نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

تحول مفروض في الاستراتيجية القتالية

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
TT

نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)

خلف الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم داعش الإرهابي، نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بواحة الفقهاء، والذي أوقع 5 قتلى و10 مخطوفين، في صفوف القوات الأمنية الليبية. ومثل هذه العمليات مؤشر واضح على احتفاظ فرع ليبيا من «جماعة البغدادي»، على قدرة مهمة في زعزعة الاستقرار؛ ليس فقط بمنطقة الجفرة، وإنما في عموم الجنوب الليبي. كذلك يؤكد الهجوم المباغت، على تمتع «دواعش» ليبيا بصمود تنظيمي، واستغلال ذكي للمجال الجغرافي (الجبال والأودية)، لتأمين العناصر المجندة؛ وخلق مناطق آمنة ينطلق منها التنظيم لفرض سياسته الجديدة المعتمدة على الهجوم والاختفاء.
بالتالي يؤكد أيضا التخلي عمليا عن استراتيجية بناء الإمارة بالسيطرة المستمرة على المناطق والمدن، والتي اعتمدها التنظيم، ما بين سنة 2014 و2017؛ وانتهت بهزيمة قاسية للتنظيم وخروجه من مدينة درنة، ثم سرت الاستراتيجية في ديسمبر (كانون الأول) 2016. بعد معركة دامت ثمانية أشهر مع قوات «البنيان المرصوص»، التابعة لحكومة الوفاق الوطني.

سياق رسالة الهجوم
يأتي هذا الهجوم، في سياق مواجهات عسكرية مفتوحة بالجنوب الليبي. هذه المعركة الدائرة بين قوى المعارضة التشادية المتمركزة داخل التراب الليبي، وبين «الجيش الوطني» الموالي للمشير خليفة حفتر مسنودا بقوى قبائلية بالجنوب. كما يأتي هذا الهجوم في الوقت الذي يزداد فيه نشاط الطائرات الأميركية من دون طيار، انطلاقا من قاعدة أغاديز في النيجر؛ والذي يهم مراقبة تحركات «داعش» و«القاعدة»، وشن الهجمات عليهما، لعرقلة نشاطهما في الجنوب الليبي، والحدود التشادية.
غير أن «داعش» ليبيا، أثبت طيلة أربع سنوات من عمره القتالي، أنه تنظيم مرن ومتكيف ومستوعب لنتائج الحرب الأهلية؛ والتمزق السياسي والجغرافي بالبلد. كما أثبت فرع تنظيم أبو بكر البغدادي بليبيا، أن هزيمته في سرت سنة 2017. وفي درنة في أبريل (نيسان) 2016. لا تعنيان موت التنظيم؛ بل تعني تحولا في الاستراتيجية القتالية، واعتمادا تكتيكيا على الاستنزاف، وإرباك الوضع الأمني، وتركيزا وترتيبا جديدين على أهداف بعينها.
ويتضح فعلا أن فرع تنظيم «داعش ليبيا»، يتبنى أيضا استراتيجية تبقيه حاضرا بقوة على المشهد السياسي والأمني الليبي. ففي تبني التنظيم للهجوم على واحة الفقهاء؛ أكد في بيان أصدره عقب الحادث، أنه سيطر على البلدة لعدة ساعات، ونفذ هجوما انتحاريا بانغماسي، ضد «الجيش الوطني الليبي». كما أشار البيان إلى أن عناصر التنظيم اقتحموا «مركز شرطة البلدة وأحرقوه»، وعددا من المنازل بالمنطقة بحثا عن «مرتدين من الجيش والشرطة والصحوات والجواسيس». ويمكن القول إن هذا التحول العملياتي المركز، دشنه التنظيم بالهجوم الإرهابي على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بتاريخ 3‏ مايو (أيار) ‏2018.
من جانب آخر، يمكن التأكيد على أن هذا التحول في السياسة الإرهابية للتنظيم خاصة بالجنوب؛ هو تكيف مع الوضع الجديد الذي فرضه السياق الدولي لمحاربة الإرهاب؛ خاصة دور القوات الخاصة على الأرض، والمراقبة والهجمات الأميركية بطائرة «درون» من دون طيار، التي تنطلق من قاعدة أغادير بالنيجر. فقد شنت وحدات «أفريكوم» الأميركية، عدة هجمات على مراكز «للقاعدة» و«داعش» بالجنوب الليبي، شملت منذ مارس (آذار) 2018 عدة مناطق، مثل مدينة أوباري. كما شنت في سبتمبر (أيلول) 2017، غارتين جويتين قضتا على 17 عنصرا من التنظيم الإرهابي «داعش» في منطقة إلى جنوب سرت، وغير بعيد عن مدينة الجفرة.
كما أن هناك قوات خاصة أميركية لمكافحة الإرهاب، حلت بالبلد منذ أغسطس (آب) 2016؛ بغية تقديم الدعم اللوجيستي للقوات التي تقاتل تنظيم داعش. وسبق لهذه القوات الخاصة الأميركية أن اعتقلت عناصر من «أنصار الشريعة» داخل الأراضي الليبية. فقد أكد الرئيس دونالد ترمب بتاريخ 31 أكتوبر 2017 أن القوات الخاصة، ألقت القبض على مصطفى الإمام بليبيا، بتهمة لضلوع في الهجوم الذي تعرضت له قنصلية بلاده في بنغازي سنة 2012؛ وأنه سيحاكم أمام القضاء الأميركي. وهكذا يلقى مصطفى، نفس مصير أبو ختالة الذي تم اعتقاله، من طرف قوات أميركية داخل ليبيا منذ نحو ثلاث سنوات.
السياق التنظيمي
نظرا لطبيعة العملية والتي تمت بانتحاري وسيطرة مؤقتة وتمشيط للمكان وخطف 10 أشخاص، يرجح أنهم من القوات الأمنية؛ يمكن القول إن وعي تنظيم داعش بمحيطه المحلي، يلعب دورا مهما في استمراره. ذلك أن اعتقال القيادي جمعة القرقعي في منطقة الفقهاء يوم 16 أكتوبر 2018. من طرف الكتيبة 128 التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي الموالية للمشير حفتر؛ زادت من إحساس التنظيم بضرورة تأمين المحيط القريب، أخذا بعين الاعتبار الولاءات القبلية والعسكرية للمنطقة.
كذلك، يمكن تفسير رد فعل «داعش» وهجومه على واحة الفقهاء؛ بالضربة القاسية التي تلقاها التنظيم بالمنطقة. فقد تمكنت القوات العسكرية الليبية من اعتقال القياديين الفيتوري والقرقعي، في منطقة غير بعيدة عن واحة الفقهاء؛ ما يشكل انتصارا آخر على التنظيم الإرهابي، وقدرة أمنية للجيش على الحد من تحركات التنظيم.
بالنسبة للتنظيم فإن القرقعي المكنى «أبو الليث» (30 سنة)، هو عنصر مهم لاستمرار التنظيم باعتباره المسؤول عن التموين والإمداد؛ وشارك أو قاد عمليات وقعت في النوفلية وكذلك بمنطقة الجفرة والفقهاء وسرت. ثم إنه قاد هجمات أيضا على عدة بوابات أمنية، وعلى الشركة التركية «أوستايل». ويُظهر فيديو نشره التنظيم سنة 2017 مكانة القرقعي البارزة؛ فقد ظهر بالتسجيل المعنون (فما وهنوا لما أصابهم)، والذي أصدرته ما يطلق عليه التنظيم «ولايه برقة» في 24 سبتمبر 2017.
ولقد سطع نجم القرقعي، باعتباره قائدا محليا بارزا منذ 2016؛ وأصبح «أبو الليث» أميرا لتنظيم داعش على بلدة النوفلية بعد مقتل الأمير السابق قعيم. وبحكم تمرسه وخبرته بالمنطقة وتشعباتها التي تعرف تداخلا مهما بين الإرهاب ومنظمات الجريمة والاتجار بالبشر والمخدرات؛ والتي تتخذ من الطرق الصحراوية مسلكا لتجارة مربحة بين أفريقيا وأوروبا، أصبح القرقعي هو الأمير المحلي الجديد.
ويشير عضو مجلس النواب الليبي عن دائرة الجفرة، إسماعيل الشريف لهذا الواقع المر حينما قال، «لقد حذرنا سابقاً من هشاشة الوضع الأمني في مناطق الهاروج التي تعد ملاذا لكل التنظيمات والعصابات التي تمارس الخطف والقتل والحرابة والاتجار بالبشر والمخدرات».
ومن الناحية التنظيمية شارك القرقعي في عمليات خطف، وقد أظهرت بعض من هذه العمليات جدوائيتها؛ إذ استثمرها التنظيم للحصول على موارد مالية وبشرية. ومن هنا يفهم خطف التنظيم لـ10 أفراد من الشرطة الأمنية، لتحويلهم إلى ضغط قوي على السلطة المسيطرة على المنطقة، وعلى القبائل الموالية لها. فالتنظيم يعتبر أن إلقاء القبض على «أبو الليث»، تم بواسطة رجال القبائل المحلية، الذين يشتغلون بالقوة الموالية للمشير حفتر؛ وبالتالي فإن خطف أبناء القبائل من شأنه، المساعدة على استرجاع أمير «داعش» بالنوفلية. كما أن عملية الخطف تدخل التنظيم في عمليات تفاوض مع وجهاء محليين؛ وأي فشل في استرجاعهم المخطوفين، بالتفاوض أو بتحريرهم، قد يبعد شباب المنطقة الجنوبية، من المشاركة في القوات المناهضة للإرهاب.
سياق تاريخي
الجدير بالذكر أن «داعش ليبيا» ظهر مباشرة بعد سقوط نظام معمر القذافي. ورغم انتشاره المحدود في الوسط الاجتماعي الليبي، فإنه أعلن بشكل علني عن نفسه في ربيع 2014. وبدأ في تنظيم صفوفه، عبر تجنيد محلي ومغاربي ومصري، ليلتحق إلى صفوفه فيما بعد شباب من جنسيات أفريقية؛ خاصة السينغالية والتشادية والسودانية، كما استقبل التنظيم أفرادا من جنسيات أخرى بالشرق.
بعد تأسيسه في درنة، انتقل التنظيم لهيكلة صفوفه ببعض المدن وخاصة بنغازي، قبل أن ينتقل لسرت، التي أعلنت إمارة إسلامية تابعة لتنظيم البغدادي؛ ورغم أن التنظيم الليبي لم يعلن ذلك إلا بعد حسم خلاف داخل التنظيم يتعلق ببيعة البغدادي، فإنه لقي حاضنة اجتماعية مهمة من هذه المدينة التي كانت معقلا لأنصار القذافي. مما حول المنطقة لبؤرة جذب للمقاتلين، وممرا نحو أوروبا استثمرته «داعش» في شن هجماتها هناك.
وكما أن تطور التنظيم الإرهابي كان سريعا ومؤثرا؛ وبلغ أوجه في سرت 2015؛ واستطاع الوصول إلى منطقة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا. إلا وبسرعة أكبر، عرفت مسيرة التنظيم انهيارا وتشتتا لعناصره، ولجوءا جماعيا إلى الجبال والأودية بالجنوب الصحراوي. ولم يسترد التنظيم بعض أنفاسه إلا بعد انسحاب القوة الثالثة التابعة لمنطقة مصراتة من مدينة الجفرة. ويبدو أن هذا الانسحاب الذي تم في مايو 2017؛ يلقي بظلاله اليوم على واحة الفقهاء التي عرفت تنفيذ التنظيم هجمته الأخيرة، وسيطرة دامت لساعات.
ويذكرنا هذا بهجوم «داعش» في أغسطس (آب) 2017، على حاجز أمني على مدخل الفقهاء وقتل 11 شخصا، بينهم 9 من القوات الموالية لحفتر. كما يذكر لهجوم على واحة الفقهاء الأخير، بذلك الذي تم بحقل الظهر النفطي بمنطقة زلة شمال شرقي الجفرة، فبراير (شباط) 2018، وقتل منها 3 عسكريين من «الجيش الوطني» الليبي.
بكلمة، يمكن القول إن تغيير «داعش» لاستراتيجيته القتالية، يأتي في سياق محلي، مرتبط بانكشاف التنظيم ودعوته المرتبطة بمنظومة «الخلافة المزعومة»؛ فقد عرف التنظيم انحسارا حقيقيا في التجنيد، كما عانى من فقدانه لقياداته ذات التأثير المحلي. وهو ما ساعد على مواجهته من طرف قبائل ومجموعات مسلحة موالية للحكومة بطرابلس، وكذلك قوات مسلحة موالية للمشير حفتر.
ورغم أن التنظيم واع تماما بهذا التحول في محيطه، ولجأ لسياسة تركيز الهجمات على مؤسسات وأفراد الأمن والجيش؛ فإن تكاثف الجهود الوطنية للقبائل والمجموعات المسلحة من جهة، وازدياد وتيرة عمل القوات الخاصة والطائرات الدولية العاملة بالجنوب الليبي على محاصرة نشاط الإرهاب، كلها عوامل تلعب ضد «داعش» وفرضت عليه تغيير استراتيجيته القتالية.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - المغرب



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».