ثلاث فرضيات لتفسير تحطم الطائرة الجزائرية

وزير الخارجية الجزائري دعا إلى تفادي الخوض فيها احتراما لعائلات الضحايا

ثلاث فرضيات لتفسير تحطم الطائرة الجزائرية
TT

ثلاث فرضيات لتفسير تحطم الطائرة الجزائرية

ثلاث فرضيات لتفسير تحطم الطائرة الجزائرية

تضاربت، أمس، بالجزائر الأخبار حول أسباب تحطم طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، المستأجرة من شركة «سويفت إير» الإسبانية، وأعلن بالجزائر الحداد لمدة ثلاثة أيام، على الضحايا الجزائريين الستة.
ويقول رشيد خوجة أمين عام نقابة صيانة الطائرات بمطار الجزائر الدولي، لـ«الشرق الأوسط»، إن خبراء المراقبة الجوية والصيانة يرجحون وجود ثلاث فرضيات تفسر ما وقع فجر أول من أمس، في سماء شمال مالي.
الفرضية الأولى، وهي الأقرب إلى الحقيقة حسب خوجة، أن قائد الطائرة الإسباني «أخطأ في المسار الذي أعطي له من طرف برج المراقبة بمطار الجزائر. فالمعلومات التي بحوزتنا تفيد بأنه أبلغ برج المراقبة بأن الطائرة تتجه نحو منطقة تعرف اضطرابا جويا حاد ميزته رعود قوية، وطلب تغيير المسار. وبناء على ذلك أُعطي له مسار آخر، ورصدت رادارات برج المراقبة الطائرة وهي تغير الاتجاه. لكن بعد لحظات قليلة اختفت من شاشة جهاز المراقبة، وانقطع الاتصال بطاقمها». ورجح خوجة، الذي يشتغل بالخطوط الجوية الجزائرية منذ 30 سنة، دخول قائد الطائرة في مسار غير الذي أُعطي له. وأضاف: «وحتى في هذه الحالة، يفترض أن الطائرة لا تغيب عن موجات الرادارات. إنه أمر محير فعلا. هل حدث عطب فني حال دون رصد اتجاه الطائرة؟».
وتتمثل الفرضية الثانية في تعرض الطائرة لقصف صاروخي عند عبورها منطقة غاوو، التي تعرف نزاعات حادا بين جماعات طرقية انفصالية والحكومة المالية المحلية. ويقول حامة آغ سيد أحمد، مسؤول العلاقات الخارجية بـ«الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، التي تطالب بانفصال الشمال، في اتصال هاتفي «من يقول إن جماعة مسلحة قصفت الطائرة، لا يعرف حقيقة الميدان في شمال مالي. أولا قرية غوسي التي سقطت فيها الطائرة خالية من أي وجود للإنسان وحتى الحيوان، بسبب قساوة الطبيعة هناك. وما لا يعرفه الكثير أن الصحراء التي سقطت فيها الطائرة، هي الأكبر مساحة بالمنطقة بعد صحراء الجزائر. وثانيا، وهو الأهم، هو أن الجماعات المسلحة الطرقية، أو المجموعات التي تسمي نفسها جهادية، لا تملك عتادا حربيا بإمكانه استهداف طائرة تحلق في السماء».
أما الفرضية الثالثة، فهي احتمال وجود إرهابي داخل الطائرة، وبهذا الخصوص يقول ضابط مخابرات جزائري رفض نشر اسمه: «أعرف مطار واغاو دوغو الذي أقلعت منه الطائرة جيدا، بحكم مهام قادتني إليه عدة مرات. ففيه تنعدم الشروط الأمنية، وبإمكان إدخال أسلحة بسهولة إلى الطائرة، بدفع رشوة لأحد أعوان الأمن بالمطار». لكن السلطات الجزائرية لا تعطي مصداقية كبيرة لهذا الاحتمال.
وقال سفيان صديقي، وهو طيار بالخطوط الجوية الجزائرية، إن اثنين من الجزائريين الستة الذين هلكوا في الحادثة زميلان له في الشركة، أحدهما طيار سافر إلى بوركينا فاسو في إطار مهمة لفائدة شركته، يدعى لطفي دبايلي (45 سنة)، وهو ابن الناشط السياسي المعروف صديق دبايلي قيادي الحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية»، المتوفى عام 2000. أما الجزائري الآخر، فهو ينتمي لقسم موظفي الملاحة الجوية، وكان في مهمة مع الطيار. وبقية الجزائريين، وهم أربعة، فنيون في شركة فرنسية ببوركينا فاسو، كانوا بصدد العودة إلى الجزائر لقضاء إجازة الصيف.
وينتمي ركاب الطائرة الـ116 (118 حسب مصادر فرنسية) إلى عدة جنسيات، من بينهم 51 فرنسيا و27 من بوركينا فاسو و20 لبنانيا، و6 جزائريين وخمسة كنديين وأربعة ألمان واثنان من لوكسمبورغ، ومصري، إضافة إلى أفراد الطاقم الستة للطائرة، وهم من جنسية إسبانية.
ودعا وزير الخارجية الجزائرية رمضان لعمارة في منتصف نهار أمس، بالمطار قبيل سفره إلى مالي، إلى «تفادي الخوض في فرضيات الحادثة احتراما لعائلات الضحايا، وعلينا أن ننتظر نتائج التحقيق». وقال إن الماليين الذين كانوا بالجزائر في إطار مفاوضات السلام، هم أول من حددوا مكان سقوط الطائرة.
من ناحية اخرى، يعقد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اجتماعا مصغرا صباح اليوم، بحضور رئيس الحكومة ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية والنقل لمتابعة تطورات سقوط الطائرة الإسبانية التي كانت تقوم برحلة لصالح الخطوط الجوية الجزائرية بين واغادوغو والجزائر.
وأصبح موقع الحادث منذ صباح أول من أمس تحت حماية قوة فرنسية . وحتى عصر أمس، عثر على علبة واحدة لم يعرف ما إذا كانت هي التي تسجل محادثات طاقم القيادة داخل القمرة ومع مراكز التحكم، أم أنها العلبة التي تسجل تفاصيل الرحلة الجوية ومثلما كان متوقعا، لم ينج أي من المسافرين أو من طاقم الطائرة البالغ عددهم 118 راكبا، الأمر الذي أكده الرئيس هولاند صباح أمس بعد معاينات الفريق الفرنسي الذي وصل إلى مكان سقوط الطائرة.
وقال لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، في مؤتمر صحافي مشترك بعد ظهر أمس مع وزير الدفاع جان إيفل ودريان والنقل فردريك لوكوفيلي، إن حطام الطائر «منتثر على رقعة من الأرض لا تزيد عن 300 متر من كل جانب».
وتبدو هذه المساحة حسب بعض المراقبين ضيقة للغاية. لكن الأمر الغريب الذي توقف عنده المحللون وخبراء الأحداث الجوية هو «تفتت الطائرة وتناثرها إلى قطع صغيرة». وقال الخبير الجوي كريستوف نودان إن «صغر رقعة انتشار الحطام يعني أن الطائرة لم تنفجر في الجو، بل عند ارتطامها بالأرض» لأنه لو انفجرت جوا لتناثرت أجزاؤها على مساحات واسعة. ومع ذلك، فإن الصور التي نقلتها الشاشات الفرنسية بينت تفتت الطائرة، وانعدام وجود أجزاء كبيرة منها كالذيل أو الجسم أو الجناحين.
وقال الرئيس هولاند أمس إن «هناك فرضيات، وأولها الأسباب الجوية لكننا لا نستبعد أي فرضية»، في إشارة إلى إمكانية إصابة الطائرة بصاروخ أو وقوعها ضحية تفجير إرهابي. وأضاف هولاند أنه «من المبكر استخلاص أي نتائج»، قبل أن يقوم الخبراء الذين أرسلوا أمس إلى المنطقة بجمع الأدلة وفحص الحطام والجثث.
وفي السياق ذاته، رجح وزير الداخلية الفرنسي فرضية الأسباب الجوية والعواصف التي كانت تضرب المنطقة في الفترة الزمنية التي رافقت وأعقبت إقلاع الطائرة من مطار واغادوغو، متوجهة إلى مطار العاصمة الجزائرية. وبحسب وزير النقل الجزائري، فإن طاقم الطائرة قام بالرحلة نفسها أربع مرات، ما يعني أنه «يعرف» مسار الطائرة.
وما يدفع باتجاه فرضية العاصفة كون الطيار طلب من برج المراقبة في واغادوغو تغيير مساره بسبب العاصفة. ومع ذلك، فإن الكثير من الخبراء في باريس يؤكدون أن العاصفة لا تتسبب في سقوط طائرة تجارية إلا نادرا جدا، لأن الطائرة مصممة بشكل يحميها من أن تكون ضحية العواصف الرملية أو غير الرملية.
ومن الفرضيات الأخرى هي قدم الطائرة الإسبانية التي تمتلكها شركة «سويفت أير» المؤجرة للطائرات، ذلك أن عمرها يصل إلى 19 عاما. والشركة الأميركية المصنعة توقفت عن تصنيع هذا النوع منذ عشر سنوات ربما، ما يعني أن أجهزتها الملاحية وراداراتها قديمة. وطرحت في باريس فرضية أن تكون قد أصيبت بعطل فني تسبب في سقوطها. لكن المدير العام للطيران المدني الفرنسي باتريك غانديل أكد أنها خضعت للمعاينة «من يومين أو ثلاثة» وأن حالتها عدت «جيدة».
ووصف الوزير كوفيليه فرضية تعرض الطائرة الجزائرية للإسقاط بأنها «مستحيلة». كما استبعدت الحكومة الفرنسية فرضية أن يكون سبب السقوط قنبلة انفجرت على متن الطائرة. لكن بانتظار أن يكشف المحققون على الطائرة وأن يدققوا في حطامها ويبحثوا عن آثار المتفجرات، وخصوصا النيترات أو يعثروا على مؤشرات لسبب خارجي، فإن الآراء والآراء المعاكسة ستبقى موضع أخذ ورد.
بيد أن وجود القوات الفرنسية في المنطقة الأفريقية وسرعة العثور على الحطام، واستعادة إحدى العلبتين السوداوين بانتظار العثور على الثانية، واستعادة الجثث أو الأشلاء سيساعد على فك لغز هذه الطائرة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.