مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

بين مخاوف المقاطعين وطموحات المشاركين

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو
TT

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

تُبذَل يومي الاثنين (بعد غد) والثلاثاء المقبلين، محاولة جديدة لحل الأزمة الليبية من خلال مؤتمر يعقد في مدينة بالرمو، عاصمة إقليم صقلية الإيطالي، الذي هو إقليم سيئ السمعة بالنسبة لأجيال عاصرت الاحتلال الإيطالي لليبيا في النصف الأول من القرن الماضي.
وعلى الرغم من كثرة الأمراض التي يعاني منها الجسد الليبي، منذ 2011 حتى اليوم، ما بين فوضى واحتراب أهلي وانتشار للميليشيات المدجّجة بالأسلحة الثقيلة، تبدو إيطاليا متحمّسة لانعقاد المؤتمر وإنجاحه، وذلك، بعدما شعرت لبعض الوقت أن الفرنسيين يريدون الهيمنة على الملف الليبي.

يُعَد مؤتمر بالرمو حول ليبيا الأول من نوعه، بعد محاولة الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون، جمع الأفرقاء الليبيين في باريس الصيف الماضي. وبين مخاوف المقاطعين، وطموحات المشاركين في المؤتمر المزمع عقده في عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية، تمكن القادة الإيطاليون، على ما يبدو، من إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بقدرتهم على إدارة الملف الليبي أكثر من أي طرف أوروبي آخر.
ووفقاً للقاءات بين مسؤولين نفطيين من ليبيا وإيطاليا، جرت في مطلع هذا الشهر في لندن، بعيداً عن الأضواء، ازدادت أهمية ليبيا أخيراً. أما السبب فهو ما كُشف عنه من وثائق تتعلّق بمخزونها النفطي، وتحديداً، إمكانية القفز بالإنتاج من 1.6 مليون برميل يومياً إلى 3 ملايين برميل يومياً، في المستقبل المنظور، وهو ما يساعد في التغلب على النقص في سوق النفط العالمية، بعد إعادة ترمب فرض العقوبات على الصادرات الإيرانية.
في هذه الأثناء، واجهت إيطاليا ودول أوروبية أخرى مشكلات قانونية تخص التعاقدات مع حكومة المجلس الرئاسي الليبي بقيادة فايز السراج، لأنها لم تحصل على مصادقة البرلمان، سواء فيما يتصل بتعاقدات النفط أو التعاقدات العسكرية والأمنية بشأن التصدي لوقف الهجرة غير الشرعية. ومعلوم أن زيادة إنتاج ليبيا من النفط يتطلب نوعاً من الاستقرار الأمني، وبُنية تشريعية وتنفيذية قادرة على حماية أي تعاقدات ترتبط بها الدولة مع الأطراف الخارجية.

- تسلم دعوات المؤتمر
مسؤولون وسياسيون ونشطاء ورموز قبلية من ليبيا ودول أخرى معنية، تلقوا أخيراً الدعوات لحضور مؤتمر بالرمو. وانقسم هؤلاء بين ثلاث فئات: الفئة الأولى وافق أفرادها على الحضور، وأفراد الثانية أعلنوا رفضهم المشاركة في المؤتمر من الأساس، أما أفراد الفئة الثالثة فوضعوا الدعوة جانباً، وباشروا إجراء الاتصالات والمشاورات قبل تحديد مواقفهم.
لقد وجهت إيطاليا دعوات لحضور مؤتمر بالرمو إلى «حكّام» طرابلس، وعلى رأسهم السراج وعدد من قيادات العاصمة، بمن فيهم أعضاء في «مجلس الدولة» الذي يعد امتداداً للبرلمان السابق الذي أسقط الليبيون معظم أعضائه من الإسلاميين في عام 2014. كذلك دُعيَت القيادات العسكرية والنيابية في شرق ليبيا، وزعماء في الجنوب أيضاً، وهو منطقة تعد ميداناً للتنافس التاريخي بين الإيطاليين والفرنسيين، وتوجد فيها مكوّنات ثقافية لها امتدادات قبلية في دول الجوار، مثل تشاد والنيجر وغيرهما.
أما على الصعيد الإقليمي، فمن المتوقع أن يكون هناك حضور لعدد من دول الجوار الليبي، منها مصر، وبلدان عربية شارك بعضها في مؤازرة زعماء التيارات الإسلامية ممن قادوا الانتفاضة المسلحة ضد حكم معمر القذافي عام 2011، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي «ناتو».
وثمة اعتقاد على المستوى الدولي بأن ترمب يقف مع المحاولات الإيطالية لإنجاح الحل في ليبيا. إلا أن عدداً لا بأس به من الأطراف الأوروبية، في مقدمها فرنسا وألمانيا، غير متحمسين - كما يبدو - للدور الذي تريد إيطاليا أن تلعبه، منفردة، في هذا البلد الذي يحوي أكبر مخزون من النفط بين بلدان القارة الأفريقية.
أما بالنسبة للروس المعروفين ببحثهم الدؤوب عن أسواق لبيع السلاح، وعن مراسٍ دافئة على البحر المتوسط لحاملاتهم العسكرية، فما زالوا «يرتبّون» أمر المشاركة في مؤتمر بالرمو. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن لدى الروس علاقة قوية مع «الجيش الوطني» الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وأن حفتر زار موسكو أخيراً. ويقول مسؤول عسكري ليبي، إن الجنرال الذي حقق انتصارات لافتة على الجماعات المسلحة في مدينتي بنغازي ودرنة في الآونة الأخيرة، يشعر أن هناك «مؤامرة» يحيكها ضده الإيطاليون وقادة في «المجلس الرئاسي» وزعماء لجماعات إسلامية في الغرب الليبي.

- مشاورات... وذكريات
منذ الإعلان عن المؤتمر، انعقدت طوال الأيام الماضية مناقشات ساخنة في غرف للمشاورات بين أطراف ليبية في داخل البلاد، وفي فنادق وفيلات وشقق داخل مدن في دول بمنطقة الشرق الأوسط. ومن بيته على نيل العاصمة المصرية القاهرة، يقول أحمد قذّاف الدم، المسؤول السياسي في «جبهة النضال الوطني»، إن «الأطراف الليبية الفاعلة» جرى تغييبها عن هذا المؤتمر.
ويضيف الرجل، الذي كان يوماً من أكثر الشخصيات المقرّبة من العقيد القذافي، قائلاً إن «الغرب قوى استعمارية، ولا يريد أن يرى قوى وطنية ترفض محاولات هيمنته على ليبيا... القوى الوطنية الليبية هي التي تملك النفوذ على الأرض وتملك ثقة الناس، وغيابها يعني أن المؤتمر انتهى منذ بدايته، من حيث المكان والعنوان».
أيضاً في منتديات العاصمة المصرية، واصل الدكتور محمد زبيدة، القيادي في مؤتمر القبائل الليبية، مشاوراته بشأن حضور مؤتمر بالرمو أو التغيب عنه، بعدما تلقى دعوة للمشاركة فيه. وهو يقول معلقاً إن المؤتمر «ربما سيتضمن نتائج سلبية على مصر، ومحاولاتها التي تقوم بها منذ أكثر من سنة لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية». ثم يستطرد موضحاً: «توجد رسالة موجّهة من أحد قيادات المجلس الرئاسي إلى مؤتمر بالرمو، يطلب فيها أن يكون من ضمن مُخرَجات المؤتمر، سحب مهمة توحيد المؤسسة العسكرية من مصر لصالح الأمم المتحدة، بحيث تشرف الأمم المتحدة بنفسها على ذلك».
وفي مدينة الإسكندرية المصرية، حيث تكثر زيارات القادة الليبيين إلى هذه المدينة، كما كانت عليه الحال في التاريخ القديم، انعقدت مناقشات واسعة بين نواب ونشطاء وإعلاميين، بشأن إيجابيات المشاركة في مؤتمر بالرمو وسلبياتها. ويقول عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي (من أقلية التبو) الليبي، أثناء وجوده في المدينة إنه لن يشارك في بالرمو... لأن «هذا المؤتمر ولد ميتاً». والحقيقة، أن بعض المشاركين في المناقشات من هذا النوع استحضروا التاريخ الاستعماري الإيطالي لليبيا، وتطرّق عدة نواب ونشطاء وعسكريين أيضاً، إلى ما سموه «النوايا غير الطيبة لروما». وحسب عبد المجيد، فإن إقليم صقلية، الذي سيستضيف المؤتمر «يرتبط بذكريات مريرة لدى الليبيين... إذ تعرض كثيرون من الليبيين في زمن الاحتلال الإيطالي لليبيا، إلى النفي إلى صقلية، ولم يعرف مصيرهم أبداً. هذا أمر رمزي خطير جداً. هذه رمزية تهدف لإذلال الليبيين».

- موقف مصر
تدعم مصر منذ سنوات المشير حفتر، ومعها في ذلك، بدرجات متفاوتة، دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة، وبلدان أوروبية على رأسها فرنسا، بالإضافة إلى التعاون الروسي في مجال المعلومات الاستخباراتية والأمنية. ويسيطر حفتر راهناً على المنطقة الشرقية من ليبيا المحاذية للحدود مع مصر. وكانت قد نشطت في هذه المنطقة، طوال أكثر من خمس سنوات، جماعات متطرفة مصرية وغير مصرية كانت تستهدف نظام الحكم في القاهرة، واتهمتها السلطات المصرية بتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها المئات من رجال الجيش والشرطة والمدنيين.
ولهذا، كما يقول الدكتور زبيدة - الذي شارك في السابق في اجتماعات لليبيين في القاهرة - «تقف مصر ضد محاولات الزج بجماعات الإسلام السياسي والميليشيات ضمن المنظومة العسكرية». ويضيف: «الموقف المصري يتعارض مع مصالح الميليشيات المتحكمة في طرابلس، والمتحكمة بالتالي في المجلس الرئاسي. أما المجلس الرئاسي فلا يستطيع فعل أي شيء من شأنه إغضاب الميليشيات والجماعات المسلحة الموجودة في العاصمة. ولذا يحاولون إبعاد مصر عن هذا الدور، وإيكال هذا الأمر إلى الأمم المتحدة، وبالتالي، إدماج كل قادة الميليشيات بما فيها جماعات الإسلام السياسي، ضمن المؤسسة العسكرية».
ومن جانبه، يرى قذّاف الدم أن الإيطاليين «اختاروا بعض الأسماء المحسوبة عليهم». ويتابع: «تريد (إيطاليا) أن تفرض بعض العملاء الليبيين في الواقع الجديد، كبديل لحكومة السراج التي انتهى عمرها الافتراضي، وبالتالي، فهم يريدون إدارة الفوضى في ليبيا وليس إنهاءها». ثم أردف قائلاً إن الدول الغربية، وعلى رأسها إيطاليا، «تريد، ممن ستجلبهم لحكم ليبيا، أن يوقّعوا لها عقوداً جديدة... الدول الغربية لا تنظر إلى ليبيا إلا كحقل نفط أو حقل غاز. ومثل هذه البروباغاندا بشأن مؤتمر بالرمو، للأسف، لن تصنع حواراً جاداً ولا نظاماً شرعياً».

- أنصار النظام السابق
ورداً على سؤال عما إذا كان أي من أنصار النظام السابق ممن يعوّل عليهم، سيشارك في مؤتمر بالريمو، قال قذّاف الدم «الاختيارات لم تكن من الليبيين، أو من الأحزاب، أو من التنظيمات الموجودة على الساحة السياسية، سواءً من المعارضة أو من القوى الحية الليبية. هم (منظمو المؤتمر) اختاروا أسماء هكذا، كغطاء ونوع من تغليف الحقائق، وتمرير لمسرحية بأن كل الليبيين موجودون. للأسف سيؤدي الليبيون الحاضرون في المؤتمر دور الكومبارس. ولن ينجح (المؤتمر)... أنا لست متفائلاً بما يحدث».
ثم أردف أن «الغرب ليس جاداً في حل المشكلة الليبية، بل ما يريده هو إدارة الصراع، والحصول على امتيازات لبعض الدول، تمهيداً لوضع ليبيا تحت الوصاية، وهذا أمر سيردّ عليه الشعب الليبي».
وكرّرنا السؤال... هل هناك أطراف من النظام السابق ستشارك في مؤتمر بالرمو؟ فأجاب قذّاف الدم بشكل قاطع: «طبعاً... طبعاً... رغم عدم قناعتهم بمثل هذه المؤتمرات، فإنهم لا يريدون أن يعطوا حجة للعالم بأنهم ضد السلام أو الحوار... لكنهم، كقيادات متمرسة في العمل السياسي، يرون أن هذه الخطوات عبارة عن ذر للرماد في العيون أمام الليبيين، وتغيير بعض الوجوه التي لم يعد لها أهمية في الوجود في المشهد، بعدما تورطت بالسرقة والنهب أمام الليبيين».

- «لجنة حكماء طرابلس»
على صعيد آخر، في طرابلس، لعبت لجنة تسمى «لجنة حكماء طرابلس» دوراً غير مباشر، على الأقل، في إقناع أطراف متصارعة على نبذ الخلافات استعداداً لمؤتمر بالرمو. ويقول أحد من وجهت لهم الدعوة للحضور: «ما قامت له لجنة الحكماء في العاصمة كان مؤشراً على محاولة لسحب البساط من تحت أقدام كل الأصوات التي تنتقد المجلس الرئاسي، أو تنتقد وجود ميليشيات في طرابلس... إن مشاركة هؤلاء الخصوم في بالرمو سيعطي انطباعاً للعالم بأن التوافق قد تم، وأن المؤسسة العسكرية (بقيادة حفتر) ليس لها من سبيل إلا الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، وتولي السلطة المدنية للقيادة العسكرية».
ويعتقد أنصار نظام القذافي، من جهتهم، أن جماعة «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة» (بعض قادة هذه الجماعات مدعوة لمؤتمر بالرمو) أقلية في الشارع الليبي. ويرون أن «الغرب يريد أن يفرض المجموعات التي أتى بها في 2011 تحت صواريخ (الناتو)، رغم أن الصواريخ لا تصنع شرعية لأحد». ويذهب أحد قادة النظام السابق إلى حد القول: «القبائل الليبية والجيش الليبي الحقيقي لن يسمحوا بعودة الاستعمار إلى ليبيا».

- شكوك بشأن «الإسلاميين»
وعودة إلى القاهرة، حيث يبدو في أروقة الدولة المصرية أن مصر ستشارك في المؤتمر، رغم كل المخاوف من الانحياز إلى خصومها من التيارات الإسلامية التي تعادي النظام المصري. وحتى ساعات قليلة مضت، كانت المشاورات داخل البيت المصري تدور حول مستوى المشاركة. وترى مصر أن وجودها، بأي مستوى، في مؤتمر بالرمو، بشكل عام، فيه قدر من الرغبة في الانخراط الإيجابي. وأن أي وفد مصري سيحضر إلى بالرمو «ستكون مشاركته إيجابية».
وللعلم، لم تتوقف الاتصالات بين الجانبين المصري والإيطالي حول الإعداد للمؤتمر والمخرجات المتوقعة منه. ولدى مصر محدّدات بعينها تخص القضية الليبية، من بينها «الحفاظ على وحدة التراب الليبي» و«السيادة الليبية على أراضيها» و«الحفاظ على مؤسسات الدولة للاضطلاع بدورها»، و«توحيد المؤسسة العسكرية الليبية». لكن القاهرة تؤكد على ضرورة أن تأتي «التسوية عبر حوار ليبي - ليبي، وليس من الخارج».
الدكتور زبيدة، القيادي في مؤتمر القبائل الليبية، يرى أن جماعات الإسلام السياسي تقف مع إيطاليا وراء مؤتمر بالرمو. ويقول إن قادة من «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة»، بدعم من دول إقليمية أيضاً، عقدوا اجتماعاً في العاصمة الليبية، للوقوف ضد تحركات «الجيش الوطني» الذي يقوده حفتر، ويحظى بتأييد مصري، في الجنوب الليبي. ويضيف أن زعماء في «المجلس الرئاسي» يتعاونون في هذا المجال من أجل «قطع الطريق على الجيش الوطني الليبي في الجنوب، وذلك بأن يقوم المجلس الرئاسي بإرسال قوة للجنوب لبسط الأمن هناك قبل أن يتحرّك الجيش الوطني إليها».
وفي هذا الاتجاه يقول عيسى عبد المجيد، الذي يتركز وجود قبيلته (التبو) في الجنوب الليبي، أن لدى إيطاليا برامج، بالاتفاق مع بعض الأطراف، من أجل إعادة الإسلاميين إلى السلطة، كما كانت عليه الحال في 2012 و2013. ويضيف عبد المجيد: «لدى إيطاليا النية للتوغل في الجنوب الليبي، لكن من المستحيل أن ندع إيطاليا تتدخل في هذه المناطق... وإذا حاولت فعل ذلك، فستخسر ما لديها من مصالح في الوقت الراهن إلى الأبد. وكرئيس للكونغرس التباوي أقول إننا سنقف لها بالمرصاد».
وعن سبب انفراد إيطاليا بمحاولة وضع حل للأزمة الليبية، بعدما كان الملف الليبي كاملاً في يد البعثة الأممية إلى ليبيا، يقول عبد المجيد - الذي سبق له زيارة فرنسا وتشاد والنيجر - شارحاً: «هذا صراع إيطالي مع فرنسا. أنت تعرف أن الأميركيين هم مَن يسيطرون على الوضع، وهم مَن يعطون التعليمات للبعثة الأممية. إنهم يقولون إن الهدف من المؤتمر توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا، وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لكنني أرى أنه مجرد محاولة لتثبيت السراج في منصبه. ولهذا إيطاليا كانت دائماً ضد إجراء الانتخابات في ليبيا».
أخيراً، من الأحزاب السياسية يقول عز الدين عقيل، رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري الليبي»، إنه لن يشارك في المؤتمر «لأسباب عدة»، منها أنه «مجرد محطة جديدة من محطات مط الأزمة الليبية التي يديرها الغرب ولا يحلها. ولأنه شأن إيطالي، لا علاقة لليبيين به إلا ككومبارس». وينهي كلامه بالقول إنه «من دون تدخل مجلس الأمن لإجبار الميليشيات على توقيع اتفاق سلام يفضي إلى تفكيكها ونزع أسلحتها، فإن كل هذا الذي يجري بباريس وبالرمو وغيرها سيظل مجرد حرث في البحر».

- مخاوف من تعديل «اتفاق الصخيرات»
ظهرت مخاوف من مؤتمر بالرمو بين قادة ليبيين كانوا قد ظهروا على المسرح السياسي بناءً على «اتفاق الصخيرات» الذي جرى توقيعه في المغرب عام 2015. وتوجد رغبة دولية في تحريك المياه في الداخل الليبي، من أجل توحيد السلطة التنفيذية.
ومن بين المقترحات المتداولة، التي تحظى باهتمام لدى البعثة الأممية في ليبيا بقيادة الدكتور غسان سلامة، تشكيل مجلس رئاسي جديد برئيس ونائبين، بدلاً من الوضع الحالي الذي ينص على رئيس وثمانية نواب. ومن شأن توصية بهذا الشأن تصدر عن مؤتمر بالرمو أن تقلب الأوضاع في ليبيا رأساً على عقب، إذ سيبدأ البحث عن الطريقة التي ستُدار بها المؤسسة العسكرية، ودور المشير خليفة حفتر في مثل هذه الترتيبات.
وما يزيد من صعوبة الأمر أن معظم القيادات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي، ومدينة مصراتة ذات التسليح القوي، ضد أي وجود لحفتر في مستقبل ليبيا. وكان رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قد زار مدينة مصراتة، بالأمس، كما أنه يحظى بدعم من قيادات محسوبة على تيار الإسلام السياسي. وحالياً، يسعى السراج جهده للبقاء على رأس هرم السلطة في ليبيا من خلال تحالفات شتى، يعمل على عقدها منذ أسابيع.
ومن جهة أخرى، يرى بعض ممن سيشاركون في مؤتمر بالرمو أن تلعب دول مثل روسيا وفرنسا ومصر دوراً للحفاظ على قيادة حفتر للجيش، والدفع في طريق استكمال توحيد المؤسسة العسكرية الليبية برعاية مصرية، وليس أي طرف آخر.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».