إيطاليا تسعى إلى تحقيق «اختراق صعب» في الملف الليبي

بدء «مؤتمر باليرمو» وحفتر يعقد «لقاءات موازية» على هامشه... وسلامة يدعو إلى انتخابات في يونيو المقبل

جانب من المظاهرات المناهضة للمؤتمر تنديداً بالإجراءات التي شلّت وسط مدينة باليرمو وأربكت حركة المرور (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات المناهضة للمؤتمر تنديداً بالإجراءات التي شلّت وسط مدينة باليرمو وأربكت حركة المرور (إ.ب.أ)
TT

إيطاليا تسعى إلى تحقيق «اختراق صعب» في الملف الليبي

جانب من المظاهرات المناهضة للمؤتمر تنديداً بالإجراءات التي شلّت وسط مدينة باليرمو وأربكت حركة المرور (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات المناهضة للمؤتمر تنديداً بالإجراءات التي شلّت وسط مدينة باليرمو وأربكت حركة المرور (إ.ب.أ)

منذ أن بدأت الوفود المشاركة في المؤتمر الذي تنظّمه الحكومة الإيطالية حول ليبيا بالوصول إلى عاصمة جزيرة صقلية مساء أول من أمس، بدأ ظلّ المشير خليفة حفتر، الرجل العسكري القوي في الأزمة الليبية، يخيّم على هذا اللقاء الذي شارك فيه 38 وفداً، بينها البنك الدولي وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، إلى جانب عدد من قادة البلدان المعنية بالأزمة الليبية، يتقدمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، إضافة إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، والمندوبة الأوروبية السامية لشؤون السياسة الخارجية فيديريكا موغيريني.
وبعد سلسلة من التسريبات الإعلامية والتأكيدات من مصادر دبلوماسية بأن حفتر لن يشارك في مؤتمر باليرمو الذي تسعى إيطاليا من خلاله إلى تحقيق «اختراق صعب» في الملف الليبي، عُلِم أن المشير سيسافر إلى صقلية، لكنه لن يحضر المؤتمر، بل سيعقد لقاءات موازية مع بعض القادة المشاركين في محلّة «مونديلّو» القريبة من باليرمو. ومساء أمس نقلت «رويترز» عن مصدر دبلوماسي إيطالي تأكيده أن حفتر «في طريقه إلى مدينة باليرمو» لحضور المؤتمر.
وحسب معلومات خاصة من مصادر قريبة من حفتر إلى «الشرق الأوسط»، فإن المشير حفتر كان قد تجاوب مع المساعي الإيطالية للمشاركة في المؤتمر، رغم اعتراضه على دعوة رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري القريب من جماعة «الإخوان». لكنه عدل عن موافقته بعد معرفته بحضور مندوبين عن دولة قطر وبعض الجهات المحسوبة على جماعات متطرفة.
وقالت مصادر مقربة من المشير حفتر لـ«الشرق الأوسط» إنه التقى مساء أول من أمس، سرا، مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الذي قطع برنامجه الاعتيادي للتوجه إلى مقر حفتر في الرجمة شرق ليبيا، بعدما سعى أيضا للاستعانة بوساطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقناع حفتر بالتراجع عن مقاطعة رسمية، كان قد أبلغها لوزارة الخارجية الإيطالية عن حضوره للمؤتمر.
وأوضحت المصادر ذاتها أن الحكومة الإيطالية تعمدت تجاهل التسريب، الذي حدث لخبر الزيارة ولقاء كونتي غير المعلن مع حفتر، وذلك لإتاحة الفرصة لإقناع الأخير بالمشاركة، والتخلي عن شروطه بشأن رفض الجلوس على طاولة مفاوضات مع من وصفهم حفتر بـ«شخصيات ليست جادة في إيجاد حل سياسي للأزمة».
وقال مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة لـ «رويترز» أمس إنه يأمل في أن تتم محاولة أخرى لإجراء الانتخابات بحلول يونيو حزيران لكن على الليبيين أن يعقدوا أولا مؤتمرا وطنيا في مطلع العام المقبل لتحديد شكل الانتخابات. وقال سلامة «نريد أن نسأل خلال المؤتمر الوطني عن أي نوع من الانتخابات تريدون: برلمانية أم رئاسية؟ ووفقا لأي قانون؟».
وقبل ساعات من انطلاق المؤتمر، سرب مكتب حفتر معلومات بخصوص أربعة مطالب اقتصادية، قال موقع «المرصد» الإلكتروني الليبي إن القيادة العامة للجيش قدمتها عن طريق وفد مدني أرسلته إلى مؤتمر باليرمو، برئاسة الدكتور فاضل الديب المستشار السياسي لحفتر، حيث طالب الجيش بإدراج برنامج لتعويضات ضحايا الحرب على الإرهاب في مدينة بنغازي، وخاصة تعويض عائلات شهداء قوات الجيش الليبي، بالإضافة إلى فتح تحقيق في تمويل مصرف ليبيا المركزي لخطابات الضمان القائم اعتمادها، والتي لم تنفذ بالشكل القانوني، وأرسلت بدلاً من ذلك كحاويات فارغة. كما طالب بالتوزيع العادل لعوائد النفط لكل المدن والمناطق الليبية، فضلا عن وضع آليات للرقابة على الأموال الليبية المجمدة بالخارج.
بدورها أبلغت ستيفاني ويليامز، نائبة رئيس البعثة الأممية للشؤون السياسية، أمس مجموعة الاقتصاد في باليرمو أن الإحباط من السلوك القائم على النهب للجماعات المسلحة، واستغلالهم لنظام سعر الصرف في السوق السوداء، وسوء إدارة الحكومة للمالية العامة، كانت كلها من بين العوامل المحركة للمواجهات في طرابلس، في إشارة للمعارك الدامية بالعاصمة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويشارك في المؤتمر فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليّاً، وعقيلة صالح رئيس مجلس النوّاب، إلى جانب عدد من الشخصيات الليبية النافذة وزعماء القبائل.
وشهد المؤتمر خلال فعاليات اليوم الأوّل، أمس، اجتماعات اللجان الفنية، التي بحثت خطط الإصلاح الاقتصادي والمالي، وذلك بمشاركة خبراء من البنك الدولي والمفوضية الأوروبية، كما بحثت تأهيل أجهزة الأمن والقوات المسلحة تمهيداً لتشكيل جيش وطني موّحد.
وفي لقاءات مع مندوبين ليبيين رصدت «الشرق الأوسط» انتقادات وجّهت للجانب الإيطالي حول مقاربته «المتعثّرة» لتحضير هذا المؤتمر وتنظيمه. وتناولت أول هذه الانتقادات مسألة شكلية، حيث حمل شعار المؤتمر العلم الإيطالي وحده دون علم ليبيا. كما رأى آخرون أن الحكومة الإيطالية بالغت في توسيع دائرة الدعوات التي وجهتها للمشاركة في المؤتمر، ولم تأخذ في الاعتبار توزيع القوى ميدانيّاً، وبعض الحساسيات الشديدة التي من شأنها أن تُفشِل هذا المؤتمر.
أما البعض الآخر، فقد توقّف عند الحسابات والرهانات داخل الحكومة الائتلافية الإيطالية، إذ لا يفوّت وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني أي فرصة لتوجيه سهام انتقاداته إلى فرنسا، وعينه على الانتخابات الأوروبية المقبلة، وكما قال أحدهم بهذا الخصوص إن تنظيم مؤتمر لمساعدة ليبيا «مستحيل من غير إيطاليا، لكنه صعب جدّاً ضد فرنسا».
ومن الدلائل الأخرى على تعثّر التحضيرات الإيطالية للمؤتمر ما كشفته مصادر سياسية في الساعات الأخيرة من أن رئيس الحكومة الإيطالية جيوزيبي كونتي كان قد وجّه دعوة إلى الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لحضور مؤتمر باليرمو، وأن تاريخ المؤتمر تحدد على هذا الأساس في اليوم التالي لمشاركتهما في الاحتفالات الفرنسية، بمناسبة مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى.
وشهدت مدينة باليرمو مظاهرات مناهضة للمؤتمر، حيث تجمع آلاف الشباب منذ مساء أول من أمس للتنديد بالإجراءات الأمنية التي شلّت وسط المدينة، وأربكت حركة المرور وأدت إلى إغلاق المدارس.
وقبل انطلاق المؤتمر، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، إنه يحظى بدعم قادة دوليين، وليس مجرد فرصة لالتقاط الصور التذكارية التقليدية. موضحا في مقابلة مع صحيفة «لاستامبا» الإيطالية أن تمثيل الدول المشاركة سيكون على مستوى أكثر من كافٍ، بدءاً من روسيا وفرنسا التي أكد أن هناك انسجاما في المواقف معها بشأن ليبيا.
ويأتي انعقاد المؤتمر كمحاولة جديدة لإطلاق عملية انتخابية وسياسية بهدف إخراج ليبيا من الوضع الحالي، بعد مؤتمر باريس، الذي عقد في شهر مايو (أيار) الماضي، وأسفر عن اتفاق على موعد لإجراء انتخابات وطنية لم تتم كما كان مقررا لها في العاشر من الشهر المقبل.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.