تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

التنظيمات الأصولية تواصل خطتها لاختراق الغرب

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
TT

تجنيد الأجانب... مُفردات خادعة تقود للعنف

إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا
إجراءات أمنية في محطة القطارات الرئيسية في العاصمة باريس عقب هجمات إرهابية عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا

أكد خبراء وباحثون في شؤون التنظيمات الأصولية أن «خطاب تجنيد الأجانب» لدى الجماعات المتطرفة يتسم بـ«العاطفية المفرطة»، ويركز على الأصول الفقهية دون الفروع، متستراً في «ثوب الدعوة، حيث يغلب الطابع الدعوي على المرحلة الأولى من التجنيد، والتي تستغل عدم دراية الشخص المستهدف بالدين الإسلامي». فخطاب التنظيمات الأصولية المتطرفة لتجنيد الأجانب مر بالكثير من مراحل التطور، وصولاً إلى تنظيم داعش الذي استفاد من خبرات التنظيمات التي سبقته في هذا المجال، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» الذي وضع المبادئ الأساسية لذلك.
ويستهدف الخطاب بحسب الخبراء فئتين رئيسيتين في أي مجتمع غربي، هما الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية، والشباب من مواطني هذه البلدان أصحاب الجنسية الأصلية. وقال مراقبون إنه «رغم اختلاف التكتيكات النفسية التي تستخدم في تجنيد كل فئة منهما؛ فإن ثمة قواسم مشتركة في الاستراتيجية العامة للتجنيد، والتي تبدأ عادة بقيام أعضاء «الخلايا النائمة» بترشيح أسماء لأهداف محتملة للتجنيد يصلون إليها في محيطهم الاجتماعي وتحركاتهم اليومية، ثم يقومون بإجراء دراسات على الهدف «أي الضحية» لتحديد الوسيلة المناسبة للتواصل معه، وترتيب أولويات خطاب التجنيد. وأكد ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أبناء الجيل الثالث من المهاجرين ذوي الأصول العربية أو الإسلامية يشكلون دائماً هدفاً رخواً وسهلاً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويستغل خطاب التجنيد الفئات التي تعاني من تناقضات نفسية ومجتمعية، فالكثير من هؤلاء الشباب يعيشون في المجتمعات الغربية منفصلين ويواجهون مشكلة في الاندماج، ويعانون من عقدة (التناقضات النفسية)، فهم يعيشون في مجتمع ليبرالي؛ لكن لديهم عواطف موروثة تجاه كل ما هو إسلامي، وتقوم التنظيمات المتطرفة بمساعدتهم على حل هذه العقدة فيحسمون صراعهم النفسي».

مفاهيم مغلوطة
أضاف فرغلي على عكس خطاب التجنيد الموجه لشباب الداخل في الدول العربية والإسلامية، يركز خطاب تجنيد أبناء المهاجرين على الأصول الفقهية وأحكام التوحيد، فالشخص الذي ينشأ في مجتمع إسلامي يكون لديه على الأقل قدر من الدراية والمعرفة الدينية تمكنه من المجادلة ومناقشة الحجج الفقهية؛ إلا أن أبناء المهاجرين لا تتوافر لديهم هذه المعرفة، ومعظمهم يتعرف على المفاهيم الدينية للمرة الأولى، لذلك ينتقل الخطاب سريعاً إلى مرحلة وجوبية الجهاد لنشر الدين، مستنداً إلى المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة، التي تشبع بها الضحية في المرحلة الأولى... ويحل الولاء للتنظيم محل العائلة والمجتمع عن طريق مفهوم «العزل الأولي» والذي يقوم على ملء الفراغ النفسي والاجتماعي لدى العنصر الجديد من خلال إهدائه الكتب الفقهية التي تتبنى أفكاراً متطرفة، وإشعاره أنه جزء هام من مشروع كبير لنشر الدعوة.
وأكد فرغلي أن خطاب تجنيد أصحاب الجنسيات الأصلية في المجتمعات الغربية يستخدم مفردات تتناسب مع نشأتهم الاجتماعية في مجتمع ليبرالي ديمقراطي، ويركز الخطاب على المفاهيم والقيم الإنسانية البراقة، من نوعية «العدل»، و«المساواة بين البشر»، و«مواجهة الظلم»، وهي مفاهيم تجتذب الضحية، وتشكل البداية لاستخدام القيم السمحة والتستر وراء مفهوم الدعوة إلى الدين، لبث الأفكار المتطرفة.
من جهته، أشار صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن «خطاب التجنيد يتجنب في البداية أي إشارات إلى التكفير؛ بل على العكس فهو يركز على استغلال الأفكار والقيم الإنسانية السامية التي يؤمن بها الشخص المستهدف بحكم نشأته في مجتمع ليبرالي، وتكون الرسالة أن الإسلام سبق العالم كله في تبنيه لمفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة، وفي المرحلة الأخيرة يتم استخدام مفهوم «الصدمة» بإخباره أن المجتمع الذي يعيش فيه كافر - على حد زعمهم - ويعيق تقدم الدعوة ونشر الحرية والمساواة».
مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: يشكل استهدف الأجانب بالتجنيد هدف ذو أولوية لكافة التنظيمات الإرهابية الأصولية ضمن استراتيجية اختراق المجتمعات الغربية، ليس فقط لكونهم هدفاً ثميناً نظراً لعدم معرفتهم بأي أمور فقهية، حيث يكون التنظيم هو منبع معرفتهم الوحيد؛ بل أيضا لسهولة تحركاتهم في بلادهم أو أي بلاد أخرى من دون إثارة شكوك الأجهزة الأمنية.

ميراث {القاعدة}
القاسمي أكد في هذا الصدد أن «الخلايا النائمة» في المجتمعات الغربية تلعب دوراً رئيسياً في عمليات تجنيد الأجانب، فبحسب الخبراء يقوم أعضاء هذه الخلايا بإجراء دراسات مستمرة على المجتمع الذي يعيشون فيه لاستخدامها في تطوير خطاب التجنيد، كما يقومون بترشيح الأهداف المحتملة للتجنيد، ودراسة جوانب حياتها المختلفة... ويعيش أعضاء «الخلايا النائمة» حياة طبيعية في المجتمع من دون لفت الأنظار، ويعتمدون على مبدأ السرية في نشر الدعوة.
وقال المراقبون إن تنظيم داعش الإرهابي اعتمد في إنشاء وتوسعة خلاياه النائمة على أعضاء ورثهم من تنظيم «القاعدة»، الذي كان يقوم بإعادة الأجانب عقب تجنيدهم وتدريبهم في معسكراته إلى بلادهم الأصلية، في حين ظل «داعش» حتى وقت قريب يطلب من أعضائه الأجانب الهجرة من بلادهم للقتال في صفوف التنظيم بالدول التي ينشط بها... وهي الاستراتيجية التي تراجع عنها التنظيم في الآونة الأخيرة، بسبب هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا وغيرهما من الدول.
في ذات السياق، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري لـ«الشرق الأوسط»، أنه في أحد معسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان عام 1989 كان الأعضاء في جهاز التجنيد يستهدفون الأجانب، الذين يدرسون في معاهد أو جامعات إسلامية، وبعد أن تنتهي مراحل التجنيد الأساسية، يتم عزلهم في المعسكر لتلقي تدريبات عسكرية، ثم يتم إرسالهم إلى بلادهم... وقد استطاع «داعش» تجنيد معظم هؤلاء في وقت لاحق، ليشكلوا قاعدة خلاياه النائمة». وأضاف نعيم: تعمل «الخلايا النائمة» وفق آليات محددة ونسق مجتمعي يقوم على السرية وعدم لفت الانتباه، لذلك يتحركون في محيطهم الاجتماعي الطبيعي سواء الدراسة في جامعة ما أو في نطاق العمل، وعقب الانتهاء من دراسة الشخص المستهدف في محيطهم ينتقلون إلى مرحلة «جس النبض»، والتي تتضمن إشارات وجملا عابرة في سياق حوار حول أمور عامة، ويتم دائماً تغليف الإشارات بمفردات عن الديمقراطية والحرية ومفاهيم مماثلة لصرف ذهن المستهدف عن الرسالة الخفية... وتتسم كل مراحل التجنيد بتجنب أي حديث عن الانتماء لتنظيم ما، إذ يتم معظمها في إطار أحاديث شخصية أو أنشطة اجتماعية مشتركة، إلى أن ينتقل المستهدف إلى مرحلة الإيمان بالدعوة وما تتضمنه من بث أفكار مغلوطة.

العالم الافتراضي
وأكد الخبراء والباحثون أن «داعش» يولي اهتماماً خاصاً بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، وهو ما يبدو واضحاً في اهتمام التنظيم برسائله الإعلامية التي تعتمد على الإبهار لجذب عناصر جديدة، واستعراض القوة عن طريق نشر مشاهد المذابح التي يقوم بها للتدليل على قوته. في هذا الصدد يشير صبرة القاسمي إلى أن «داعش» لديه خبراء في علم النفس والاجتماع والإعلام من أعضائه يتولون صياغة رسائله الإعلامية وإصداراته المختلفة، فهو عندما يستهدف الشباب الفرنسي مثلاً، تكون الرسالة على لسان مواطن فرنسي من أعضائه، فتكون اللغة سليمة والتأثير النفسي للرسالة الإعلامية أكبر، وبشكل عام يستغل أعضائه الأجانب في جذب مزيد من شباب بلادهم.
أما ماهر فرغلي، فقال إن اللجان الإلكترونية تركز على عنصر الإبهار كأحد وسائل التأثير، ففي مرحلة متقدمة من التجنيد يقومون بإرسال صور ومقاطع فيديو للشخص المستهدف، تصور استرخاء أعضاء التنظيم وسعاتهم وهم يجلسون سوياً على جانب نهر الفرات ليلاً، أو يقومون ببعض الأنشطة الرياضية أو الترفيهية، ويعكف على إنتاج الصور ومقاطع الفيديو مخرجون محترفون، بهدف تصوير حياة أعضاء التنظيم باعتبارها الجنة على الأرض... وتستخدم اللجان الإلكترونية صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تتضمن أي محتوى متطرف يوحي بانتماء صاحبها لأي تنظيم أو اعتناقه أي أفكار أصولية، إذ تقوم هذه الصفحات بالبحث في صفحات الشباب بشكل عام لوضع دراسات نفسية من خلال ما يكتبونه لتحديد إمكانية تجنيدهم، إذ يكون الشباب المحبطون أو الناقمون أو الذين يمرون بمشكلات نفسية أكثر الفئات المستهدفة.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟