البرلمان التونسي يحسم الاثنين في مصير حكومة الشاهد

«النداء» يتصدر أحزاب سياسية أعلنت رفضها التصويت لصالح التعديل الوزاري

TT

البرلمان التونسي يحسم الاثنين في مصير حكومة الشاهد

بعد أن خفتت قليلا حدة الخلاف السياسي الدائر بين رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، قرر مجلس نواب الشعب (البرلمان) عقد جلسة عامة بعد غد الاثنين، لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد، الذين وردت أسماؤهم ضمن التعديل الوزاري، الذي أعلن عنه الشاهد مساء الاثنين الماضي، وهو ما اعتبر حسب بعض المحللين السياسيين انتصارا لرئاسة الحكومة على حساب مؤسسة رئاسة الجمهورية، وتقليصا لصلاحيات رئيس الدولة من ناحية، واحتراما للنظام السياسي المرتكز على النظام البرلماني المعدل، من ناحية أخرى.
وقبل البرلمان قرار رئيس الجمهورية نقل الخلاف بين الطرفين إلى أروقته، واعتماد مبدأ التصويت لتجاوز الخلاف حول مدى قانونية عقد جلسة برلمانية تمنح الثقة لحكومة الشاهد، رغم أن هذا الأخير تغاضى عن إعلام رئيس الجمهورية بتفاصيل التعديل الوزاري. وبهذا الخصوص أوضح محمد الناصر، رئيس البرلمان، أن المشاركين في الاجتماع الذي عقده مكتب البرلمان، والبالغ عددهم 13 عضوا، لجأوا إلى التصويت على طلب رئيس الحكومة، وكانت نتيجة الاجتماع تصويت سبعة أعضاء لفائدة عقد جلسة عامة بعد غد الاثنين لمنح الثقة للحكومة، في حين صوّت ستة أعضاء لصالح تأجيل عقد الجلسة.
وبخصوص مدى قانونية هذه الجلسة البرلمانية، قال كمال بن مسعود، أستاذ القانون الدستوري، إن البرلمان التونسي احترم القانون بإقراره جلسة برلمانية لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد، مؤكدا أن البرلمان قام بدوره حينما حدد جلسة في غضون أسبوع من تلقيه طلبا بهذا الخصوص من رئاسة الحكومة، عملا بمقتضيات الدستور.
أما بخصوص الفرضيات والسيناريوهات المرتبطة بإجراءات منح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد، فقد أعربت عدة أحزاب سياسية عبر ممثليها في البرلمان رفضها التصويت لصالح هذا التعديل، وتشمل قائمة الرافضين كتلة حزب النداء بـ51 صوتا، وكتلة الجبهة الشعبية (تحالف يساري) الممثلة بـ15 صوتا، والكتلة الديمقراطية (توجه قومي)، التي تضم 12 نائبا في البرلمان، بالإضافة إلى «كتلة الولاء للوطن»، التي تضم 11 صوتا، علاوة على صوت النائب فيصل التبيني، الممثل لحزب صوت الفلاحين، ليصل بذلك العدد الإجمالي للأصوات التي أعلنت بصفة حاسمة رفضها منح الثقة لحكومة الشاهد حدود 90 صوتا من إجمالي 217 نائبا في البرلمان التونسي.
لكن في الجانب المقابل، تحظى حكومة الشاهد بدعم واضح من قبل حركة النهضة بـ68 صوتا، وكتلة الائتلاف الوطني التي تضم 40 نائبا، علاوة على 14 نائبا يمثلون «حركة مشروع تونس»، التي يتزعمها محسن مرزوق، ليصبح بذلك عدد الداعمين للتعديل الوزاري وحكومة الشاهد في حدود 122 صوتا كحد أدنى؛ لكنها تأمل في اجتذاب عدد أكبر من الأصوات البرلمانية المستقلة، ليصل عدد الأصوات المصوتة بالإيجاب إلى نحو 130 صوتا، وهو ما يجعل الحكومة تحظى بعدد إضافي من الأصوات يفوق بكثير الأغلبية المطلقة، المقدرة دستوريا بـ109 أصوات.
وبخصوص الخلاف حول التعديل الوزاري الذي اندلع بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس الحكومة)، قال زياد كريشان، المحلل السياسي التونسي، إن المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الجمهورية «أنهى الصراع القانوني والدستوري بين الطرفين، ونقل الصراع بشكل مؤقت إلى البرلمان، على الرغم من علمه بأن الحصول على الأغلبية المطلقة وارد ويمكن تحقيقه؛ لكنه أبقى على الصراع السياسي»، وهو ما يعني أن أبواب الخلاف بقيت مفتوحة، على الرغم من نزوع رئيس الجمهورية إلى التهدئة، واحترام ما تقرره المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها البرلمان.
على صعيد آخر، قال مصطفى بن أحمد، رئيس كتلة الائتلاف الوطني البرلمانية الداعمة ليوسف الشاهد، إن موعد الإعلان عن الحزب السياسي الجديد، الذي سيتزعمه الشاهد، سيكون نهاية السنة الحالية، وسيحمل اسم «حزب أمل تونس»، أو «حزب الائتلاف الوطني»، مشددا على أنه سيكون جاهزا لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
وحول إمكانية تزعم رئيس الحكومة الحالية لهذا الحزب السياسي الجديد، قال بن أحمد، إن الحزب «سيؤسس وفق برامج وأفكار، وليس على قاعدة الالتفاف حول شخصية سياسية معينة، والشاهد أو غيره إذا ترشح لرئاسة الحزب سيتم النظر في طلبه»، مثل بقية الطلبات الأخرى على حد تعبيره.
وأضاف بن أحمد أن الحزب سيرتكز على قاعدة إعادة بناء حزب النداء، وإعادة إحياء المشروع السياسي، الذي التفت حوله عدة شخصيات وطنية في مرحلة تأسيس حزب النداء، وطبقا للمبادئ التي تكونت وفقها كتلة «الائتلاف الوطني» في البرلمان التونسي، وهي دعم الاستقرار السياسي، وتشكيل المؤسسات الدستورية، ووضع برنامج لإنقاذ تونس، وخصوصا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، على حد قوله.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.