تركيا تسعى لتجنب صدور قوانين عقابية أميركية ضدها

مخاطبات لعشرات الدول لاستعادة مواطنين بزعم صلاتهم بغولن

TT

تركيا تسعى لتجنب صدور قوانين عقابية أميركية ضدها

كشفت تركيا عن مساع لدى الولايات المتحدة لحمل الكونغرس الأميركي على التخلي عن مشروعات قوانين تستهدفها بسبب اعتقالها عددا من الأميركيين والتزود بأسلحة من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو) في إشارة إلى منظومة الصواريخ الروسية (إس400) التي تعاقدت مع موسكو على شرائها. ويطالب مجلس الشيوخ الأميركي بمنع مبيعات مقاتلات من طراز إف - 35 الأميركية لتركيا ما لم يؤكد الرئيس دونالد ترمب أن أنقرة لا تهدد الناتو بشرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية وما لم تنه احتجازها مواطنين أميركيين.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال استعراض ميزانية وزارة الخارجية للعام الجديد أمام لجنة الخطة والموازنة في البرلمان التركي أمس (الأربعاء)، إن تركيا تبذل جهودا لحمل الكونغرس الأميركي على التخلي عن مشروعات قوانين تستهدفها كما تعمل على ألا تتأثر الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة بالقضايا السياسية. وأضاف جاويش أوغلو أن أنقرة تتعاون من كثب مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى للحد من تأثر علاقاتها مع إيران سلبا بالعقوبات الأميركية وتخفيف أثر العقوبات على الشعب الإيراني. وفيما يتعلق بإعلان واشنطن، الأسبوع الماضي، رصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن 3 من قيادات حزب العمال الكردستاني (المحظور)، قال جاويش أوغلو إن «تركيا ترحب بهذا القرار وتراه متأخراً وغير كاف». وتابع: «نريد أن نرى نتائج هذا القرار عمليا على أرض الواقع، وندعو واشنطن إلى المصداقية في مكافحة العمال الكردستاني والإقدام على خطوات ملموسة في هذا الخصوص».
وأضاف: «خلال الأعوام القليلة الماضية بدأنا نلاحظ اتخاذ كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا تدابير ضد العمال الكردستاني، وحققنا تقدما كبيرا ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، ومكافحة (داعش) على الأرض أمر مهم، لكن الأهم هو مكافحة آيديولوجية (داعش) التي لا تمت بصلة للدين الإسلامي الذي يحض على السلام». ولفت جاويش أوغلو إلى أن بلاده تعمل جاهدة لتعزيز علاقاتها مع الحكومة العراقية الجديدة، وتقدم الدعم لبغداد وحكومة إقليم كردستان لتطهير البلاد من عناصر العمال الكردستاني وحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن التي تتهمها السلطات بتدبير محاولة انقلاب فاشلة وقعت في منتصف يوليو (تموز) 2016. واللتين تعتبرهما أنقرة «تنظيمين إرهابيين».
وفي سياق متصل، قال جاويش أوغلو إن بلاده أعدت ملفات لإعادة 452 شخصا مرتبطين بأنشطة حركة غولن في الخارج، وأرسلت تلك الملفات إلى 83 دولة. إلى ذلك، ألغت محكمة تركية حكما ضد صحافية تركية كانت تعمل سابقا لصالح صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بتهمة نشر «معلومات مضللة تخدم الإرهاب»، بناء على أسس إجرائية، وفقا لما ذكرته الصحيفة والصحافية نفسها أمس. وجاء إلغاء الحكم بعد أكثر من عام على إنفاذه، إذ كانت قد وجهت تهمة «نشر المعلومات المضللة لخدمة الإرهاب (في إشارة إلى دعم حزب العمال الكردستاني)» لآيلا البيراق، في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
وقالت البيراق في تصريح عقب الإفراج عنها إنه «ما كان يجب أن تفتح هذه القضية من البداية، لقد أُفرج عني، لكن المحكمة لم تلغ حكمها ضدي لأسباب تتعلق بحرية الصحافة، بل لأسباب إجرائية، هناك قضايا أخرى لأناس آخرين لا تزال سارية». وأضافت في تصريحات لـ«وول ستريت جورنال»: «أتمنى ألا يكون الإفراج عني جزءا من حملة العلاقات العامة التي تقودها تركيا من أجل إنقاذ صورتها أمام الغرب». وأكد رئيس تحرير الصحيفة الأميركية أن القرار جاء «متأخرا جدا» وأشار إلى أن الحكم الذي صدر بحق البيراق، بسبب تقرير «متوازن وموضوعي» لم يكن عادلا.
في غضون ذلك، بدأت في تركيا أمس محاكمة مغنية ألمانية من أصل تركي في تركيا بتهم تتعلق بالإرهاب. وقالت نوروز أكلين، محامية المغنية «الكردية» هوزان جاني، إنها طلبت من المحكمة التي انعقدت في مدينة أدرنة (شمال غربي تركيا) الإفراج عن موكلتها من الحبس الاحتياطي والحكم ببراءتها. وتتهم السلطات التركية جاني بالانتماء لحزب العمال الكردستاني المحظور. وتم القبض عليها وإيداعها السجن على ذمة التحقيق في مدينة أدرنة نهاية يونيو (حزيران) الماضي، قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في تركيا التي أجريت في الرابع والعشرين من الشهر ذاته. وكانت جاني دعمت مؤتمرا انتخابيا لحزب الشعوب الديمقراطي التركي المعارض (الموالي للأكراد). وتحتجز تركيا 5 مواطنين ألمان قيد الحبس الاحتياطي على خلفية اتهامات بالإرهاب ومن بين المعتقلين الألمان في تركيا عادل ديمرجي، الذي ستبدأ محاكمته في إسطنبول يوم الثلاثاء المقبل، وتقول وزارة الخارجية الألمانية إن الاعتقالات «لأسباب سياسية».
في شأن آخر، قال جاويش أوغلو، إن بلاده اتخذت إجراءات لحماية مصالحها في المياه الخاضعة لسيادتها في منطقة شرق حوض البحر المتوسط، الغنية بالغاز، وذلك بالتزامن مع أعمال تنقيب تنفذها مصر وقبرص وإسرائيل في المنطقة، دون أن يكشف عن طبيعة هذه الإجراءات. وأضاف: «اتخذنا التدابير اللازمة لحماية مصالحنا في المناطق البحرية التابعة لقبرص (التركية)، ولا نريد لأحد أن يخوض مغامرات في هذه المنطقة».
وفي أكتوبر الماضي، حذرت الخارجية التركية من تنفيذ أنشطة تنقيب عن الغاز والنفط في المياه الخاضعة لسيادتها دون إذن منها، وعبرت الخارجية عن قلقها إزاء قرار جمهورية قبرص، دعوة شركات دولية للتنقيب من جانب واحد، وتجاهلها للحقوق التركية. وبدأت أول عملية للتنقيب عن موارد الطاقة في مياها قبالة ساحل أنطاليا (جنوب).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟