المشهد

{هوليوود غزّة}

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* كانت فانيسا ردغراف سابقة لأوانها عندما قامت بمزج السينما بالسياسة حين تسلمت أوسكارها سنة 1978 عن دورها المساند في فيلم «جوليا»، وأعلنت تأييدها للفلسطينيين من على منصّة الحفل الكبير. هوليوود آنذاك ذهلت. كيف تجرأت ممثلة على أن تمسك بيد تمثال الأوسكار وتتحدى باليد الأخرى المجتمع السينمائي في هوليوود؟
* ردغراف عوقبت. سنتان بلا عمل قبل أن تؤدي دورا جديدا لاعبة شخصية الكاتبة الروائية أغاثا كريستي في فيلم مايكل أبتد «أغاثا»، وأمام منتقد دائم لإسرائيل هو الممثل داستين هوفمان. ثم غابت مجددا لثلاثة أعوام أخرى قبل أن تعاود الإطلاق مجددا وبزخم كبير ويكتب عنها إعجابا النقاد الأميركيون قبل سواهم. أما هي فلم نسمع منها الكثير عن مواقفها. هي قليلا ما تتحدّث عن الموضوع والصحافة قليلا ما تسأل.
* اليوم، وبينما الغارات الإسرائيلية تحاول تسجيل انتصارات عسكرية وسياسية في هجومها على قطاع غزّة، يستعاد الأمس من أكثر من واجهة. فمنذ ذلك الحين تجرأ قليلون في هوليوود على انتقاد السياسة الإسرائيلية وكل واحد فعل ذلك عاد فاعتذر حتى لا يتحوّل إلى ضحية: مارلون براندو، ميل غيبسون وغاري أولدمان. هذا الأخير قبل أسابيع قليلة من بدء المعارك الحالية في غزّة.
* في هوليوود تستطيع أن تنتقد كل سياسة تريد، وفي مقدمتها السياسة الأميركية الداخلية أو الخارجية أو كلتاهما معا، لكن لا تقترب من إسرائيل. هذا إلى حين بدأ هذا الوضع في الاهتزاز بسبب الصور الآتية من القطاع. هنا لم يعد السكوت لزاما. صحيح أن ريهانا نشرت كلماتها «حرروا فلسطين» على «تويتر» فأثارت غضب المؤيدين لإسرائيل، ثم سحبت ما قالته فأثارت انتقاد مؤيدي فلسطين، إلا أن ذلك كان بداية وليس نهاية. النصيحة الذهبية المتداولة هنا هي ألا تنتقد. تستطيع أن تكون حياديا لكن لا تستطيع أن تكون معاديا. ليس في هوليوود. إنه قانون غير مكتوب لكنه ممارس حتى الأمس القريب، لكن، ومثل فيلم «ألعاب الجوع»، هناك حركات تمرّد على السطح وإعلان مواقف.
* بعد ريهانا (والنجم الرياضي دوايت هوارد) كتبت الممثلة والمغنية الشابة سيلينا غوميز: «من أجل الإنسانية، صلّوا لغزة». بعض النقد الذي واجهته كان على شكل التساؤل عما إذا كانت مؤيدة لحماس. فإذا بالمقدّم التلفزيوني جون ستيوارت (يشاهده عشرات الملايين كل ليلة) ينبري دفاعا ويقول: «إذا ما سألنا وانتقدنا مبدأ القوّة المغالية التي تجابه بها إسرائيل مواطني غزّة فإن ذلك لا يعني أننا مع حماس». تبعا للأنباء الواردة، تسلم تعليقا وصفه بـ«اليهودي الكاره لنفسه».
* آخرون أدلوا بمواقفهم، بينهم الممثلة وصاحبة البرنامج التلفزيوني روزي أو دونل، التي قامت بالتغريد عدة مرات وكتبت لحنان عشراوي رسالة. الممثل روب شنايدر كتب قبل ثلاثة أيام «الحصار البشع لغزة أدى إلى أكثر الأيام عنفا هذا اليوم»، ثم قال في اليوم التالي: «ألا تكون غاضبا لقتل الأطفال، فإن ذلك معناه أنك تخاطر بفقدان روحك».
* أيضا من بين المعارضين والمنتقدين الممثلة ميا فارو منتقدة الهجوم على سيارات الإسعاف، والممثل المعروف مارك روفالو الذي انتقد أيضا الغارات الإسرائيلية على المستشفيات. الممثل جون كوزاك كتب: «لقد زرت إسرائيل، وقصف غزة ليس دفاعا عن النفس».
* العدد ضئيل، لكن مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» تقول إن المؤيدين لإسرائيل (وجلّهم، حسب قولها، من المنتجين وأصحاب الاستوديوهات) صامتون، وهي أجرت تحقيقا حول الموضوع من اللافت فيه أن معظم من تولّوا الدفاع عن إسرائيل فضّلوا عدم ذكر اسمائهم. ضع هذا إلى جانب أن المنتقدين خرجوا من القمقم هذه المرّة، وأنهم نجوم معروفون يتابعهم مئات الملايين حول العالم، فستخرج بصورة مفادها أن شيئا ما يتغيّر وربما لن يعود إلى سابق عهده بعد اليوم.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.