ترقب في لبنان لانعكاسات العقوبات على طهران و«حزب الله»

المصارف تراقب التحويلات والمطار توقف عن تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود

TT

ترقب في لبنان لانعكاسات العقوبات على طهران و«حزب الله»

تترقب الساحة اللبنانية تطورات العقوبات الأميركية الجديدة على إيران و«حزب الله»، التي طالت في الساعات الماضية أشخاصاً ينتمون إلى الحلقة الضيّقة في قيادة الحزب، بينهم جواد نصر الله، نجل الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وارتداداتها على الاقتصاد اللبناني، مع سلوك هذه العقوبات منحى تصاعدياً، ينتظر أن تبدأ نتائجها بالظهور في الأسابيع المقبلة، في وقت تتخوّف فيه أوساط متابعة لمسار تلك العقوبات من عجز الدولة عن الحدّ من خطورتها وتأثيراتها على الوضعين الاقتصادي والنقدي المنهكين أصلاً، في غياب حكومة متوازنة وقادرة على مخاطبة الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي، لتجنيب مؤسسات الدولة والقطاع المصرفي نتائجها.
وإذا كانت الإجراءات التي تعتمدها المصارف حالياً تتماشى مع طبيعة العقوبات السابقة، فإن القرارات الأميركية الجديدة تتطلب مقاربة مختلفة بحسب مصادر مصرفية، وهذه المقاربة يفترض أن تعتمدها الحكومة لتتلاءم مع العقوبات الجديدة، وتؤكد المصادر المصرفية لـ«الشرق الأوسط»، أن «البنوك تواكب الآن المعايير الدولية بكل المجالات، لجهة مراقبة الودائع والتحويلات والمعلومات المتعلّقة بالنظام الإيراني، أو بأشخاص ينتمون إلى (حزب الله) أو مقرّبين منه، أو لجهة تطبيق قوانين تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب»، لكنها أوضحت أنها «ستتابع ما يصدر عن مصرف لبنان من تعاميم وقرارات جديدة لتطبيقها بدقّة».
ويبدو أن محاولات التخفيف من انعكاسات العقوبات الأميركية المشددة، مرتبطة باستقرار الوضع السياسي في لبنان، وفق توصيف الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور رياض قهوجي، الذي أوضح أن «العقوبات الأميركية على إيران و(حزب الله) بدأت تطبّق بطريقة تصاعدية، وضمن قوانين متعددة، لكنها ذات أهداف واحدة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإدارة الأميركية ماضية في سياسة تجفيف المصادر المالية لـ(حزب الله) ولإيران الممول الأساسي للحزب ولغيره من التنظيمات التي تدرجها واشنطن على قائمة الإرهاب». وقال قهوجي «العقوبات دخلت مساراً تصاعدياً، وكلّ يوم سنشهد إجراءات جديدة، وأسماء جديدة تضمّ إلى اللائحة، وينتظر أن تبدأ تأثيراتها على إيران مع الوقت وليس في غضون يوم أو يومين»، محذراً من أن لبنان «سيقع تحت مقصلة هذه العقوبات، كلّما اشتدّ الصراع الداخلي، وطالما لا توجد حكومة متوازنة يرأسها سعد الحريري، لكونه الوحيد القادر على تخفيف وطأة العقوبات على لبنان، والتقليل من مخاطر الانهيار الاقتصادي».
لكنّ مصدراً نيابياً شارك في اللقاءات التي عقدها وفد نيابي لبناني مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، بهدف تجنيب القطاع المصرفي تداعيات العقوبات على «حزب الله»، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما صدر في الساعات الأخيرة من عقوبات على قيادات في الحزب، يشكّل أول الغيث لما هو أعظم». وبدا المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه غير متفائل بأن «يؤدي تشكيل الحكومة إلى التقليل من مخاطر العقوبات»، متخوفاً أن «يؤدي تشكيل الحكومة إلى ردّ فعل أميركي معاكس، خصوصاً إذا أُعطي (حزب الله) حقائب وزارية أساسية مثل وزارة الصحة، لأن ذلك سيزيد من الأعباء على الحكومة وتركيبتها».
وبانتظار ظهور نتائج تلك العقوبات، أشار قهوجي إلى أن «حكومة يرأسها سعد الحريري قادرة على التقليل مع مخاطر العقوبات على المؤسسات الرسمية اللبنانية»، لكنه حذّر من «أي محاولة لتشكيل حكومة اللون الواحد، أو حكومة تابعة لـ(حزب الله) في ظلّ الهجمة الأميركية ستكون تأثيراتها مدمّرة». وأضاف: «من يفكر بحكومة من هذا النوع يعني أن الأمور اتجهت نحو انهيار المعادلة القائمة في لبنان، وهذا يعني أن (حزب الله) اختار وضع الأمور أمام انهيار اقتصادي شامل». ولفت قهوجي إلى أن «وضع لبنان دقيق للغاية، وأن العقوبات ستزيد من تعقيدات الوضع الداخلي، وكلّما أسرعت الأطراف اللبنانية إلى تشكيل حكومة معتدلة تحفظ التوازنات، كلّما خفف لبنان مخاطر تأثير العقوبات عن نفسه».
ومع دخول حزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران حيّز التنفيذ، تبلغت الشركات النفطية اللبنانية في مطار بيروت الدولي، المعنية بتزويد الطائرات بالوقود، بعدم تعبئة الطائرات التابعة للخطوط الجوية الإيرانية بالنفط. ووقّعت الشركات على المذكّرة وأبلغت موظفيها بتنفيذها والتقيّد بها.
من جهته، لفت الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزنة، إلى أن «العقوبات الجديدة تطال أفراداً ينتمون إلى (حزب الله) أو مقربين من الحزب»، لكنه لفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هذه العقوبات تصبح أكثر إيلاماً، إذا طالت مؤسسات تربوية وصحية واجتماعية تابعة للحزب، لأنها ستضيّق الخناق على الموظفين فيها، وعلى الذين يستفيدون من تقديماتها»، مستبعداً أن تتأثر المصارف اللبنانية بها، لأنها «تطبق مضمون العقوبات بالتزام كلّي».
وشدد وزنة على أن «تأثير العقوبات على إيران في لبنان محدود بالنظر إلى عاملين. الأول أن التبادل التجاري بين لبنان وإيران محدود جداً ولا يتعدى 80 مليون دولار، والثاني أن العلاقات المالية بين إيران و(حزب الله) تجري نقداً، ومن خارج النظام المصرفي اللبناني»، مشيراً إلى أن «أبرز تجليات العقوبات ضدّ إيران يتمثّل في امتناع مطار رفيق الحريري الدولي عن تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود، وتراجع العلاقات السياحية لأن العقوبات ستطال رحلات السفر، ولكون لبنان يتقيّد إلى أقصى الحدود بالمنظومة العالمية ولا يمكنه الخروج عنها».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».