المكسيك تمنح «المشردين» الفرصة للتنافس على كأس العالم

سيجتمع أكثر من 500 لاعب كرة القدم في مكسيكو سيتي للمشاركة في كأس العالم للمشردين التي ستقام بعد أسابيع من رحيل مؤسسها الشريك هارالد شميد عن 50 عاماً.
وأنشأ الرجل النمساوي، الذي ابتلي بمرض التصلب الجانبي الضموري منذ عامين، هذه البطولة مع صديقه ميل يانغ منذ 20 عاماً لتحسين حياة المشردين عن طريق هذه اللعبة.
وأقيمت النسخة الأولى في مسقط رأس شميد في مدينة غراتس عام 2003، وفاز أصحاب الأرض باللقب قبل أن تتحول إلى بطولة سنوية.
وتشارك الآن أكثر من 40 دولة، في المسابقة التي تشمل 400 مباراة، حيث يتكون كل فريق من أربعة لاعبين، على مدار أسبوع واحد من الاحتفالات الكروية وتحظى بدعم الاتحاد الأوروبي للعبة ورابطة اللاعبين المحترفين.
وتقام مسابقتان الأولى للرجال والمنافسات المختلطة، والأخرى للسيدات، وبمشاركة 48 فريقاً في المكسيك بداية من هذا الأسبوع.
وتملك البرازيل ثلاثة ألقاب، وهي صاحبة الرقم القياسي وستحاول المكسيك معادلة ذلك وتعويض خسارتها في نهائي 2012 على أرضها بنتيجة 8 - 5 أمام تشيلي.
ورغم توقعات المنظمين بحضور 200 ألف متفرج ومتابعة الملايين عبر الإنترنت، فإن الحزن على وفاة شميد لا يزال يلقى بظلاله.
وقال يانغ: «إنه كان شخصاً محبوباً وصديقاً رائعاً، وبكل تأكيد فإنه كان يحب كرة القدم. كان يدرك قوتها».
ومع عودة موسم شتاء بريطاني جديد تغطيه هالة من الكآبة، سيقود كريغ مكمانوس فريقاً إنجليزياً في مدينة تشرق عليها الشمس وسط طقوس يومية ممتعة. وعن هذا، قال: «ظللت متابعاً لحالة الطقس في مكسيكو سيتي. كانت درجة الحرارة قرابة 23 درجة مئوية».
وبالفعل، وصل مكمانوس العاصمة المكسيكية، لكن رحلته كانت بهدف يتجاوز مجرد البحث عن علاج لنقص فيتامين «د» لديه. يعمل مكمانوس البالغ 43 عاماً مدرب كرة قدم الشوارع، بجانب كونه مسؤولاً رفيع المستوى بمجال شؤون التطوير داخل مؤسسة «سنتربوينت» الخيرية المعنية بالشباب المشرد. ومن المقرر أن يقضي مكمانوس الأسبوع مع فريق العمل المعني بتدريب المنتخب الإنجليزي المشارك في بطولة العالم للمشردين.
ويجتمع 500 لاعب من 47 دولة للمشاركة في الحدث السنوي، الذي من المتوقع أن يجذب 200 ألف متفرج، مع وجود عدد أكبر من المتابعين للبطولة عبر البث المباشر خلال شبكة الإنترنت.
وقد عايش أي لاعب يحاول اليوم التأقلم مع حالة الطقس في مكسيكو سيتي نمطاً ما من الإقصاء الاجتماعي، بما في ذلك التشرد أو مشكلات تتعلق بالصحة الذهنية وإدمان المخدرات. ويتألف المنتخب الإنجليزي من 16 لاعباً، ثمانية رجال وثماني سيدات. وتعتبر كرة قدم الشوارع لعبة يشارك بها فريقان يضم كل فريق أربعة لاعبين، مع وجود أربعة لاعبين احتياطيين يضطلعون بأدوار مهمة. وقد جرى اختيار المنتخب الممثل لإنجلترا من جانب مسؤولي «سنتربوينت»، وبخاصة في ظل وجود الكثير من المهارات الدولية الناشئة التي خرجت من رحم مبادرات اجتماعية تتولى إدارتها أندية مشاركة في بطولة الدوري الممتاز، بينها «نيوكاسل يونايتد» و«ساوثهامبتون» و«آرسنال».
وقد جرى اختيار أفراد الفريق ليس على أساس مهاراتهم الكروية فحسب - وإن كانت تلك المهارات تظل مهمة للغاية بالنظر إلى صغر حجم الملاعب وسرعة وتيرة اللعب - وإنما كذلك قدرتهم على العمل الجماعي والصمود والإمكانات القيادية.
من جانبه، ينظر مكمانوس إلى المشاركة في بطولة كأس العالم باعتبارها فرصة لمعاونة اللاعبين على التحكم بعض الشيء في مستقبلهم. وقال: «نحن لا نعد بإحداث تحول كامل في حياة الآخرين، لكننا نتيح أمامهم فرصة رائعة، يمكن أن تشكل دفعة لهم. ومن الممكن أن تفيدهم في إعادة التواصل مع العالم وإدراك أنه من الممكن تحقيق أحلام».
بالتأكيد، يعي مكمانوس جيداً ما يقوله، فمنذ أقل عن ثلاث سنوات مضت كان مكمانوس مدمناً للمخدرات فُجِع لتوه بفقدان أحد أقرب الناس إليه. وكان يعيش في منزل صغير في أدنبره بعد أن فقد منزله. ومع هذا، فإنه بحلول عام 2016، اجتاز مكمانوس برنامجاً صعباً لإعادة التأهيل وأصبح قائداً للمنتخب الاسكوتلندي في بطولة عام 2016 التي استضافتها غلاسجو.
وكان مكمانوس لاعباً موهوباً خلال فترة المراهقة، ولعب في الولايات المتحدة، ثم انتقل إلى اللعب الاحترافي في اسكوتلندا. إلا أنه في وقت مبكر من مسيرته المهنية واجه مشكلة إدمان مواد مخدرة، وببلوغه الـ25 فقط أصبح لاعباً سابقاً.
ورغم أنه شرع في العمل في التدريب على كرة قدم الشوارع، فإن موت والديه دفعه نحو موجة انهيار دفعت مكمانوس نحو العزلة. وعن ذلك، قال: «أحياناً يتحرك المرء بدافع من الكبرياء والصلف. وفي بعض الأحيان يصبح من الصعب عليه التحلي بالصدق والإقرار بأنه في حاجة إلى المساعدة».
وأخيراً، قادته لحظة صدق للحديث بصراحة مع طبيبه، ومنذ تلك اللحظة لم يعاود النظر إلى الخلف قط. وبعد اجتيازه برنامج إعادة التأهيل، نال فرصة المشاركة على سبيل التجريب في المنتخب الاسكوتلندي المشارك في بطولة العالم للمشردين، وبعد ذلك سرعان ما جرى ضمه للفريق ليقوده.
وقال مكمانوس: «فجأة، شعرت بأنني نجم متألق. بعض الأحيان، كنا نلعب أمام 3000 شخص. وهناك، لم يكن أحد يصدر أحكاماً عليّ، ولم يكن أحد يسأل ما إذا كنت بعيداً عن إدمان المخدرات. لم أعد أسيراً للماضي. بوجه عام، يدفع الإدمان الشخص نحو العزلة، لكن كرة القدم منحتني علاقات. وجاء أفراد أسرتي لمشاهدتي في الملعب، وكذلك أصدقاء كانت السنوات قد باعدت بيني وبينهم».
ومن بين من تواصل معهم سيدة أصبحت اليوم زوجته. وقد شجعته على الانتقال إلى لندن، حيث توطدت علاقتهما وبدأ في العمل، بادئ الأمر متطوعاً، في صفوف «سنتربوينت». وبعد مرور ستة شهور، أصبح واحداً من فريق العمل ونال ترقية سريعة.
وقد خلق هذا الوضع برمته معضلة أمام رجل اسكوتلندي؛ ذلك أنه نال الدعوة للمعاونة في تدريب المنتخب الإنجليزي. إلا أنه في ظل الظروف التي كان يعايشها، كانت موافقته أمراً مفروغاً منه. وفي هذا الصدد، قال مكمانوس: «أشعر بفخر بالغ تجاه هذا الفريق».
وأضاف: «الناس يتحدثون عن الفرص الثانية، لكن بعض لاعبينا لم يحظوا في الواقع بفرصة أولى في الحياة. وأعتقد أنه لا ينبغي للمرء أن يغلق الباب في وجه أي شخص. ولو كان الناس أغلقوا الباب في وجهي، لما كنت لأكون هنا اليوم».
وأعرب مكمانوس عن اعتقاده بأن «الرياضة لديها القوة لإنجاز الكثير. في الواقع، بمقدورها إحداث تحول في حياة الناس. ومن الممكن أن تترك المشاركة في بطولة كأس العالم تأثيراً هائلاً على إمكانات الشباب المشاركين؛ فهذا الأمر يمنحهم الثقة ويعين على إعطائهم أدوات تمكنهم من الحصول على فرص عمل وبناء حياة لهم - فكم عدد من بمقدورهم القول إنهم لعبوا باسم إنجلترا؟».