سنوات السينما

من «ذا غريسوم غانغ»
من «ذا غريسوم غانغ»
TT

سنوات السينما

من «ذا غريسوم غانغ»
من «ذا غريسوم غانغ»

The Grissom Gang
(1971)
في عام 1971 كان المخرج روبرت ألدريتش في حاجة إلى فيلم يعزز مكانته. كان أنشأ شركته الخاصة وحققت ثلاثة أفلام لم تحقق النجاح التجاري المأمول لها وهي «أسطورة ليلا كلير» (1967) و«قتل الأخت جورج» (1968) و«بطل متأخر» (1970).
«عصابة غريسوم» كان رابع هذه الأفلام وأفضلها فعلاً، ولو أنه أخفق في تحقيق النجاح المطلوب أيضاً. هذا رغم أنه تعاطى نوعاً من الأفلام كان محبوباً في تلك الفترة، فترة ما بعد «بوني وكلايد» لآرثر بن و«دلنجر» لجون ميليوس. هذه الأفلام الثلاثة بالإضافة إلى «العراب» لفرنسيس فورد كوبولا، (1973) كانت من بين النخبة الأفضل لنوع أفلام العصابات.
مثل «دلنجر» و«بوني وكلايد» تقع أحداث «عصابة غريسوم» في العشرينات والثلأثينات عندما كانت أميركا تعاني لا من العصابات المسلحة في ربوع أميركا الوسطى وحدها بل من الفقر خلال سنوات اليأس الاقتصادي. تناول روبرت ألدريتش كتاب المؤلف الشهير جيمس هدلي تشايز، الذي أغارت السينما على أعماله نحو 40 مرة، والتزم به إنما مع درايته الأكيدة في توظيف كل العناصر وتقديمها في بلورة فنية رائعة.
تدور الرواية، التي كانت حولتها السينما، سنة 1948 إلى فيلم مهجور بعنوان «لا زهور أركيدا للآنسة بلانديش» (وهو العنوان الأصلي للرواية المنشورة سنة 1939 وكانت أول رواية لكاتبها) حول عصابة مؤلفة من أم قوية مُـهابة (إرين دالي) وأبنائها الأربعة الذين يعيشون على الجريمة. هذه العصابة قتلت أفراد عصابة أخرى كانت خطفت فتاة اسمها باربرا بلانديش (كيم داربي بعد عامين على بطولتها النسائية لفيلمTrue Grit) ) واختطفت الفتاة الشابة إلى دارها في أحد مزارع ولاية كانساس (تقع الأحداث في الثلاثينات).
أحد أبناء العائلة، واسمه سلِم (سكوت ولسون) يقع في حب تلك الفتاة التي تعاديه وتعادي طبقته الوضيعة. لكن حب سلِم مؤكد ولاحقاً ستبادله ذلك الحب، إنما من دون رغبة ارتباط أبدية.
في أحد المشاهد يسحب سلِم سكينه ويهدد به أمه إذا ما قامت بتنفيذ خطتها قتل باربرا بعد تسلم الفدية من أبيها. يطلب من الجميع عدم التعرض بأذى إلى باربرا. باربرا ملكه وهو للغاية، وبعدما ارتبطا معاً بعلاقة، يؤسس لها منزلاً تعبيراً عن حبه لها. هذا في الوقت الذي يطبق فيه رجال القانون على العصابة.
لم تكن غاية المخرج ألدريتش أمّ دراما سيكولوجية، لكن بطله سكوت ولسون يفعل ذلك ويجيد منفذاً دوراً رائعاً في طريقة تشخيص الممثل دوره بتوازن فاعل بين الجنوح والقدرة على إثارة العطف. كان ولسون بدأ التمثيل في سنة 1967 بدور صغير في «في حرارة الليل»In the Heat of the Night) )، وفي العام ذاته تولى أول بطولة له في «بدم بارد»، وإذ وصل إلى «عصابة غريسوم» كان برز كأحد أهم المواهب الشابة، وتوفي في الشهر الماضي بعد دوره الصغير في فيلم وسترن هو «عداوات»، Hostiles) ) وهو استحق تلك المكانة بلا ريب. دوره هنا تشخيص رائع حيناً وجيد على الدوام لشخصية إنسان بسيط متعب بعقد العاطفية يصطدم بالحب لأول (وآخر) مرّة.
ما هو أكثر روعة كيف أنجز المخرج فيلمه بعناية تلقائية جامعاً بين كل العناصر الدرامية والفنية بإتقان. يكفي أن نتابعه من اللقطة الأولى للأخيرة بحثاً عن لقطة متهورة واحدة أو عن خطأ يتيم في الانتقال، تصويراً وتوليفاً، من لقطة لأخرى داخل المشهد أو من المشهد لسواه فلا نجد.
دلالات الفيلم الدرامية كثيرة. مشاهد عدة في نصف الساعة الأخيرة تلخصها من بينها تنفيذ سلِم تهديده وقتل أخيه الأكبر (توني موسنتي) وقيام الأم بقتل زوجها خلال إحدى المعارك الأخيرة عندما حاول ذاك الاستسلام للبوليس. كيفما نظرنا اليوم إلى هذا الفيلم نجده أفضل بكثير مما منحه نقاد تلك الفترة من تقدير.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.