الكوارث وحرب التجارة يجثمان على نمو الاقتصاد الياباني

بعد سنتين من النمو المتواصل، انكمش الاقتصاد الياباني أكثر من المتوقع في الربع الثالث من العام؛ حيث تأثر بكوارث طبيعية وتراجع الصادرات، وهو مؤشر يثير القلق على أن الحماية التجارية بدأت تلقي بظلالها على الطلب الخارجي.
وتفيد معطيات أولية أعلنتها الحكومة اليابانية، الأربعاء، بأن إجمالي الناتج الداخلي تراجع بنسبة 0.3 في المائة في الفترة الممتدة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، عما كان عليه في الربع السابق. ويضيف انكماش ثالث أكبر اقتصاد عالمي إلى دلائل متزايدة على ضعف الاقتصاد العالمي؛ حيث تفقد الصين وأوروبا القوة الدافعة.
وتمسكت حكومة اليابان برؤيتها، وهي أن الاقتصاد يواصل الانتعاش على نحو معتدل، وعزت الانكماش إلى تأثير زلزال وأعاصير تسببت في توقف مصانع وتقلص الاستهلاك.
وتحدث وزير الإنعاش الاقتصادي توشيميتسو موتيجي على الفور عن تأثير الكوارث الطبيعية، حسبما نقلت الصحف، مؤكدا أنها انتكاسة مؤقتة؛ لكن بعض المحللين يرون أن مثل هذه العوامل غير المتكررة لا يمكن أن تفسر بمفردها التباطؤ الاقتصادي، في إشارة إلى انخفاضات مزعجة في الصادرات، في ظل تباطؤ الطلب الصيني وتداعيات تصعيد النزاعات التجارية العالمية.
وقال كاتسونوري كيتاكورا، المحلل في مجموعة «سوميتومو ميتوسي تراست أسيت مانيجمنت»، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الأمطار الغزيرة والأعاصير والزلازل كبحت استهلاك العائلات واستثمارات الشركات والصادرات». وأوضح أن «الكوارث أجبرت المستهلكين على البقاء في منازلهم، وأدت إلى توقف المصانع» إلى جانب الاضطراب في كل الدوائر اللوجستية. كما أشار إلى أن مطار كانساي بالقرب من أوساكا اضطر للتوقف مؤقتا، بعد تعرضه لإعصار عنيف «ما أدى إلى انخفاض عدد السياح وإرسال البضائع إلى الخارج».
من جهته، تحدث كوهي إيواهارا، المحلل في مجموعة «ناتيكسيس جابان سيكيوريتيز»، لوكالة الصحافة الفرنسية عن عامل آخر بدأ يؤثر على الأرخبيل. وقال إن «الشكوك المرتبطة بالحرب التجارية (بين واشنطن وبكين) تزداد، ونشهد تباطؤا في الصين. هذا يؤثر تدريجيا على اليابان».
وأظهرت بيانات حكومية أمس، أن معدل الانكماش على أساس سنوي في الفترة بين يوليو وسبتمبر بلغ 1.2 في المائة، وجاء أكبر من المعدل المسجل في توقعات أولية بانخفاض واحد في المائة، وفي أعقاب نمو بنسبة ثلاثة في المائة في الربع السابق. وبوتيرة سنوية، أي أنه إذا استمر الوضع الذي سجل في الفصل الثالث على مدى السنة بأكملها، فسيتراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 1.2 في المائة.
ويرجع الانكماش بدرجة كبيرة إلى انخفاض بنسبة 1.8 في المائة في الصادرات، وهي أكبر نسبة هبوط في أكثر من ثلاثة أعوام. وكشفت البيانات أن الإنفاق الرأسمالي انخفض 0.2 في المائة لأول مرة منذ عامين، بعد زيادة 3.1 في المائة في الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران).
ويحذر محللون من أن الانتعاش المتوقع في النمو في الربع الراهن قد يكون أضعف من المتوقع، وأن النمو قد يتعثر في العام المقبل عندما يشتد تأثير النزاعات التجارية.
وانخفض الاستهلاك الخاص، الذي يمثل نحو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 0.1 في المائة، بين يوليو وسبتمبر؛ حيث تراجع إنفاق المستهلكين على السفر والفنادق وتناول الطعام خارج المنزل. وقال مكتب مجلس الوزراء أيضا، إن استثمار الشركات، الذي تعتبره حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي مفتاحا لتدعيم الاقتصاد، انخفض بنسبة 0.2 في المائة، مقارنة بنسبة نمو بلغت 3.1 في المائة في الربع السابق.
وتعافت المصانع اليابانية سريعا من الكوارث الطبيعية التي شهدها الربع الثالث من العام؛ لكن مصدر القلق الأكبر بين الشركات اليابانية هو الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، نظرا لأنها تهدد صادرات اليابان من مكونات السيارات والإلكترونيات والآلات الثقيلة.
وكان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي تواجه سياسته الاقتصادية التي أطلقها قبل ست سنوات صعوبات في ثالث اقتصاد في العالم، قد دعا يوم الاثنين فريقه إلى اتخاذ إجراءات لتحفيز الطلب الداخلي. وبهدف إنعاش بلد بات سكانه يشيخون، قرر آبي أيضا فتح البلاد لمزيد من العمال الأجانب عبر تأشيرة دخول جديدة.
وتفيد التقديرات الرسمية التي نشرتها صحيفة «نيكاي» الاقتصادية، بأنه إذا أقر مشروع القانون في البرلمان، فقد يؤدي إلى وصول «ما بين 260 و340 ألف مهاجر» إلى اليابان في السنوات الخمس المقبلة، بعيدا عن احتياجات البلاد التي تبلغ 1.3 مليون شخص.