أنقرة تخطط لتطبيق «سيناريو الباب» في شرق الفرات

TT

أنقرة تخطط لتطبيق «سيناريو الباب» في شرق الفرات

لمحت تركيا إلى عزمها تطبيق نموذج السيطرة على مدينة الباب في ريف حلب من خلال عملية درع الفرات التي نفذتها مع فصائل موالية لها من الجيش السوري الحر على مناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وأكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أوكطاي، أمس، إن تركيا «ستنقل النجاح الذي سطرته في منطقة الباب السورية ضد تنظيم داعش الإرهابي إلى شرق نهر الفرات أيضاً».
وأضاف أوكطاي، خلال مداخلة بالفيديو أجراها من شمال قبرص مع الجنود الأتراك في تلة عقيل بمدينة الباب السورية أن السيطرة على الباب ساهمت في إفشال مخطط يحاك ضد تركيا.
واستقبلت مدينة الباب في الأشهر الماضية آلاف النازحين من ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وجنوب دمشق، وتحولت إلى مركز تجاري وصناعي، بعد مشاريع بدأتها الحكومة التركية فيها.
وبحسب تقارير إعلامية، أنشأت تركيا 3 قواعد عسكرية لم تعلن عنها رسمياً، في بلدتي دابق وأخترين في ريف حلب الشمالي، وجبل عقيل قرب الباب شرق المحافظة، عقب تدخلها رسمياً في سوريا من خلال عملية درع الفرات في أغسطس (آب) 2016.
وقال أوكطاي إنه عقب عملية غصن الزيتون في عفرين، التي نفذتها القوات التركية والفصائل الموالية لها في الجيش الحر بين يناير (كانون الثاني) ومارس الماضيين، نحن في إدلب، وسنوفر الأمن هناك أيضاً، بفضل جهود قواتنا المسلحة وجميع مؤسساتنا المعنية.
وتابع نائب الرئيس التركي: «قادمون إلى منبج، ومنها سننتقل إلى شرق الفرات. سننقل النجاح الذي سطرناه في الباب إلى شرق الفرات أيضاً».
وتقع الباب على الطريق الواصل بين حلب ومدينتي الرقة والحسكة مروراً بمدينة منبج الاستراتيجية، ما جعلها مركزا مهما وهي تبعد عن الحدود التركية 30 كيلومترا.
وأكد أوكطاي أن تركيا «عازمة على دحر الإرهابيين أو دفنهم في الخنادق التي حفروها»، في إشارة إلى الخنادق التي حفرها مسلحو الوحدات الكردية حول منبج، التي توصلت تركيا إلى خريطة طريق مع الولايات المتحدة لإخراج مسلحي الوحدات الكردية منها والإشراف المشترك على توفير الأمن والاستقرار فيها، وتتهم أنقرة الولايات المتحدة بالتباطؤ في تنفيذ الاتفاق وتهدد بالتدخل العسكري في منبج.
في سياق متصل، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن الفصائل المسلحة التابعة لتركيا الموجودة في شمال سوريا تتصارع فيما بينها، واتهمها بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الأهالي في المناطق التي تسيطر عليها.
وأضاف المرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له في بيان أمس، أن حالة من الفوضى والانفلات الأمني تسيطر على المشهد في مناطق سيطرة فصائل «درع الفرات وغصن الزيتون» في أرياف حلب الشمالية والشمالية الغربية والشمالية الشرقية.
ولفت إلى أنه تم العثور على جثمان رجل مقتول ومُلقى قرب منطقة النبي هوري في ريف مدينة عفرين الواقعة بالريف الشمالي الغربي لحلب، حيث تعود الجثة لأحد مهجري غوطة دمشق الشرقية، وهو من بلدة الشيفونية ممن جرى تهجيرهم إلى عفرين بموجب اتفاق سابق.
وبحسب المرصد، شهدت بلدة جرابلس الواقعة بالقطاع الشمالي الشرقي من ريف حلب، والخاضعة لسيطرة فصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا، احتجاجات شعبية واسعة على خلفية استمرار الانفلات الأمني الذي تشهده المنطقة ككل وجرابلس على وجه الخصوص، في ظل عجز الفصائل العاملة هناك عن ضبط الأمن، والحد من الانفلات المتمثل في الخطف والقتل والتفجيرات والاستهدافات.
وأقدم سكان وأهالي جرابلس على إشعال الإطارات المطاطية، معبرين عن غضبهم واستيائهم، كما طالبوا الفصائل بإخراج المقرات من الأحياء السكنية، بعد الاستهدافات التي تطولها بعبوات ناسفة وهجمات انتحارية، وآخرها سلسلة الانفجارات التي استهدفت ريفي محافظة حلب الشمالي والشمالي الشرقي.
ووفق آخر الإحصائيات، ارتفع عدد القتلى إلى 17 على الأقل منذ 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، إضافة إلى عشرات المصابين، وسط توقعات بأن يكون العدد مرشحا للارتفاع لوجود مفقودين وإصابة آخرين بجراح متفاوتة الخطورة.
في غضون ذلك، رأى المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أنه يتعين على بلاده العمل فيما يتعلق بالشأن السوري مع تركيا و«قسد» في آن واحد.
وعن تقييمه لعمل واشنطن مع قسد، قال جيفري في كلمة الليلة قبل الماضية في اجتماع عقدته مؤسسة «ديفينس وان» للإعلام في واشنطن، نقلت جانبا منها وسائل الإعلام التركية أمس: «هذا صعب للغاية، ولولا المشاركة النشطة لتركيا وتعاونها وتنسيقها، لما تمكنا من القيام بجميع ما قمنا به في سوريا. لكن ما كان لنا أيضا تمكنا من مواصلة وجودنا شمال شرقي سوريا، دون شريك محلي (قسد)، ولما كنا تمكنا من مواصلة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، والتي لم تنته بعد».
وأضاف: «هذا الشريك المحلي هو قسد، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي نعتبره منظمة إرهابية، غير أننا لا نعتبر قسد تنظيما إرهابيا، وهذه القضية تشكل قلقا كبيرا بالنسبة للأتراك».
ولفت إلى أن «تركيا تشارك الولايات المتحدة في أولويات إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وإخراج إيران والميليشيات التابعة لها من سوريا، وإطلاق مرحلة السلام في هذا البلد، غير أن الأتراك غير واثقين من أن سبب وجودنا شمال شرقي سوريا سببه هذا الأمر، وكنا شرحنا لهم أن هذا التعاون الأميركي مع قسد مؤقت، لكننا لم نفلح في إقناع الأتراك، وهذا ما يتسبب في حدوث توتر بالحدود بينهم وبين قسد».
واعتبر جيفري أن سحب عناصر الوحدات الكردية إلى شرق الفرات في سوريا، خطوة ستطمئن تركيا، مشددا على أن الولايات المتحدة لم تقدم أسلحة ثقيلة لمسلحي قسد على خلاف ما قدمته لبقية المجموعات (لم يذكرها).
إلى ذلك، يبحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إسطنبول بعد غد (الاثنين)، ملف تشكيل اللجنة الدستورية حول سوريا، خلال لقائهما لافتتاح الجزء البحري من مشروع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، المعروف بـ«السيل التركي».
وبحسب مصادر تركية، من المنتظر أن يناقش الزعيمان ملف اللجنة الدستورية، في أعقاب عدم نجاح وفدي البلدين التقنيين في التوصل إلى توافق حول تشكيل اللجنة الدستورية في الاجتماعات السابقة، وبخاصة في الاجتماع الأخير، الذي عقد في أنقرة أول من أمس.
وقالت المصادر لوكالة الأناضول أمس إن الخلاف لا يزال مسيطرا حول القائمة الثالثة المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني، والتي تعدها الدول الضامنة في منصة أستانة (تركيا وروسيا وإيران)، بعد قبول قائمتين، واحدة من المعارضة، وأخرى من النظام، وينبع الخلاف في توزيع النسب المتعلقة بأسماء القائمة الثالثة.
ويفترض أن تتشكل اللجنة الدستورية من 3 قوائم، قائمة من النظام، وأخرى من المعارضة، وقائمة ثالثة تضعها الدول الضامنة، على أن تبدأ مهامها في مدينة جنيف السويسرية، وفق مخرجات مؤتمر الحوار السوري الذي عقد في سوتشي الروسية نهاية يناير الماضي.
وكانت القمة التركية - الروسية - الفرنسية - الألمانية، التي عقدت في إسطنبول نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دعت إلى تشكيل اللجنة الدستورية وبداية عملها قبل نهاية العام الجاري، فيما مدد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مهمة المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، شهرا واحدا، حتى نهاية العام الجاري، بعد أن كان الأخير قد أعلن عزمه ترك مهامه نهاية الشهر الجاري، وقام غوتيريش بتعيين الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسن خليفة لدي ميستورا.
وينتظر أن تعقد جولة جديدة من اجتماعات أستانة بحضور وفدي النظام والمعارضة في العاصمة الكازاخية نهاية الشهر الجاري.
بالتوازي، قال رئيس حزب الوطن التركي دوغو برنتشيك، إن وفوداً من تركيا وسوريا التقت سراً في إيران على 6 فترات مختلفة للتنسيق فيما بينها في طهران بطلب من إدارة الرئيس رجب طيب إردوغان مباشرة.
ونقل موقع وكالة «سبوتنيك» الروسية باللغة التركية عن برنتشيك أمس إشارته إلى مشاركة قيادات استخباراتية من البلدين في النقاشات إلى جانب مسؤولين بارزين من الحكومتين السورية والتركية، مشدداً على أن اللقاءات متواصلة حتى الآن.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».