سلامة يدعو الليبيين لاطلاق مسار إجراء الانتخابات في الربيع المقبل

أكد غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أنسميل»، أن الليبيين «ضاقوا ذرعاً بالمغامرات العسكرية والمناورات السياسية التافهة»، داعياً إلى عقد مؤتمر وطني يكون أوسع تمثيلاً لليبيين خلال الأسابيع الأولى من سنة 2019، على أن تجرى الانتخابات العامة في الربيع المقبل.
وكان سلامة يتحدث مع أعضاء مجلس الأمن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أفاد فيها بأن «هذا الملتقى الوطني سيكون منبراً للشعب الليبي، يمكن من خلاله الدفع نحو اتخاد خطوات ضرورية للمضي في العملية السياسية، وإيجاد مسار آمن للخروج من المأزق الحالي، على أن يكون معززا بجدول زمني، وبدعم المجتمع الدولي، وبلا تدخل». مشددا على أن «العملية الانتخابية ينبغي أن تبدأ عقب انعقاد المؤتمر الوطني في الأسابيع الأولى من العام المقبل».
وبخصوص الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في ليبيا، أوضح سلامة أن «لجنة الترتيبات الأمنية الجديدة لطرابلس الكبرى صاغت خطة أمنية شاملة للعاصمة، اعتمدت من قبل المجلس الرئاسي»، مبرزاً أن «هذه الخطة الأمنية التي تعزز وقف النار قد بدأ تنفيذها بالفعل، وسوف تنسحب بموجبها الجماعات المسلحة من المنشآت الرئيسية، بينما يتم نشر قوات الاحتياط في محيط المدينة». كما أوضح أن «نجاح الخطة في العاصمة يعتبر أمرا بالغ الأهمية، ليس فقط لأنها تضم معظم المؤسسات الحكومية... ولكن أيضاً لأن ما يتحقق في طرابلس يمكن أن يكون نموذجاً يتكرر في مدن أخرى في جميع أنحاء البلاد».
في سياق ذلك، أشار المبعوث الأممي إلى أن ليبيا التي «تزيد إيراداتها خلال ستة أشهر على 13 مليار دولار، ما تزال تعاني الفقر بشكل متزايد، حيث يستخدم المجرمون العنف والمحسوبية لسرقة المليارات من الخزائن الوطنية»، داعيا إلى «العمل بجد لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، والحيلولة دون وقوع أي انتكاس للمكاسب التي تحققت». وقال بهذا الخصوص إن «الإلغاء التدريجي لدعم المحروقات لصالح التحويل النقدي المباشر يزيد من الدخل الفعلي للأسر الفقيرة، ويحول في الوقت ذاته دون وقوع مليارات الدنانير في أيدي المهربين».
كما تطرق سلامة إلى «ظروف السجون المروعة، التي تعتبر من دوافع الصراع في البلاد». وقال إنه على الرغم من صدور مرسوم يقضي بمراجعة ملفات آلاف الأسرى القابعين في السجون، فإنه لم يتم الإفراج سوى عن 255 سجيناً حتى الآن.
أما بخصوص الانتخابات، فقد أشار سلامة إلى أن «مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة يعتبرانها تهديداً تجب مقاومته». لكن بالنسبة للشعب فإن الانتخابات «وسيلة لتحريره من السلطات المشلولة التي تفقد شرعيتها أكثر فأكثر». ومع ذلك، أكد سلامة «تواصل البعثة بشكل مستمر مع أعضاء كلا المجلسين بغرض التوصل إلى اتفاق حقيقي».
من جانبه، عبر ستيفن هيكي، المنسق السياسي لدى البعثة البريطانية، عن دعم المملكة المتحدة القوي لتوجهات المبعوث الخاص، مضيفاً أنه «لكي يكون المؤتمر الوطني ناجحاً، فإنه من الأهمية بمكان ضمان تمثيل التنوع الكامل في ليبيا، وبمشاركة كبيرة من النساء». كما شدد على ضرورة توسيع وقف النار في طرابلس إلى كل أنحاء البلاد.
بدوره، أكد المندوب الكويتي منصور العتيبي «أهمية حل المجموعات المسلحة للحفاظ على سلاسة العملية الانتقالية»، داعيا إلى «توحيد المؤسسة العسكرية، وتفعيل الأجهزة الأمنية في ليبيا». كما دعا إلى «الإسراع في تنفيذ الخطة الأمنية لتأمين طرابلس»، آملاً في أن «يصل مؤتمر باليرمو إلى نتائج ملموسة على الأرض بما يساهم في تحسين الظروف المعيشية وتوفير الأمن للمواطنين». كما شدد على «ضرورة العمل الجاد للحد من تنامي البؤر الإرهابية التي تستغل الفراغ الأمني والسياسي لتتغلغل في الجنوب الليبي».
من جهته، أبدى فرنسوا دولاتر، المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة «قلقه» من تدهور الحالة الأمنية في ليبيا، مؤكداً دعم بلاده لتوحيد القوات المسلحة الليبية «تحت سلطة مدنية لأن هذه أولوية». وحذر بهذه المناسبة من أن «الذين يهددون استقرار البلاد، ولا سيما من خلال النشاطات الإجرامية، سيتم استهدافهم بنظام العقوبات». ورأى أن «مؤتمر الأسبوع المقبل في باليرمو سيكون فرصة لمشاركة كل أصحاب المصلحة في مثل هذه القضايا».
في السياق ذاته، أفاد نائب المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين بأن «المجلس لم يتمكن في كثير من الأحيان من التحدث بصوت واحد للتغلب على التحديات الخطيرة التي تواجه الاستقرار في ليبيا، ومكافحة أولئك الذين يبتغون مصالحهم الذاتية الضيقة». وتعهد بتقديم الدعم من الولايات المتحدة للتقدم السياسي في ليبيا، عبر الإفادة من زخم مؤتمر باريس، داعيا حكومة الوفاق الوطني إلى الإسراع في إجراء إصلاحات اقتصادية لضمان الشفافية والتوزيع العادل للموارد النفطية.
كما عبر نائب المندوب الروسي الدائم فلاديمير سافرونكوف عن «قلقه العميق لتدهور الوضع الأمني»، معتبراً ذلك «نتيجة للتدخلات التي شهدتها البلاد عام 2011». لكنه شدد على أن «الأمم المتحدة لا تستطيع وحدها مساعدة ليبيا في التغلب على كل التحديات التي تواجهها»، علما بأنه «يجب أن تنسق كل الجهود من قبل الأمم المتحدة». ورأى أنه «يجب أن تستخدم العقوبات بحذر» لأنها «يمكن أن تكون مفيدة في بعض الحالات»، ولكن «يجب التعامل مع حالات أخرى عبر العدالة الوطنية».
إلى ذلك، كشف تقرير أعدته جماعة مفوضة من الأمم المتحدة بعد اجتماعات في أنحاء ليبيا، عن أن الليبيين يريدون بأغلبية ساحقة تشكيل حكومة وطنية تمثل جميع مكونات المجتمع وتوزيع الموارد بصورة عادلة.
وأبرزت النتائج التي توصل إليها تقرير مركز الحوار الإنساني، وهو منظمة غير حكومية، استياء واسع النطاق بين الليبيين من الصراع بين حكومتين وجماعات مسلحة وقبائل ومناطق متنافسة منذ الإطاحة بنظام القذافي عام 2011. مشيرا إلى أن قسما واسعا من المشاركين في المسار التشاوري يرون أن الليبيين «محرومون من حكومة تمثلهم وتجمع فرقتهم وتدافع عن مصالحهم».