محمد الربيّع ريادة المهجر... وارتياد النقد

«أدب المهجر الشرقي» أهم كتبه ولفت النظر إلى أدب كان مهملاً

د. عبد المحسن القحطاني مع الأديب محمد الربيع في أمسية تكريمه
د. عبد المحسن القحطاني مع الأديب محمد الربيع في أمسية تكريمه
TT

محمد الربيّع ريادة المهجر... وارتياد النقد

د. عبد المحسن القحطاني مع الأديب محمد الربيع في أمسية تكريمه
د. عبد المحسن القحطاني مع الأديب محمد الربيع في أمسية تكريمه

وُلِد محمد بن عبد الرحمن الربيّع في مدينة الرياض، عام 1947، لأب كان محلَّ فخره واعتزازه الدائم؛ إذ كان ضمن جيش الملك، وتشرف بالمشاركة في توحيد المملكة العربية السعودية، وشارك في معركة السبلة، وفي حرب اليمن، وفي معارك أخرى من معارك توحيد المملكة.
ونشأ محمد الربيّع (ولده الوحيد) محباً للعلم شغوفاً بالقراءة والاطلاع، مُجِداً في كل عمل أُسند إليه، وشارفت خدمته للدولة على نصف قرن قضاها متقلّباً في أعمال جليلة خدم بها وطنه وأمته العربية والإسلامية في سيرة يمتزج فيها الكفاح بالصبر والإصرار على النجاح والإنجاز، متدرجاً من معلم يحمل الشهادة الجامعية فقط (عام 1388هـ) إلى أن تبوأ منصب وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ عام 1416ه إلى عام 1425ه، ثم رئيساً لمجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض لمدة أربع سنوات (2001 - 2005).
وهذا المنجز لم يأتِ عفواً دون عمل جاد متواصل وتطلع لصنع مستقبل مختلف، لذا رأيناه يصعد السلم بتدرج منطقي: معلماً في المعاهد العلمية، ثم مسؤولاً عن إدارة الدراسات والمعلومات بجامعة الإمام، ثم مديراً للبعثات، فمديراً لمركز البحوث، ثم عميداً للبحث العلمي، ثم وكيلاً للجامعة لمدة تسع سنوات. وخلال هذه المدة الطويلة مارَسَ أعمال الأستاذ الجامعي بكل تفاصيلها: معلماً في المرحلتين؛ الجامعية والدراسات العليا، ومشرفاً على الرسائل، ومناقشاً لها داخل الجامعة وخارجها، بل وخارج المملكة أيضاً، ومحكّماً للبحوث، ومنخرطاً في اللجان والاجتماعات، ومشاركاً مع زملائه بالرأي والمشورة في جلسات القسم العلمية.
وهنا تحسن الإشارة إلى أن الدكتور محمد الربيِّع وبعض رفاقه من جيله عانوا الأمرَّين في سبيل الحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه، لأن الدراسات العليا وقتذاك في اللغة العربية وآدابها لم تكن موجودة في الجامعات السعودية، فاضطروا إلى مواصلة دراساتهم خارج المملكة وعلى حسابهم الخاص، مستغلين أوقات الإجازات الصيفية للبحث والسفر، مع ظروف سياسية كادت تعصف بأحلامهم وتطلعاتهم.
وأما الكتابة في الصحف والمجلات، فقد كانت مجالاً رحباً للدكتور الربيِّع منذ أن كان طالباً، وتحتفظ جريدة «الجزيرة» له ببعض المقالات التي كتبها قبل التخرج في الجامعة، ومنها مقالتاه «حديث في الالتزام»، و«الواقعية في الأدب»، اللتان نُشِرتا في العددين «87» و«92» من «الجزيرة» عام 1966، مما يدل على اهتمام مبكر جداً بالأدب ورغبة في ممارسة الكتابة.
وله مقالات أخرى كثيرة نشرها في «مرآة الجامعة»، وفي جريدة «البلاد»، وفي جريدة «الرياض»، وفي مطبوعات أخرى.
والمتأمِّل لسيرة الدكتور محمد الربيِّع، والمراقب لها عن قرب بسبب عمل مشتَرَك معه، أو ملازمة وصداقة له، يجد أنه لم يقتصر في يوم من الأيام على عمله الرسمي الروتيني: أستاذاً ومسؤولاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإنما امتدّ نشاطه إلى معظم المنافذ الثقافية في المملكة والعالم العربي، فشارك في معظم دورات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) منذ عام 1985 حتى الآن، وارتبط بتعاون واسع مع وزارة الثقافة والإعلام؛ مشاركاً في البرامج الإذاعية، ومستشاراً في إدارة المطبوعات، وعضواً في الهيئة الاستشارية، ورئيساً للجنة العلمية في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث، عام 1430هـ، وبتعاون وثيق الصلة مع «دارة الملك عبد العزيز» مشرفاً ومشاركاً في العديد من المشروعات الثقافية برئاسته للجنة العلمية لجائزة ومِنحة الملك سلمان، وإشرافه على «قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية»، وعلى «موسوعة الملك عبد العزيز للشعر العربي»، وعلى برنامج «أعلام المملكة»، بالإضافة إلى عمله الفاعل مع جهات أخرى، مثل: «مكتبة الملك عبد العزيز العامة»، و«مكتبة الملك فهد الوطنية»، و«مجمع اللغة العربية» بالقاهرة، و«جمعية لسان العرب» بالقاهرة أيضاً.
ويبقى عمله المميز الذي استحق بموجبه وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وهو عمله رئيساً لمؤتمر «المملكة العربية السعودية في مائة عام» الذي نُفِّذ على مستوى المملكة في احتفالية كبرى عام 1999.
وإذا كانت بعض الشخصيات البارزة تركن للراحة بعد التقاعد الرسمي، فإن الدكتور الربيِّع لا يؤمن بالراحة، ويرى سعادته في العمل بإخلاص وتفانٍ من أجل الوطن، ولذلك فهو منذ تقاعده عام 2005 وهو عضو أو رئيس للعديد من اللجان والمهام، ومنها اختياره عضواً في مجلس أمناء «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية»، وهو مجال أثير إلى نفسه؛ إذا عرفنا أنه عضو في «مجمع الخالدين» منذ عام 1995.
هذا التفاعل الفاعل مع المجتمع والاندماج فيه والمشاركة في صنع النشاط الثقافي وتنميته يحمل بعدين:
الأول: أن الأستاذ الجامعي وقد أُتيح له الحصول على أعلى الشهادات الجامعية ينبغي ألا يقتصر عمله على ما يُسند إليه رسمياً من محاضرات ومناقشات واجتماعات، وإنما يحسن أن يمد يده إلى المجتمع مشاركاً ومساهماً بعلمه وبخبراته وتجاربه بقدر طاقته ووقته، وأن يخرج من إطار الجامعة الضيق إلى فضاء المجتمع الأرحب.
الثاني: أن صنيع الدكتور محمد الربيِّع هذا يمثل تطبيقاً عملياً فعلياً لرسالة الجامعة (أي جامعة) التي تقوم على ثلاثة محاور رئيسة، وهي: التعليم، والبحث، وخدمة المجتمع.
وهذه الشخصية النموذج حقيقةٌ بتدوين سيرتها، وبيان جهودها في خدمة أمتها، ونشر جوانب من عطائها الثري في أكثر من مجال.
ومن هنا، فالدكتور محمد الربيّع مُطالَب الآن بعد تكريمه (مساء 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) من ثلاث جهات ثقافية، وهي: «النادي الأدبي بالرياض»، و«جمعية الأدب العربي»، و«إثنينيّة النعيم الثقافية» برعاية من أمير منطقة الرياض، بأن يفرغ لكتابة سيرته الذاتية المفصّلة.
وأخيرا أكشف دلالة عنوان هذه المقالة؛ إذ عُرف الدكتور محمد الربيّع بكتابه «أدب المهجر الشرقي» الذي يُعّد أهم كتبه، وبه فتح باباً جديداً، ولفت النظر إلى أدب مهمَل، ويأتي «ملتقى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية» الذي انطلق على يديه في «النادي الأدبي» بالرياض، واحداً من أهم الملتقيات التي تنهض بها الأندية الأدبية في المملكة ويتميّز بالانتظام والتأثير.

- نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب العربي



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.