جنبلاط ـ نصر الله... حرص ثنائي على عدم العودة إلى الصدام

«التقدمي الاشتراكي» عمم على محازبيه تجنب السجالات والنقاشات

TT

جنبلاط ـ نصر الله... حرص ثنائي على عدم العودة إلى الصدام

شكلت المواقف الحادة التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة وتناول فيها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، تحدياً جديداً للطرفين اللذين آثرا تنظيم خلافاتهما السياسية والاستراتيجية منذ نحو 10 سنوات. وقد سارع جنبلاط إلى استيعاب هذا التصعيد، داعياً إلى الحوار والهدوء وتجنب السجالات والنقاشات بين مناصري الحزبين.
وإن كان مقربون من «حزب الله» أكدوا أن ما جاء على لسان نصر الله «هو رد على هجوم بدأه جنبلاط باتهامه الحزب وإيران بتعطيل عملية تشكيل الحكومة»، شدد مصدر قيادي في الحزب «التقدمي الاشتراكي» على وجود قرار واضح وحاسم بعدم الدخول في سجال مع الحزب أو سواه على خلفية الكلام الأخير لنصر الله، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن جنبلاط رد على طريقته، ورده كاف. وأضاف: «بمطلق الأحوال ليس هناك تفاهم كامل مع (حزب الله) حيال عدد من القضايا، وهي مسألة لم نخفها يوما ولا نخفيها اليوم». وذكّرت المصادر أن «التقدمي الاشتراكي» رفع شعار «تنظيم الخلاف مع (حزب الله)، ما يؤكد وجود خلافات ورؤى مختلفة، سواء حول قضايا وطنية أم سياسية داخلية، وبطبيعة الحال على قضايا إقليمية».
وكان الحزب «التقدمي الاشتراكي» دعا جميع أعضائه ومناصريه نهاية الأسبوع الماضي إلى الامتناع عن الدخول في سجالات ونقاشات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
ورد جنبلاط على الكلام العالي النبرة لنصر الله الذي رفض اتهام سوريا أو إيران بلعب دور سلبي في عملية تشكيل الحكومة، قائلا: «يا سيد حسن، أتوجه إليك كمواطن عادي من أجل التأكيد على الحوار على نقطة واحدة فقط في منع الانهيار الاقتصادي والجوع، بعيدا عن الصواريخ وإيران وسوريا». ودعا في تغريدات متلاحقة على موقع «تويتر» الحزبيين والمناصرين إلى عدم الانجرار إلى «سجالات عقيمة مع أي طرف»، مشددا على وجوب أن يكون الهدوء سيد الموقف مع التأكيد على الحوار، قبل أن يعلن أخيرا «انتهاء اتفاق الطائف».
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي، المتخصص بشؤون «حزب الله» قاسم قصير أن موقف نصر الله الأخير جاء بمثابة رد على أكثر من تصريح لجنبلاط حمّل فيه «حزب الله» مسؤولية ربط لبنان بالصراع الإيراني – الأميركي.
وشدد قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن العلاقة بين «حزب الله» والحزب «التقدمي الاشتراكي» قائمة ومستمرة منذ سنوات، وهناك تواصل دائم وحرص على إبقاء الأوضاع هادئة على المستوى الشعبي، مشيرا إلى أن ردة فعل جنبلاط بعد خطاب نصر الله تؤكد أن الأول لا يريد أن نصل إلى تصعيد أكبر. وأضاف: «منذ نحو 10 سنوات هناك علاقة جيدة تجمع الطرفين، وهناك حرص لدى الثنائي حالياً على أن تبقى العلاقة كذلك وإن كانت المواقف الأخيرة لجنبلاط من الملف الحكومي مرتبطة بحسابات شخصية به»، مرجحا أن لا يكون هناك أي انعكاس للتطورات الأخيرة على الواقع الشعبي أو السياسي بين الطرفين، فالتهدئة التي يدعو إليها جنبلاط يوميا والتي أكد عليها «اللقاء الديمقراطي»، أدل تعبير على محاولة استيعاب الوضع.
ومرت علاقة «التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله»، بالكثير من المراحل منذ العام 2005. فبعد أن كانت العلاقة بينهما أكثر من إيجابية، بحسب توصيف قصير، فشارك جنبلاط في احتفال «بنت جبيل» بعد تحرير الجنوب، وأشاد بدور الحزب، بدأت التباينات تظهر بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، لكن ذلك لم يمنع الطرفين من خوض الانتخابات النيابية بإطار ما عُرف وقتها بـ«الحلف الرباعي».
وأضاف قصير: «لكن مع انطلاق عمل المحكمة الدولية وبعد حرب تموز 2006 بدأت مرحلة الاصطدام بين الطرفين التي بلغت أوجها في العام 2008، وبالتحديد في شهر مايو (أيار) حين تحول الصراع السياسي بينهما إلى صدام عسكري، تم استيعابه سريعا مع توجه جنبلاط ليكون في الوسط». واستمرت العلاقة الإيجابية بين الطرفين منذ العام 2008 على قاعدة «تنظيم الخلافات» التي كادت تظهر عند أكثر من منعطف، لكن لم يكن الطرفان يتأخران عن استيعابها سريعا.
وفتح جنبلاط أخيراً بإعلانه أن «اتفاق الطائف انتهى بالأمس»، بإشارة واضحة إلى خطاب نصر الله، الباب واسعاً أمام نقاش حساس حول مصير اتفاق الطائف، خاصة بعد ارتفاع أكثر من صوت في السنوات الماضية للدعوة إلى إعادة النظر في الاتفاق واعتماد نظام سياسي جديد، نتيجة الأزمات التي تدخلها البلاد عند كل استحقاق، وآخرها استحقاق رئاسة الجمهورية واستحقاق تشكيل الحكومة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.