلية. وقال مراقبون إنه «رغم اختلاف التكتيكات النفسية التي تستخدم في تجنيد كل فئة منهما؛ فإن ثمة قواسم مشتركة في الاستراتيجية العامة للتجنيد، والتي تبدأ عادة بقيام أعضاء «الخلايا النائمة» بترشيح أسماء لأهداف محتملة للتجنيد يصلون إليها في محيطهم الاجتماعي وتحركاتهم اليومية، ثم يقومون بإجراء دراسات على الهدف «أي الضحية» لتحديد الوسيلة المناسبة للتواصل معه، وترتيب أولويات خطاب التجنيد. وأكد ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أبناء الجيل الثالث من المهاجرين ذوي الأصول العربية أو الإسلامية يشكلون دائماً هدفاً رخواً وسهلاً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويستغل خطاب التجنيد الفئات التي تعاني من تناقضات نفسية ومجتمعية، فالكثير من هؤلاء الشباب يعيشون في المجتمعات الغربية منفصلين ويواجهون مشكلة في الاندماج، ويعانون من عقدة (التناقضات النفسية)، فهم يعيشون في مجتمع ليبرالي؛ لكن لديهم عواطف موروثة تجاه كل ما هو إسلامي، وتقوم التنظيمات المتطرفة بمساعدتهم على حل هذه العقدة فيحسمون صراعهم النفسي».

مفاهيم مغلوطة
أضاف فرغلي على عكس خطاب التجنيد الموجه لشباب الداخل في الدول العربية والإسلامية، يركز خطاب تجنيد أبناء المهاجرين على الأصول الفقهية وأحكام التوحيد، فالشخص الذي ينشأ في مجتمع إسلامي يكون لديه على الأقل قدر من الدراية والمعرفة الدينية تمكنه من المجادلة ومناقشة الحجج الفقهية؛ إلا أن أبناء المهاجرين لا تتوافر لديهم هذه المعرفة، ومعظمهم يتعرف على المفاهيم الدينية للمرة الأولى، لذلك ينتقل الخطاب سريعاً إلى مرحلة وجوبية الجهاد لنشر الدين، مستنداً إلى المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة، التي تشبع بها الضحية في المرحلة الأولى... ويحل الولاء للتنظيم محل العائلة والمجتمع عن طريق مفهوم «العزل الأولي» والذي يقوم على ملء الفراغ النفسي والاجتماعي لدى العنصر الجديد من خلال إهدائه الكتب الفقهية التي تتبنى أفكاراً متطرفة، وإشعاره أنه جزء هام من مشروع كبير لنشر الدعوة.
وأكد فرغلي أن خطاب تجنيد أصحاب الجنسيات الأصلية في المجتمعات الغربية يستخدم مفردات تتناسب مع نشأتهم الاجتماعية في مجتمع ليبرالي ديمقراطي، ويركز الخطاب على المفاهيم والقيم الإنسانية البراقة، من نوعية «العدل»، و«المساواة بين البشر»، و«مواجهة الظلم»، وهي مفاهيم تجتذب الضحية، وتشكل البداية لاستخدام القيم السمحة والتستر وراء مفهوم الدعوة إلى الدين، لبث الأفكار المتطرفة.
من جهته، أشار صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن «خطاب التجنيد يتجنب في البداية أي إشارات إلى التكفير؛ بل على العكس فهو يركز على استغلال الأفكار والقيم الإنسانية السامية التي يؤمن بها الشخص المستهدف بحكم نشأته في مجتمع ليبرالي، وتكون الرسالة أن الإسلام سبق العالم كله في تبنيه لمفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة، وفي المرحلة الأخيرة يتم استخدام مفهوم «الصدمة» بإخباره أن المجتمع الذي يعيش فيه كافر - على حد زعمهم - ويعيق تقدم الدعوة ونشر الحرية والمساواة».
مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: يشكل استهدف الأجانب بالتجنيد هدف ذو أولوية لكافة التنظيمات الإرهابية الأصولية ضمن استراتيجية اختراق المجتمعات الغربية، ليس فقط لكونهم هدفاً ثميناً نظراً لعدم معرفتهم بأي أمور فقهية، حيث يكون التنظيم هو منبع معرفتهم الوحيد؛ بل أيضا لسهولة تحركاتهم في بلادهم أو أي بلاد أخرى من دون إثارة شكوك الأجهزة الأمنية.

ميراث {القاعدة}
القاسمي أكد في هذا الصدد أن «الخلايا النائمة» في المجتمعات الغربية تلعب دوراً رئيسياً في عمليات تجنيد الأجانب، فبحسب الخبراء يقوم أعضاء هذه الخلايا بإجراء دراسات مستمرة على المجتمع الذي يعيشون فيه لاستخدامها في تطوير خطاب التجنيد، كما يقومون بترشيح الأهداف المحتملة للتجنيد، ودراسة جوانب حياتها المختلفة... ويعيش أعضاء «الخلايا النائمة» حياة طبيعية في المجتمع من دون لفت الأنظار، ويعتمدون على مبدأ السرية في نشر الدعوة.
وقال المراقبون إن تنظيم داعش الإرهابي اعتمد في إنشاء وتوسعة خلاياه النائمة على أعضاء ورثهم من تنظيم «القاعدة»، الذي كان يقوم بإعادة الأجانب عقب تجنيدهم وتدريبهم في معسكراته إلى بلادهم الأصلية، في حين ظل «داعش» حتى وقت قريب يطلب من أعضائه الأجانب الهجرة من بلادهم للقتال في صفوف التنظيم بالدول التي ينشط بها... وهي الاستراتيجية التي تراجع عنها التنظيم في الآونة الأخيرة، بسبب هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا وغيرهما من الدول.
في ذات السياق، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري لـ«الشرق الأوسط»، أنه في أحد معسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان عام 1989 كان الأعضاء في جهاز التجنيد يستهدفون الأجانب، الذين يدرسون في معاهد أو جامعات إسلامية، وبعد أن تنتهي مراحل التجنيد الأساسية، يتم عزلهم في المعسكر لتلقي تدريبات عسكرية، ثم يتم إرسالهم إلى بلادهم... وقد استطاع «داعش» تجنيد معظم هؤلاء في وقت لاحق، ليشكلوا قاعدة خلاياه النائمة». وأضاف نعيم: تعمل «الخلايا النائمة» وفق آليات محددة ونسق مجتمعي يقوم على السرية وعدم لفت الانتباه، لذلك يتحركون في محيطهم الاجتماعي الطبيعي سواء الدراسة في جامعة ما أو في نطاق العمل، وعقب الانتهاء من دراسة الشخص المستهدف في محيطهم ينتقلون إلى مرحلة «جس النبض»، والتي تتضمن إشارات وجملا عابرة في سياق حوار حول أمور عامة، ويتم دائماً تغليف الإشارات بمفردات عن الديمقراطية والحرية ومفاهيم مماثلة لصرف ذهن المستهدف عن الرسالة الخفية... وتتسم كل مراحل التجنيد بتجنب أي حديث عن الانتماء لتنظيم ما، إذ يتم معظمها في إطار أحاديث شخصية أو أنشطة اجتماعية مشتركة، إلى أن ينتقل المستهدف إلى مرحلة الإيمان بالدعوة وما تتضمنه من بث أفكار مغلوطة.

العالم الافتراضي
وأكد الخبراء والباحثون أن «داعش» يولي اهتماماً خاصاً بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، وهو ما يبدو واضحاً في اهتمام التنظيم برسائله الإعلامية التي تعتمد على الإبهار لجذب عناصر جديدة، واستعراض القوة عن طريق نشر مشاهد المذابح التي يقوم بها للتدليل على قوته. في هذا الصدد يشير صبرة القاسمي إلى أن «داعش» لديه خبراء في علم النفس والاجتماع والإعلام من أعضائه يتولون صياغة رسائله الإعلامية وإصداراته المختلفة، فهو عندما يستهدف الشباب الفرنسي مثلاً، تكون الرسالة على لسان مواطن فرنسي من أعضائه، فتكون اللغة سليمة والتأثير النفسي للرسالة الإعلامية أكبر، وبشكل عام يستغل أعضائه الأجانب في جذب مزيد من شباب بلادهم.
أما ماهر فرغلي، فقال إن اللجان الإلكترونية تركز على عنصر الإبهار كأحد وسائل التأثير، ففي مرحلة متقدمة من التجنيد يقومون بإرسال صور ومقاطع فيديو للشخص المستهدف، تصور استرخاء أعضاء التنظيم وسعاتهم وهم يجلسون سوياً على جانب نهر الفرات ليلاً، أو يقومون ببعض الأنشطة الرياضية أو الترفيهية، ويعكف على إنتاج الصور ومقاطع الفيديو مخرجون محترفون، بهدف تصوير حياة أعضاء التنظيم باعتبارها الجنة على الأرض... وتستخدم اللجان الإلكترونية صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تتضمن أي محتوى متطرف يوحي بانتماء صاحبها لأي تنظيم أو اعتناقه أي أفكار أصولية، إذ تقوم هذه الصفحات بالبحث في صفحات الشباب بشكل عام لوضع دراسات نفسية من خلال ما يكتبونه لتحديد إمكانية تجنيدهم، إذ يكون الشباب المحبطون أو الناقمون أو الذين يمرون بمشكلات نفسية أكثر الفئات المستهدفة.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».