واشنطن: المحكمة العليا تناقش قضية «كول» ضد السودان

تعويض بـ«315 مليون دولار»

المدمرة الأميركية «كول» ضربها إرهابيون في ميناء عدن قبل 20 عاماً تقريباً (أ.ب)
المدمرة الأميركية «كول» ضربها إرهابيون في ميناء عدن قبل 20 عاماً تقريباً (أ.ب)
TT

واشنطن: المحكمة العليا تناقش قضية «كول» ضد السودان

المدمرة الأميركية «كول» ضربها إرهابيون في ميناء عدن قبل 20 عاماً تقريباً (أ.ب)
المدمرة الأميركية «كول» ضربها إرهابيون في ميناء عدن قبل 20 عاماً تقريباً (أ.ب)

أجلت، حتى نهاية الشتاء، المحكمة الأميركية العليا (التي تفسر الدستور) مناقشة قضية عائلات المدمرة الأميركية «كول» التي ضربها إرهابيون في ميناء عدن قبل 20 عاما تقريبا، والذين يطالبون حكومة السودان بدفع 315 مليون دولار، بسبب مزاعم صلة الحكومة بالإرهابيين الذين ضربوا المدمرة.
تأجل النظر في القضية بعد نقاش، يوم الأربعاء، وسط قضاة المحكمة العليا، كما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن «وجود انقسام وسط القضاة في موضوع قانوني دولي هامشي، لكنه سيؤثر كثيرا على مجرى القضية».
حضر نقاش المحكمة وزير الخارجية السوداني، محمد أحمد الدرديري. وفي وقت لاحق، تحدث عن القضية في «أتلانتيك كاونسل» (المجلس الأطلسي) في واشنطن، وقال: «نية السودان هي إظهار الاهتمام، والاهتمام الحقيقي. نحن ننظر إلى هذه القضية نظرة جادة جدا».
وقابل الدرديري نائب وزير الخارجية الأميركية، جون سوليفان يوم الثلاثاء. وقال، بعد المقابلة، إن السودان «يشترك في هذه القضية مع الحكومة الأميركية». لكنه لم يقدم تفاصيل.
دار نقاش قضاة المحكمة العليا حول قانونية تسليم حكومة السودان الأوراق القانونية الخاصة بالقضية، في أول حكم ضد حكومة السودان، قبل موجة الاستئنافات والاستئنافات المضادة.
وحسب وثائق القضية، وصلت أوراق الحكم إلى سفارة السودان في واشنطن، ووقع على تسلمها موظف في السفارة. لكن، جادل محامو حكومة السودان بأنه، حسب القانون الفيدرالي، وكذلك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، كان يجب تقديم قرار المحكمة إلى وزير الخارجية السودانية في الخرطوم، وفي خطاب رسمي منفصل. وعندما وصلت الاستئنافات القانونية إلى المحكمة العليا، تضامن المحامي الأميركي العام، في وزارة العدل الأميركية، نويل فرانشيسكو، مع رأي حكومة السودان. وأيضا تضامن محامون يمثلون سفارتي السعودية وليبيا.
كتب فرانسيسكو في تقريره للمحكمة العليا: «تتعاطف الولايات المتحدة بشدة مع الإصابات غير العادية التي يعاني منها المجيبون (عائلات ضحايا المدمرة)، وتدين بأشد العبارات الممكنة الأعمال الإرهابية التي تسببت في تلك الإصابات» لكن «التقاضي ضد الدول الأجنبية في المحاكم الأميركية يمكن أن تكون له انعكاسات كبيرة على الشؤون الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة، ويمكن أن يؤثر على المعاملة المتبادلة للولايات المتحدة في محاكم الدول الأخرى».
يمثّل محامي واشنطن كانون شانموغام تلك العائلات. وقال: «مذهل أن الحكومة الأميركية قررت في هذه الحالة أن تقف إلى جانب دولة راعية للإرهاب، وضد رجال ونساء يسعون إلى التعافي من الإصابات الجسيمة التي لحقت بهم في خدمة بلدنا». في جلسة المحكمة العليا، يوم الأربعاء، قال كريستوفر كوران، المحامي الذي يمثل السودان: «كان ينبغي إرسال (أوراق الحكم الأول) إلى مكتب وزير الخارجية في الخرطوم». وعلق رئيس القضاة، جون روبرتس: «هذا هو رأيي الأول: لماذا لا أسلمها إلى السفارة؟» وأضاف: «إرسال أوراق إلى دول أجنبية، وافتراض أنها ستصل إلى هناك في أي وقت معقول يفضل الاحتمال الآخر، وهو أن تسلم إلى سفارة تلك الدولة الأجنبية».
وقالت القاضية إيلينا كاغان إنه لا توجد لغة في القانون الدولي عن الاتصالات الدبلوماسية بين الدول تقول إنه يجب إرسال أوراق الحكم إلى مكتب وزير خارجية السودان. وأضافت: «يعرف الجميع أن السفارات يفترض أن تكون نقطة الاتصال إذا أراد أي شخص أن يفعل أي شيء يتعلق بحكومة أجنبية».
وقال القاضي صامويل أليتو إن هذا الموضوع «من المسائل الصعبة». وأضاف أن القانون الدولي حول الاتصالات بين الحكومات «كتب قبل عصر فيدرال إكسبريس». وسأل: «أليس سهلا جدا إرسال خطاب مع طلب إيصال التسلم إلى أي منطقة من المناطق البعيدة في العالم؟».
أجاب كوران، محامي حكومة السودان، بأن الكونغرس كان أصدر قانونا يمنع الاتصال في هذه المواضيع المهمة عن طريق السفارات، وذلك لأن كثيرا من الحكومات اعترضت على ذلك، وطالبت بمراسلات مباشرة مع وزراء خارجية الدول المختلفة. وأجابت مندوبة وزارة العدل، إيريكا روس: «التراسل عن طريق السفارات (وليس بين وزراء خارجيات الدول) يمكن أن ينتهك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية».
لكن، سأل القاضي بريت كانافو: «ما الضرر الواقعي الذي تراه الولايات المتحدة في إرسال الإشعارات البريدية إلى السفارة؟».
وقالت القاضية سونيا سوتومايور إن الموضوع يبدو مهما جدا، ولهذا، لا بد من التأكد من وصول الخطاب إلى وزير الخارجية، بدلا من إرساله بالبريد إلى السفارة. وإن ساعي البريد الذي سلم الخطاب إلى السفارة كان يمكن ألا يتسلمه. وإن مسؤول السفارة الذي تسلم الخطاب كان يمكن ألا يفعل ذلك أيضا.
وقال القاضي ستيفن براير إن البحث الذي أجراه مساعدوه أظهر أن أكثر من 20 دولة، مثل الولايات المتحدة، لا تقبل الإشعارات القانونية في سفاراتها، ولا بد أن تصل هذه الإشعارات إلى مكتب المسؤول في وزارة خارجية ذلك البلد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم