شدَّد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات الدكتور أنور قرقاش على الحاجة إلى «تحالف عربي حديث»، لمواجهة التهديدات في المنطقة التي «تمرّ باضطرابات وتحديات غير مسبوقة تحدث في سياق تحولات يشهدها النظام العالمي، وتهديدات جديدة، مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل».
وأشار قرقاش في كلمته أمس أمام «منتدى أبوظبي الاستراتيجي» الذي ينظمه «مركز الإمارات للسياسات»، إلى أن بلاده تنطلق في مجابهة هذه التحديات «من مبادئ أساسية، هي احترام السيادة والتعددية والتعاون، وهي المبادئ التي صاغت علاقتها الدولية، وأساسها الاستقرار».
ولفت إلى أن «الاستقرار أمرٌ ضروري لأمن المنطقة، ونعتقد أن هناك مجموعةً من العناصر أو المكونات التي تعزز هذا الاستقرار، أولها الحاجة إلى بناء مركز عربي حديث لمعالجة التحديات الأمنية القائمة، وهي عملية جارية، والإمارات تضطلع بدورها في هذه العملية».
ورأى أنه «حتى تنجح هذه المقاربة يجب أن نواصل الاستمرار في تعزيز قدراتنا الدفاعية، واضطلاع السعودية ومصر بدورهما القيادي في دعم استقرار المنطقة، وتشكيل تحالف عربي لتحقيق هذه الغاية». واعتبر مجلس التعاون الخليجي «لاعباً رئيسياً في هذا التحالف».
وقال إن «العنصر الثاني لدعم الاستقرار هو احترام السيادة الوطنية وإنهاء التدخل في شؤون الآخرين... وفي هذا الشأن، نجد أن إيران ظلَّت مهدِّداً لأمن دول المنطقة من خلال دعم ميليشيات مسلحة ووكلاء خارجين على الدولة، مثل (حزب الله) في لبنان والحوثيين في اليمن، فضلاً عن إطلاقها هجمات إلكترونية، وهجمات إرهابية في المنطقة وخارجها، مثل أوروبا».
وأكد أن الإمارات تدعم سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران «والتصدي لسلوكها العدائي، والمزعزع لأمن الإقليم».
أما العنصر الثالث للاستقرار في المنطقة، فقال إنه «مواجهة مهددات الأمن النابعة من الإرهابيين والمتطرفين»، معتبراً أن «النجاح الكامل يقتضي أيضاً إحراز تقدم في مجابهة فكر التطرف». ويتمثل العنصر الرابع في أن «تتمتع دول المنطقة بالحوكمة؛ فشعوب المنطقة مثل الشعوب الأخرى في العالم التي تنشد الصحة والتعليم والوظائف والرخاء، وإذا لم يحصل الشباب في المنطقة على هذه الوعود فإنهم سيتوجهون إلى التطرف».
ودعا إلى «توخي الوضوح» في الأزمة اليمنية «فالحوثيون رفضوا مقررات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وانقلبوا على الحكومة الشرعية، وسيستمر الصراع ما دام الحوثيون يتحدّون قرارات الأمم المتحدة». ورأى أنه «حان الوقت للحوثيين لخفض التصعيد والبدء بمحادثات جديدة... الكُرة في ملعبهم في هذا الوقت الحاسم، وعلى المجتمع الدولي الإسهام في التوصل إلى حل سلمي للصراع من خلال دفع الحوثيين إلى المشاركة في مباحثات السلام وقطع السلاح والتمويل الذي يصل إليهم من إيران». وأكد أن التحالف «سيبذل كل جهوده لتيسير العملية السياسية، وإطلاق المفاوضات، وسيستضيف المبعوث الأممي مارتن غريفيث في أبوظبي لهذا الغرض».
وفي كلمته أمام المنتدى، قال الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، إن الدور الإيراني في المنطقة «أصبح مزعجاً لجميع الدول العربية، لا سيما بعد تصريحات إيران بأن لديها نفوذاً كبيراً في بعض العواصم العربية، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة». وأضاف أن «تحركات إيران في المنطقة تضع سياساتها قيد التساؤل، ما يعقِّد الأمور، إضافة إلى تعقدها بسبب القضية الفلسطينية»، لافتاً إلى أن «تجاهل القضية الفلسطينية يؤدي إلى نزع الصدقية عن سياسات كثيرة».
وكانت فعاليات «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس» انطلقت أمس بمشاركة كبيرة من صناع القرار وخبراء تحليل السياسات والباحثين المختصين.
وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة «مركز الإمارات للسياسات»، خلال الافتتاح، إن الملتقى يهدف منذ تدشينه إلى مساعدة صانعي القرارات على العمل في بيئة أقل غموضاً وتعقيداً، وذلك من خلال تطوير وتنويع منهجيات تحليل القضايا الاستراتيجية الكبرى، وتفكيك تفاعلاتها وتداخلاتها وفهم حركيتها وأسبابها، والتنبؤ بتأثيراتها ومآلاتها.
ويناقش الملتقى الذي يُعقد على مدى يومين توزيع خريطة القوة العالمية، ويتطرق لتجربة دولة الإمارات. كما سيناقش محور إغراء القوة في السياسات الأميركية خلال إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب، والطموح الروسي للقوة من ناحية التقييم الموضوعي لهذه القوة، والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، وتحد منها، وصعود الهند كقوة آسيوية رئيسية، والحدود الجغرافية والاقتصادية التي تحيط بقوة الصين، وبحث أوروبا عن دورها القديم، أو سعيها لدور جديد في ميزان القوى العالمي، وطرق استخراج القوة الكامنة في القارة الأفريقية ذات الإمكانات والموارد الهائلة، في ظل تحديات الأمن والاستقرار والتنمية الداخلية.
وستتناول جلسات الملتقى في اليوم الثاني «صفقة القرن»، وتفكيك شفرتها بعيداً عن التهويل أو التقليل منها. كما ستتطرق إلى سوق الطاقة المضطربة والتقييم الحقيقي للقوة التركية المتخيلة وخرافة القوة الإيرانية ووهم القوة لدى قطر.
وناقشت جلسة محور إغراء القوة في السياسات الأميركية ما إذا كانت السياسات الأميركية في عهد الرئيس ترمب تتسم بـ«الإحساس بالعظمة» و«الأحادية» أم أن الواقعية والعقلانية السياسية هما أساس الاستراتيجية الأميركية. وأشار رئيس «مجموعة الأزمات الدولية» روبرت مالي إلى أن «القوى الناعمة في السياسة الخارجية الأميركية كانت فعالة خلال الإدارات الأميركية السابقة، لكن اليوم هناك مراجعة بهدف الحد من فاعلية أدوات القوة الناعمة»، فيما اعتبر الباحث المقيم في «معهد المشروع الأميركي» مايكل روبن أن تأرجح السياسة الأميركية سيزداد، مبيناً أنه «ليس هناك خلاف على أن الرئيس ترمب مثل اختلافاً جذرياً، ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة تملك نظاماً مبنياً على سيادة القانون، الأمر الذي يضطر ترمب إلى التنسيق مع الكونغرس والمؤسسات الأخرى في إدارة السياسة الخارجية».
وناقشت جلسة محور طموح القوة في السياسات الروسية التقييم الموضوعي لهذه القوة والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها. وقالت البارونة بولين نيفيل جونز، عضو مجلس اللوردات البريطاني، إن «للديمقراطيات الغربية مقاربة تختلف عن مقاربة روسيا في مجال العلاقات الدولية، وإن روسيا تستند في أفعالها على المستوى الدولي إلى ميزة استخدام القوة، بما في ذلك القوة العسكرية عند الضرورة لتحقيق أهدافها، ما يعكس وجهة نظر موسكو للعالم، التي تتمثل في المعادلة الصفرية، حيث الحد من وجود القوة والنفوذ الغربي شرط ضروري للنجاح الروسي».
من جانبه، قال مدير عام مجلس الشؤون الدولية الروسي أندريه كورتونوف إن «التطورات الأخيرة في المنطقة تقتضي إدخال تعديلات مهمة على الاستراتيجية الروسية، فقد أعادت هزيمة (داعش) جميع المنافسات والصراعات التي طرحت جانباً إلى الواجهة، وأصبح من الصعب وعلى نحو متزايد على روسيا أن تقوم بإنشاء التحالفات».
وأوضح أن «روسيا لا تحاول استبدال دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهي تدرك حجم النفوذ الأميركي، لكنها تحاول تغييره، فهدف روسيا تربوي تقريباً».
الإمارات تدعو إلى تحالف عربي لمواجهة التهديدات في المنطقة
«ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» يناقش أوجه سياسات القوة في العالم
الإمارات تدعو إلى تحالف عربي لمواجهة التهديدات في المنطقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة