أطفال «الدواعش»... معضلة إنسانية تنتظر مقاربة دولية موحدة

أعدادهم تقارب الألفين... ويتحدرون من 46 جنسية

أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
TT

أطفال «الدواعش»... معضلة إنسانية تنتظر مقاربة دولية موحدة

أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)
أطفال من الدواعش في الرقة قبل تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي («الشرق الأوسط»)

لا يمثل إعلان فرنسا عن نيتها إعادة 150 طفلاً من أطفال مقاتلي تنظيم داعش، إلا جزءاً من معضلة إنسانية تتنامى في سوريا والعراق، ولا توجد مقاربة دولية واحدة للتعاطي معهم وسط المخاوف من ظهور جيل مكتوم القيد وجيل متطرف آخر في حال بقي هؤلاء في مناطق نفوذ سابقة للمتطرفين
وتتحدث تقديرات سورية عن وجود ما يقارب الألفي طفل بلا هوية، هم أبناء مقاتلي تنظيم داعش، يعيش معظمهم في مخيمات النازحين في الرقة، الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وبعضهم مجهول الأب، ولا يحملون إلا وثائق غير معترف بها من تنظيم داعش، ويفتقدون إلى أسماء آبائهم الحقيقية؛ ما يعد معضلة أخرى تحول دون تسوية أوضاعهم أو استعادتهم. وفي حين تتجه فرنسا وألمانيا إلى استعادة نحو 250 طفلاً من هؤلاء، بحسب ما أعلنت الدولتان خلال الأشهر والأسابيع الماضية، فإن أطفال المقاتلين السوريين أو العراقيين في «داعش»، لا توجد آفاق لحل مشكلاتهم؛ وهو ما يهدد بظهور جيل من الأطفال مكتوم القيد.
وقالت مصادر في الرقة السورية لـ«الشرق الأوسط»: إن المهاجرين من أعضاء التنظيم كانوا يتزوجون من سوريات في تلك المناطق الخاضعة لتنظيم داعش، بعقود زواج ينظمها القاضي الشرعي للتنظيم، وتغفل تلك العقود الاسم الحقيقي للزوج؛ إذ تكتفي باسم الشهرة المستعار، فلا يُعلم له نسب ولا اسم، لافتة إلى أن المعضلة «تمثلت في أن هؤلاء المقاتلين الذين قُتلوا أو هاجروا، تركوا خلفهم أولاداً مجهولي الهوية ومكتومي القيد، ويواجهون مع أمهاتهم مصيراً مجهولاً».
ولا تقتصر المعاناة على الأطفال من أم سورية، بل تشمل أولاد النساء العراقيات اللواتي أجبرن على الزواج من مقاتلي التنظيم، وأولاد النساء «المهاجرات» إلى مناطق سيطرة التنظيم من مناطق أخرى. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: إن هذه المعضلة «بدأ التحذير منها منذ عام 2015، وتضاعفت التحذيرات من جيل من الأطفال (مكتومي القيد) والنساء اللواتي كنّ قد أجبرن على الزواج من مقاتلي (داعش) ومعظمهم من الأجانب ممن تزوجوا ثلاث وأربع نساء». وقال المصدر: إن مقاتلي «داعش» وإثر فقدان ملاذاتهم الآمنة في سوريا «تركوا الأطفال والنساء لمصيرهم»، لافتاً إلى أن الأطفال «سجّلوا في إدارات (داعش) بأسماء وهمية كانت تطلق على مقاتلي التنظيم وقياداته؛ وهو الأمر الذي يشكّل مشكلة للأمهات والأطفال الذين باتوا من دون نسب أو عائلة».
ولا يخفي مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، أن هناك «أعداداً ضخمة» من أطفال مقاتلي «داعش» في سوريا، «يهدد بوجود جيل من مكتومي القيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن الأرقام «قد تصل إلى 2500 طفل وأم»، لافتاً إلى أن الأطفال «يحملون وثائق تسجيل ولادة من (داعش)، وهي وثائق غير معترف بها؛ وهو ما يعقد الأمور على هؤلاء». وقال: «المخاطر لا تنحصر فقط في كون هؤلاء سيكونون جيلاً من مكتومي القيد، بل يهدد بأن ينموا في بيئة متشددة، نتيجة فقدانهم للأهلية القانونية والوثائق الرسمية؛ وهو ما يضاعف المخاطر منهم بعد سنوات عندما يكبرون».
وتشير تقديرات «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن الأطفال من أبناء المقاتلين الأجانب في سوريا موزعون على مناطق سيطرة الأكراد في الشمال، أو في مناطق تواجد قوات النظام، أو لا يزالون مع عائلاتهم في البادية بجيوب مسلحي «داعش» في وسط وشرق وجنوب شرقي سوريا. وأوضح عبد الرحمن، أن معظم أمهات هؤلاء «هن من العراقيات والسوريات»، فضلاً عن أن معظم آبائهم، وخصوصاً أولئك غير السوريين «لم يحملوا أسماء واضحة، فكانت أسماؤهم مستعارة، أو يحملون كنية البلدان التي يتحدرون منها»، علماً بأن الآباء السوريين في تنظيم داعش هم بالأغلب معروفون. وأشار عبد الرحمن إلى أن بعض الزوجات «لم يستطعن في وقت سابق معرفة أسماء أزواجهن الحقيقية؛ وهو ما يحول دون تسجيل الأطفال». وقال: «الآن، ترك هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم بلا أوراق ثبوتية، وثمة معضلة في بعض الدول التي لا تريد أن تعيدهم، وهنا نتحدث عن أولئك المقاتلين المعروفين بأسمائهم وليس غير المعروفين».
وحاولت بعض الدول الأوروبية حل جزء من المعضلة، رغم المعلومات عن أن الدول الأوروبية تقترح إعادة الأطفال من دون ذويهم، وهي معضلة إنسانية بالنسبة للأمهات لجهة فصل العائلات عن الأطفال، وبالنسبة للأكراد الذين يسألون عما يفعلونه بعشرات المقاتلين الأجانب الموجودين في السجون. وأعلنت فرنسا أخيراً أنها تعمل من أجل إعادة أطفال تحتجزهم قوات كردية سورية، هم أبناء أشخاص يشتبه بكونهم متشددين فرنسيين، لكنها ستترك أمهاتهم لتحاكمهن السلطات المحلية.
ومثل دول أوروبية أخرى، تواجه فرنسا مشكلة كيفية التعامل مع المتشددين المشتبه بهم وأسرهم الذين يسعون للعودة من مناطق القتال في العراق وسوريا، ورغم انتهاجها سياسة تقضي برفض قبول المقاتلين وأزواجهم، فقد قالت فرنسا، إنه ينبغي لها حسم وضع القُصّر، علماً بأن باريس تخشى إن تُرِكَ هؤلاء الأطفال في سوريا أن يصبحوا متشددين أيضاً في نهاية المطاف. وقال مسؤول فرنسي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «تدخل السلطات الفرنسية الآن مرحلة نشطة في تقييم احتمال إعادة القصر إلى الوطن».
وكانت أسرٌ فرنسية كشفت عن وجود نحو 60 امرأة في سوريا بينهن 40 أُماً معهن نحو 150 قاصراً. والغالبية العظمى من الأطفال دون السادسة من العمر. وبعد تبادل المعلومات مع السلطات الكردية والصليب الأحمر الدولي، حددت باريس مواقع بعضهم في شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد. وقال المسؤولون: إن التحضيرات جارية لإعادة الأطفال على أساس كل حالة على حدة، بمن فيهم من ولدوا في سوريا. وسوف تتوقف عودتهم على موافقة أمهاتهم على فصلهن عن الأطفال.
وقبل فرنسا، أعرب مسؤولون أمنيون في ألمانيا في الصيف الماضي عن استعدادهم لوصول أكثر من مائة رضيع وطفل هم أبناء مواطنين غادروا البلاد للقتال في صفوف «داعش» في العراق وسوريا، وذلك وسط مخاوف من غرس بذور التطرف في عقول الأطفال. ويعتقد أن ما يقرب من ألف شخص تركوا ألمانيا للانضمام إلى تنظيم داعش. ومع تقهقر التنظيم في الشرق الأوسط يعود بعضهم مع أفراد أسرهم في حين تحاول السلطات الألمانية تأمين إطلاق سراح أطفال جرى اعتقال آبائهم وأمهاتهم.
وتقول الحكومة الألمانية، إن لديها أدلة على أن أكثر من 960 شخصاً غادروا ألمانيا إلى سوريا والعراق حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 للقتال في صفوف تنظيم داعش، ويعتقد أن ثلثهم عادوا إلى ألمانيا في حين قتل على الأرجح 150 منهم في المعارك هناك.
وكان وزير العدل البلجيكي، كون جينز، أعلن في العام الماضي أنه يوجد في سوريا والعراق حالياً نحو مائة طفل من الجنسية البلجيكية، أو يقيم أولياؤهم في بلجيكا.
ويتواجد الأطفال في 3 مخيمات للاجئين في مناطق سيطرة الأكراد في الرقة. ويقول مدير مركز الدراسات الكردية، نواف خليل: إن هؤلاء موجودون في مخيمات، بينها مخيما الهول وروج، ويقدم لهم الأكراد المساعدات والدعم النفسي. وقال: إن الأطفال وعائلاتهم يتحدرون من 46 جنسية حول العالم، مشيراً إلى أن هناك 3 أطفال يعيشون من دون أمهاتهم وذويهم؛ وهو ما دفع الإدارة الذاتية الكردية لانتداب 3 نساء يتكفلن برعاية أولئك الأطفال. وأشار إلى أن هناك بعض الأطفال عادوا إلى بلادهم، بينهم عائلة من كازخستان، وآخرون من الشيشان وإندونيسيا، وغيرها من البلدان.
وقال خليل: «المعسكر مفتوح، ويتنقل فيه الأطفال بشكل طبيعي، لكن لا يخرجون منه، ويتم تقديم مساعدات لهم». وتنسحب مشكلة أطفال مقاتلي «داعش» على العراق، حيث تحتجز السلطات العراقية 833 طفلاً من 14 جنسية مختلفة؛ إذ حضت وزارة الخارجية العراقية في الصيف الماضي دول العالم على تسلم أطفال إرهابيين من «داعش» أجانب لديها من غير المدانين أو من الأحداث الذين أتموا محكوميتهم. وقال الناطق باسم الخارجية العراقية، أحمد محجوب: إن بغداد فاتحت سفارات كالآذرية والروسية والألمانية وغيرها، بشأن تسلم أطفال وأحداث انتهت مدة محكومياتهم»، موضحاً أن «طبيعة عملنا كخارجية تتسم بالتدقيق والتمحيص، لعوائل (داعش)... والدائرة القانونية تدير ملف القاصرين». وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»: إن أكثر من 800 طفل مع ما يزيد على 500 امرأة، جميعهم من الأجانب، محتجزون في السجون العراقية بانتظار المحاكمة بتهمة الانتماء إلى «داعش».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟