اجتماع آستانة لـ«ضبط ساعة الضامنين» حول اللجنة الدستورية السورية وإدلب

تريُّث روسي في اتخاذ مبادرات إزاء المرحلة المقبلة

TT

اجتماع آستانة لـ«ضبط ساعة الضامنين» حول اللجنة الدستورية السورية وإدلب

لا يبدو الكرملين متسرعاً للإعلان عن خطواته المقبلة في سوريا وسط جهود لـ «ضبط الساعة بين الضامنين» الثلاثة لعملية آستانة حول الدستور السوري واتفاق ادلب.
وتعكس الأحاديث التي تدور مع زوار العاصمة الروسية أو خلال المكالمات الهاتفية التي يجريها مسؤولون روس مع نظرائهم في بلدان مختلفة، رغبة مطبخ صنع القرار في التريث وعدم الذهاب نحو توضيح طبيعة التحرك اللاحق بعد تعثر تطبيق اتفاق المنطقة منزوعة السلاح حول إدلب الذي وقّعته موسكو وأنقرة قبل شهرين، وما زال يراوح رغم نفاد المهلة الزمنية التي حددها لتنفيذ بنوده منذ شهر كامل.
تدور النقاشات بشكل عام عن ضرورة المحافظة على الاتفاق رغم عيوبه. وعن أهمية المضيّ في دفع خطط روسيا إلى إعادة اللاجئين، مع ما يلزم ذلك من تهيئة للظروف الميدانية وإعادة تأهيل عدد من قطاعات الدولة، رغم أن هذه المبادرة ظلت متعثرة ولم تلقَ قبولاً أو تأييداً لدى غالبية المجتمع الدولي.
على هذه الخلفية، تبدو جولة المفاوضات المقبلة في آستانة نهاية الشهر محاولة لـ«ضبط الساعات» بين ضامني مسار آستانة، وفقاً لتعبير دبلوماسي روسي، قال إن «المهم وضع ملامح مشتركة للتحرك المقبل على خلفية الاستفزازات المتواصلة في إدلب، وانغلاق أفق دفع عملية التسوية السياسية، وتحركات واشنطن التي تزداد نشاطاً في سوريا».
هكذا حدد الدبلوماسي القريب من مركز القرار أولويات موسكو خلال المرحلة المقبلة من دون أن يتجاهل تأكيد مواقف موسكو السابقة حول «الإشادة بجهود تركيا لتطبيق الاتفاق في إدلب، وأهمية عدم تغليب الرغبة في الالتزام بالمواعيد الموضوعة على الالتزام بالنتيجة المرجوّة والمتفق عليها».
عكَس هذا التأكيد أن موسكو أوضحت التزامها بعدم الموافقة على توجه النظام وطهران لاستفزاز تحرك عسكري يُنهي هذا الملف ويحسم الموقف في إدلب. وبرز ذلك بوضوح من خلال تكثيف الاتصالات الروسية التركية أخيراً على المستويين الدبلوماسي والعسكري على خلفية التصعيد الذي وقع مع «جيش العزة» في ريف حماة، من جانب ميليشيات إيرانية وقوات نظامية، وكانت الرسالة التي أكدتها الدبلوماسية الروسية مباشرةً بعد ذلك مفادها عدم السماح بانزلاق المواقف نحو توسيع المواجهة.
لكن في الجانب الآخر، ثمة تأييد روسي ضمني لـ«تنفيذ عمليات محدودة النطاق وخاطفة ضد مجموعات محددة تعرقل تنفيذ اتفاق إدلب» وفقاً لتعليق خبير عسكري لصحيفة «فوينوي كورير» القريبة من وزارة الدفاع.
اللافت هنا، أن «جيش العزة» كان بين القوى التي أعلنت ترحيبها بالاتفاق الروسي - التركي في إدلب، ما يبرز أن «الأهداف المحددة» لن تكون بالضرورة موجَّهة ضد القوى التي لا تعمل على نسف الاتفاق.
بهذا المعنى تسعى موسكو إلى استكمال توافقاتها مع الجانب التركي، عبر تأكيد الالتزام الثنائي بوقف التحركات العسكرية واسعة النطاق، و«تجميد الوضع في إدلب» لفترة غير محددة، في مقابل التفاهم على «إسكات» القوى التي تواصل شن هجمات على مواقع حكومية حول المنطقة منزوعة السلاح.
ويبدو التجميد مطلباً مهماً لروسيا، التي لا تريد الانزلاق إلى مواجهة واسعة يمكن أن تقلب الأوراق وتمنح واشنطن فرصاً للتحرك بشكل أنشط في مناطق شرق الفرات. لذلك اتجه الضغط الدبلوماسي والعسكري الروسي في الأسابيع الأخيرة إلى هذه المنطقة.
يشير خبراء روس إلى أن التركيز الروسي ينصبّ حالياً على معالجة «السياسة الجديدة لواشنطن في سوريا» وإيجاد آليات لمواجهتها. وهذا الأمر في جزء منه يدفع موسكو أكثر إلى الالتزام بالاتفاق مع تركيا، لتعزيز المحور المناهض لسياسة واشنطن في الشمال السوري.
ونشرت صحيفة تابعة لوزارة الدفاع أخيراً، أن موسكو باتت مقتنعة بأن واشنطن «لا تنوي الخروج من سوريا والعراق»، خلافاً لتأكيدات سابقة للإدارة الأميركية، و«الهدف ليس مواصلة محاربة تنظيم داعش بل الحفاظ على ثقل موازن للنفوذ الروسي والإيراني، وهذا أمر مهمّ لواشنطن ولن تتخلى عنه أبداً».
بهذا المعنى يضيف الخبراء الروس إلى الإعلان الأميركي عن ضرورة انسحاب إيران من سوريا هدفاً آخر للإدارة الأميركية يتمثل في «تقليص ومحاولة إنهاء الوجود الروسي ذاته في هذا البلد».
وعليه، تراقب موسكو مساعي واشنطن لإقامة هياكل «بديلة للدولة» تضم «ليس فقط المكون الكردي بل وكيانات عشائرية عربية سُنية»، بما في ذلك من خلال السعي إلى نقل العدد الأكبر من قاطني مخيم الركبان في الجنوب إلى مناطق شرق الفرات.
لكن الصحيفة رأت أن هذه الخطة صعبة التطبيق، وأن واشنطن تدرك جيداً ذلك. ولهذا السبب ترحب واشنطن بإبقاء الوضع الحالي في إدلب باعتبارها ثقلاً مسلحاً مضاداً لدمشق. إذ لا تسيطر الولايات المتحدة على هذه المحافظة، بل تتركز فيها قوى معادية لها.
وعلى خلفية تصاعد المواجهة غير المباشرة بين موسكو وواشنطن وإقرار الكرملين أخيراً أن الطرفين «لا يقتربان من تسوية أي قضية من القضايا الخلافية»، تسعى موسكو إلى تعزيز محورها بتوسيع التفاهمات مع طهران وأنقرة، وملف الوجود الأميركي والتحركات الأخيرة لواشنطن سيكون مطروحاً بقوة على طاولة البحث في «آستانة»، وفقاً لمصادر الكرملين.
لكن هنا أيضاً تواجه موسكو معضلة. فهي في إطار توجهها لدفع تشكيل اللجنة الدستورية، تشعر بخطورة إهمال المكون الكردي فيها، وهي تواجه تعقيدات مع تركيا حول طبيعة التمثيل الكردي.
لذلك تبرز أمامها مهمة جديدة، ستكون مطروحة على طاولة النقاشات الثنائية، عبّر عنها بوضوح أخيراً نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، عندما شدد على أن «مشاركة الأكراد في عملية السلام السورية، ستسمح بتجنب بروز الميول الانفصالية لديهم».
هذه الرسالة موجّهة بالدرجة الأولى إلى أنقرة، وهي تعكس محاولة روسية لإقناع الأتراك بإبداء مرونة في الملف، حتى «لا يتم دفع الأكراد إلى حضن واشنطن».
وقال بوغدانوف: «السؤال الذي وقف دائماً أمامنا، وأمام الأكراد أنفسهم وأمام كل المشاركين في العملية السياسية: كيف سيتم تمثيل مصالح الأكراد، ومن سيقوم بذلك؟ عندما يدور الحديث عن العملية السياسية ووضع الخطوط العريضة لمشروع الدستور، فمن المنطقي والصحيح أن يشارك ممثلو الأكراد في هذا العمل. لا يجوز تنفيرهم لأن ذلك يشجع المزاج الانفصالي بينهم. هذا موقفنا منذ البداية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.