البرلمان المصري: العالم لن يربح حربه ضد عصابات الإرهاب من دون العلماء

الطيب أكد أن مناهج الأزهر تعتمد على ثقافة الحوار وقبول الآخر دون تكفير

 جانب من المشاركين في حفل التكريم أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من المشاركين في حفل التكريم أمس («الشرق الأوسط»)
TT

البرلمان المصري: العالم لن يربح حربه ضد عصابات الإرهاب من دون العلماء

 جانب من المشاركين في حفل التكريم أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من المشاركين في حفل التكريم أمس («الشرق الأوسط»)

أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن «مناهج الأزهر ترسخ في ذهن الطالب الأزهري ثقافة الحوار، ومبدأ شرعية الاختلاف، ويدرس الطالب جميع المذاهب الفقهية ويتمعن في رؤاه المختلفة، ويدرب ذهنه ويهيئه لاستيعاب أكثر من رأي»، مضيفاً: «لا شك أن ذلك يصيغ عقولهم ووجدانهم صياغة وسطاً تجنبهم الانغلاق والاستقطاب والوقوع في براثن الفكر المتشدد والمتطرف، والانغلاق في مذهب واحد يراه المتطرف هو المذهب الصحيح، وغيره باطل وضلال، ويرى المتمذهب به مارقاً من ربقة الإسلام، حلال الدم والمال والعرض».
في حين قال الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن رجال الأزهر تصدوا للأفكار المغلوطة مدافعين ببسالة عن وحدة النسيج الوطني، فليست مصر وحدها التي تعول بشدة على الأزهر ورجاله في حربها ضد الإرهاب وفلول عصاباته؛ بل إن العالم بأسره لن يربح معركته ضد تلك العصابات من دون الأزهر وعلمائه ومناهجه.
وشهد الطيب، ورئيس مجلس النواب وقيادات الأزهر، أمس، حفل تكريم أوائل الشهادة الثانوية الأزهرية بمركز الأزهر للمؤتمرات شرق القاهرة.
وأضاف الطيب في كلمة له أن منهج الأزهر التعليمي يحرص على دراسة الإسلام دراسة مجردة خالصة لله وللعلم والحق، وليست دراسة موجهة بأجندات أو سياسات أو أموال موظفة لخدمة أغراض ومصالح، ليست من العلم لا في قليل ولا كثير، ثم هو منهج يعتمد على ثقافة الحوار، وقبول الرأي والرأي الآخر؛ بل الآراء الأخرى، دون تكفير ولا تفسيق ولا تبديع، ما دام لهذا المذهب أو ذاك سند من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس.
مشيراً إلى أننا «لا ننكر أن تاريخ المسلمين - قديماً وحديثاً - قد ابتلي بمذاهب مُنحرفة تجنح للعنف والتشدد والتطرف، وتكفير المذهب - أو المذاهب - المخالفة، ولكن من الجهل الفادح أن يقال إن هذا الانحراف هو السمة الغالبة على تراث المسلمين، لأن الأمانة العلمية والتاريخية تحتم القول إن هذه المدارس أو المذاهب المتشددة مثلث شذوذا في تاريخ هذا التراث العظيم، وإنها قد تطفو على السطح حيناً من الدهر وتتسلط على البسطاء من العامة، لكنها سرعان ما تسقط وتنهار بكل ما أُنفق عليها من ثروات وذهب وفضة».
من جهته، قال الدكتور علي عبد العال، إن الأزهر هو محط آمال وتطلعات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كي ينهلوا من منهجه الوسطي المعتدل، ويستمدوا منه تعاليم دينهم، وفقاً لفهم تجديدي مستنير، يقبل الاختلاف ويحترم التنوع، بعيداً عن دعوات التشدد والتكفير والانغلاق على الذات. مضيفاً في كلمة له أمس، أن «الرئيس عبد الفتاح السيسي أدرك أهمية العلم والعلماء، فعمل على التوجيه بتطوير مناهج التعليم وإعداد المعلم، والنهوض بالبحث العلمي، وسن التشريعات التي تيسر ذلك وتحظى بدعم وأولوية مطلقة لدى كل مؤسسات الدولة».
وأكد رئيس مجلس النواب أن الأزهر شهد في السنوات الأخيرة سعياً حثيثاً، ومقدراً، نحو التجديد والتطوير، كما وقف علماؤه وأبناؤه في الصفوف الأولى لمواجهة دعوات التطرف والإرهاب، التي أراد البعض إلصاقها بديننا الحنيف؛ لكن رجال الأزهر كانوا لهم بالمرصاد، مفندين أفكارهم المغلوطة وشبهاتهم الباطلة، ومدافعين ببسالة ووعي عن وحدة النسيج الوطني لشعب مصر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.