فؤاد معصوم يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للعراق بعد انسحاب برهم صالح

تعهد بالحفاظ على وحدة العراق والالتزام بالدستور والانفتاح على الجميع

د. فؤاد معصوم خلال زيارة سابقة لمكتب «الشرق الأوسط» في لندن («الشرق الأوسط»)
د. فؤاد معصوم خلال زيارة سابقة لمكتب «الشرق الأوسط» في لندن («الشرق الأوسط»)
TT

فؤاد معصوم يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للعراق بعد انسحاب برهم صالح

د. فؤاد معصوم خلال زيارة سابقة لمكتب «الشرق الأوسط» في لندن («الشرق الأوسط»)
د. فؤاد معصوم خلال زيارة سابقة لمكتب «الشرق الأوسط» في لندن («الشرق الأوسط»)

أدى الرئيس العراقي الجديد الدكتور محمد فؤاد معصوم وشهرته «فؤاد معصوم» اليمين الدستورية ليكون ثاني رئيس منتخب لجمهورية العراق بعد الرئيس السابق جلال طالباني عقب سقوط النظام العراقي السابق عام 2003. وتعهد معصوم، في كلمة مقتضبة، بالحفاظ على وحدة العراق والالتزام بالدستور والانفتاح على الجميع. وجاء انتخابه بعد جولتي اقتراع بعد حصوله في الجولة الأولى على 175 صوتا من مجموع 225 صوتا، تلته النائبة حنان الفتلاوي عن دولة القانون التي حازت 37 صوتا، فيما حصل فائق الشيخ، وهو عضو بالبرلمان العراقي عن التحالف المدني الديمقراطي، على عشرة أصوات، بينما حصل المرشح حسين الموسوي على ثلاثة أصوات.
وبعد انسحاب كل من الفتلاوي والشيخ علي فقد اضطرت رئاسة البرلمان العراقي، وفق السياقات الدستورية، إلى إجراء جولة ثانية حصل بموجبها معصوم على 211 صوتا، وهو ما هيأه للفوز برئاسة الجمهورية لدورة من أربع سنوات. وكان التحالف الكردستاني أعلن أن برهم صالح سحب ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية على خلفية ترشيح معصوم لهذا المنصب. وقال النائب عن التحالف الكردستاني نجم الدين كريم، في مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان أمس، إن «القوى الكردية اتفقت على ترشيح شخصية واحدة لمنصب رئيس الجمهورية وقد رشحت النائب فؤاد معصوم لهذا الموقع».
وأضاف كريم أن «القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح سيقدم طلبا لسحب ترشيحه من رئاسة الجمهورية على خلفية ترشح معصوم»، داعيا الكتل السياسية إلى «انتخاب مرشحهم لشغل المنصب في الدورة الحكومية الجديدة». وفي سياق متصل أوضح كريم أنه «سيتخلى عن عضويته في مجلس النواب الجديد مقابل العودة إلى منصب محافظ كركوك». ودعا «الكتل السياسية إلى التصويت لفؤاد معصوم ليكون رئيس جمهورية العراق القادم»، مشيرا إلى «أنه سحب ترشيحه نائبا في البرلمان وعاد إلى وظيفته محافظا لكركوك كما وعد أهالي كركوك خلال حملته الانتخابية».
من جهته أكد عضو البرلمان العراقي عن كتلة التحالف الكردستاني محسن السعدون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «انتخاب رئيسي البرلمان والجمهورية قد تم بطريقة التوافق، وهو ما اتفقنا عليه مع الإخوة في الكتل السياسية، وقد التزمنا به عندما منحنا أصواتنا لرئيس البرلمان ونائبيه، وبالتالي كنا ننتظر رغم كثرة مرشحي رئاسة الجمهورية أن تعطينا الكتل الأخرى الشيعية والسنية أصواتها لمرشحنا، وهو ما حصل بالفعل». وأضاف أن «توزيع المناصب السيادية العليا في البلاد أمر طبيعي ولا علاقة له بالمحاصصة بقدر ما له علاقة بالتوافق، لأنه لا بد أن يكون هناك تنوع بين المكونات العراقية، غير أن المشكلة التي نواجهها في المناصب الدنيا، لا سيما في الجيش والأجهزة الأمنية والهيئات وغيرها، حيث لم يتحقق التوازن المطلوب، وهو ما يشكل عقبة أمامنا في تخطي المشاكل والأزمات». وأوضح أن «المرحلة المقبلة والمهمة أمامنا هي مرحلة اختيار رئيس الوزراء، حيث يتعين على كتلة التحالف الوطني بعد عطلة العيد مباشرة حسم اختيارها وترشيح شخصية منها لتولي هذا المنصب حتى يتسنى لرئيس الجمهورية تكليفه وفقا للمهلة الدستورية». وبشأن ما إذا كانت هذه التوافقات سوف تمهد الطريق أمام إيجاد حلول لباقي الأزمات قال السعدون إن «الدستور بالنسبة لنا هو الضامن لإيجاد حلول للأزمات، لكن العبرة في مدى الالتزام به وهو ما نأمله خلال المرحلة المقبلة».
أما زعيم الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى فقد أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «استعجال الكتل السياسية انتخاب الرئاسات وفق المدد الدستورية وبالذات انتخاب رئيسي البرلمان والجمهورية إنما يؤشر لشعورها بالخطر الذي يحدق بالبلاد في هذه المرحلة، وهو أمر إيجابي بالطبع، مع أننا نتمنى أن تتكلل الجهود بتشكيل الحكومة بدءا من ترشيح رئيس الوزراء والكابينة الوزارية؛ لأننا الآن بأمس الحاجة إلى استكمال باقي الاستحقاقات الدستورية؛ كون الأوضاع العامة في البلاد تحتاج إلى تضافر كل الجهود لمجابهتها». وعد موسى أن «العيب الوحيد فيما يحصل هو في المحاصصة العرقية والطائفية، حيث إنها لا تزال هي الثغرة الأساسية ولا نعلم متى يمكننا تجاوزها»، متمنيا على رئيس الجمهورية الجديد «ممارسة الصلاحيات بعيدا عن التأثيرات الجانبية».
يذكر أن معصوم يبدو مقبولا من قبل الكتل العراقية الأخرى، وكان قد استقال من موقعه عضوا في المكتب السياسي لـ«الاتحاد الوطني»، ليترك، حسبما قال، «المجال للدماء الشابة، مع أني لن أبتعد عن الحزب الذي هو بمثابة ابني الذي أحرص على تقدمه وديمومته ونجاحه».
ويتحدر معصوم من مدينة كويسنجق القريبة من مدينة السليمانية، وهي المدينة التي يتحدر منها الرئيس طالباني. ورافق معصوم طالباني في دراسته الابتدائية ومن أكثر المقربين منه فكريا، وأحد أربعة قياديين أسسوا معه «الاتحاد الوطني الكردستاني». كما أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة الأزهر وعمل أستاذا بجامعة البصرة.

* معصوم لم يعلم بترشيحه قبل 6 ايام
* كان فؤاد معصوم قد قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بلندن، السبت الماضي وقبيل سفره إلى بغداد، بأنه لم يبلغ رسميا بترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية الذي هو من حصة حزبه «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة الرئيس العراقي المنتهية ولايته جلال طالباني. وأضاف في تصريح نشرته { الشرق الأوسط} قبل ثلاثة أيام «أنا لم أبلغ رسميا بهذا الترشيح حتى الآن، وإن كنت على علم بهذا الترشيح»، مشيرا إلى أن «منصب رئيس الجمهورية مسؤولية كبيرة وشرف كبير، وأن المهم اليوم هو الحفاظ على وحدة العراق واستقرار العراقيين».

* بروفايل: فيلسوف «إخوان الصفا» رئيسا للعراق
* فوجئ غالبية أعضاء البرلمان العراقي بأن القيادي البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني وفي الحركة الكردية فؤاد معصوم يحمل اسما مركبا وهو «محمد فؤاد»، مع أن شهرته هي فؤاد معصوم، حيث كان يشغل منصب رئيس كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي السابق. ولأنه بصدد تقديم سيرته الشخصية كمرشح لرئاسة الجمهورية وقبيل التصويت عليه أعلن معصوم نفسه أمام أعضاء البرلمان باسمه الجديد محمد فؤاد.
جدلية الأسماء في تاريخ العملية السياسية في العراق قد لا تكون هي المسألة الأهم، بل ما يمكن أن يسفر عنه اختيار المناصب من أهمية على صعيد مواجهة التحديات. ولعل أول ما تحتاجه التحديات اليوم في العراق هو الحزم والتأني، وكلاهما، طبقا لما يرى الكثيرون ممن يعرفون معصوم عن كثب، مما يتحلى به. القيادي الكردي مؤيد الطيب الذي زامل معصوم متحدثا رسميا لكتلة التحالف الكردستاني في البرلمان السابق، التي كان يرأسها حامل شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الأزهر بالقاهرة فؤاد معصوم، يقول في حديث له لـ«الشرق الأوسط» إن «الميزة الأهم لدى الرئيس معصوم هي التأني والحذر الشديد، حتى إننا أحيانا نرى أن هذا التأني ربما يكون مبالغا به من قبله». ويضيف الطيب أن «الرئيس فؤاد معصوم يخشى الوقوع في الخطأ، وبالتالي فإنه لا يتخذ قراراته إلا بعد تأن وتمحيص».
ويرى الطيب أن «الأوضاع في العراق الآن وفي ظل ما تواجهه البلاد من تحديات وما يحمله منصب رئيس الجمهورية من دلالات رمزية تتطلب حكمة الشيوخ التي يتحلى بها معصوم، تضاف لها حكمة الفلاسفة، وهو حامل الدكتوراه في واحدة من أهم الحركات الصوفية في التاريخ الإسلامي، وهي إخوان الصفا». وبالإضافة إلى دراسته الفلسفة ونيله شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة والأدب العربي، فإن معصوم ينتمي إلى أسرة دينية كبيرة، حيث كان والده الملا معصوم رئيسا لعلماء كردستان، وكان من دعاة التقارب المذهبي والتعايش الديني. ومثله مثل رفيق نضاله جلال طالباني فإنه ينحدر من قضاء كويسنجق، حيث ولد عام 1938، وتنحدر أسرته من قرية خبانين التابعة لمنطقة هورامان. وفي الوقت الذي حرص فيه معصوم على إكمال تعليمه العالي وفي مسائل معقدة في تاريخ الفلسفة الإسلامية، فإنه لعب دورا بارزا في تاريخ الحركة الكردية سواء عبر انتمائه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى بارزاني، أو تأسيسه مع جلال طالباني ورفاق آخرين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975.
وبينما تولى تدريس الفلسفة في كلية الآداب بجامعة البصرة عام 1968 فإنه تحمل مسؤوليات كبيرة في تاريخ الحركة الكردية وفي المعارضة العراقية في ما بعد. ففي عام 1973 عين ممثلا للثورة الكردية في القاهرة، وبقي فيها حتى عام 1975. وفي عام 1992 تولى رئاسة الكابينة الأولى لحكومة إقليم كردستان. وفي عام 2004 أصبح أول رئيس مؤقت لمجلس النواب، بعد سقوط النظام.
معصوم متزوج من السيدة روناك عبد الواحد مصطفى، ولديه 5 بنات، وولد توفي في طفولته.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».