{متحدون} تدعو المجتمع الدولي إلى مواجهة «المنهج الأهوج» لمسلحي الدولة الإسلامية

بعد تفجير «داعش» جامع النبي يونس وعدد من الأضرحة والكنائس في الموصل

لقطة عامة لجامع ومرقد النبي يونس وسط مدينة الموصل قبل تفجيره (أ.ب)
لقطة عامة لجامع ومرقد النبي يونس وسط مدينة الموصل قبل تفجيره (أ.ب)
TT

{متحدون} تدعو المجتمع الدولي إلى مواجهة «المنهج الأهوج» لمسلحي الدولة الإسلامية

لقطة عامة لجامع ومرقد النبي يونس وسط مدينة الموصل قبل تفجيره (أ.ب)
لقطة عامة لجامع ومرقد النبي يونس وسط مدينة الموصل قبل تفجيره (أ.ب)

بعد أيام من تنفيذ إنذاره ضد المسيحيين في الموصل بين دفع الجزية أو النزوح أقدم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على هدم قبر وجامع النبي يونس في الموصل وتسويته بالأرض وذلك في إطار سلسلة من عمليات الهدم للقبور والجوامع والكنائس التي تشتهر بها مدينة الموصل (400 كم شمال بغداد). وفي وقت عد فيه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن الموصل «سقطت سياسيا ولم تسقط أمنيا» وذلك في إشارة إلى «وجود مؤامرة وتواطؤ تم بمساعدة عدد من القادة العسكريين ومسؤولين محليين في المحافظة من بينهم محافظها أثيل النجيفي» حسب اتهامات رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بالإضافة إلى أربيل التي اتهمها بأنها تحولت إلى مقر لقيادات داعش فإنه أعلن موافقة مجلس الوزراء على إعادة صرف رواتب الموظفين في دوائر المحافظة بعد قطعها عنهم منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي.
وفي هذا السياق أكد خبير أمني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أن «القرار الذي اتخذه المالكي بإعادة صرف الرواتب يأتي على إثر ورود معلومات من داخل المدينة أن هناك غضبا شعبيا عارما جراء الممارسات التي بات يقوم بها التنظيم بعد أن أحكم السيطرة على أجزاء كثيرة من المحافظة وانقلابه على حلفاء مهمين مثل حزب البعث وأعداد من ضباط الجيش السابق فضلا عن رجال الطريقة النقشبندية الأمر الذي أدى إلى حصول انقسامات بين تنظيم داعش من جهة والفصائل الأخرى من جهة أخرى». وأضاف أن «المفارقة التي لفتت النظر أنه في الأيام الأولى لدخول الجماعات المسلحة حيث لم يكن هناك وضوح في الرؤية عبّر مواطنون كثيرون عن حالة من الفرح بعد أن وجدوا أن الحواجز الكونكريتية رفعت من الشوارع وتزامنت معها وعود كثيرة من جهات بدت مختلفة عما يجري تصويره عن داعش لكن بمضي الأيام اتضح أن هناك صراعا محتدما بين الفصائل المسلحة أدت في النهاية إلى انتصار داعش فبدأ بتنفيذ ما أطلق عليه وثيقة المدينة التي سحبها أول الأمر ثم عاد لتنفيذها بمختلف صفحاتها ومنها الصفحة المتعلقة بالمسيحيين وهدم وإزالة قبور الأنبياء والأولياء الأمر الذي ولد رد فعل عنيف ضده. وكان ائتلاف متحدون للإصلاح الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي السابق أسامة النجيفي دعا المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد ما سماه المنهج الأهوج لمسلحي التنظيم والقضاء عليهم. وقال بيان للائتلاف بأن «الجريمة النكراء لعصابات داعش الإجرامية تطعن أعمق وأعز شاهد، وهذه الجريمة الشنعاء تستهدف روح الموصل وحضارتها وتاريخها الموشوم بالمجد والعز»، مشيرا إلى أن «هذا الفعل الوحشي والإجرامي ليس فعلا منفصلا، بل إنه يأتي ضمن سياق موغل في السفه والعدوان حيث لم تسلم كنيسة أو جامع أو مقام نبي أو ولي من جرائم الدواعش». وأوضح أن «ائتلاف متحدون للإصلاح في الوقت الذي يدين ويستنكر جريمة داعش ويعدها فعلا همجيا عدوانيا يستهدف القيم والمبادئ والحضارة، فإنه يدعو القوى الوطنية كافة والمجتمع الدولي ومنظماته والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى وقف المنهج الأهوج لعصابات داعش وضربهم والقضاء عليهم»، مبينا أن «ذلك يعد واجبا إنسانيا في المقام الأول، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمر جرائمهم دون عقاب». وتابع أن «إنقاذ حضارة وتاريخ وقيم العراق وبشكل خاص السفر الحضاري العريق لمدينة الموصل مرهون بتكاتف الجميع من أجل ضرب هذه الزمرة الضالة الخارجة عن أي دين أو مذهب أو قيم إنسانية»، لافتا إلى أن «داعش ليست سوى وجه أسود للشر بأقسى معانيه».
من جهته عد الشيخ عامر البياتي الناطق الرسمي باسم هيئة إفتاء أهل السنة والجماعة في العراق في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الجريمة مدانة ومستنكرة بكل ما تحمله الكلمات من معنى لأن قبور الأنبياء لها حرمة كحرمة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم» مشيرا إلى أن «هذا التحدي يتطلب منا جميعا الوقوف بوجه هذه الأعمال من خلال توحيد الكلمة والشمل ورص الصفوف لأن ما حصل لنا إنما كان بسبب خلافاتنا وصراعاتنا». وأوضح أن «العراق بلد واحد وغير قابل للقسمة والتجزئة وبالتالي فإنه في حال اجتمع العراقيون تحت خيمة واحدة فلن يستطيع أحد الوقوف بوجههم». وكان مسؤولون محليون في مدينة الموصل أكدوا أن جرافات تنظيم «داعش» قامت بتسوية مرقد النبي يونس بالأرض بعد تفجيره. وكان تنظيم داعش قد أقدم منذ سيطرته على الموصل في العاشر من يونيو الماضي على تفجير مرقد «الإمام السلطان عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب» بعدد من العبوات الناسفة جنوب شرقي الموصل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.