«المركزي السوداني» يحظر بيع وشراء العقارات والسيارات بالنقد السائل

«المركزي السوداني» يحظر بيع وشراء العقارات والسيارات بالنقد السائل
TT

«المركزي السوداني» يحظر بيع وشراء العقارات والسيارات بالنقد السائل

«المركزي السوداني» يحظر بيع وشراء العقارات والسيارات بالنقد السائل

في خطوة جديدة لبنك السودان المركزي للسيطرة على تعاملات النقد الأجنبي والمحلي، وإدخالهما إلى الجهاز المصرفي لتعزيز سياسة الإصلاح الاقتصادي الجديدة، قررت الهيئة القضائية ألا يتم أي تعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات بالنقد السائل، وأن تتم المعاملات عبر شيكات مصرفية معتمدة.
وسرعان ما انعكس القرار على سوق العقارات في السودان، حيث ارتفعت الأسعار بعد القرار بنحو 5 في المائة، وتجاوز سعر المتر في بعض الأحياء 100 ألف جنيه (نحو 2000 دولار).
كذلك انعكس القرار على سوق السيارات في البلاد، التي تشهد ارتفاعات متكررة بسبب التذبذب في سعر العملة المحلية أمام الأميركية، وتخفيض الدولار الجمركي من 18 إلى 15 جنيهاً، والمتوقع أن يسري العمل به مع بداية ميزانية عام 2019.
ووفقاً لمصادر «الشرق الأوسط»، فإن لجنة الموازنة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، قد أجازت تعديل الدولار الجمركي، وسيتم رفع الأمر للجنة العليا برئاسة رئيس الوزراء.
وشملت القرارات الأخيرة لـ«المركزي» أيضاً حظر حسابات 53 شركة تلاعبت في حصيلة الصادرات، ولم تلتزم بإيداع عائداتها إليه عبر آلية «صناع السوق» التي تحدد يومياً سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني.
وتأتي الخطوة الخاصة بالسماح باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني والشيكات المصرفية في تعاملات العقارات والسيارات بعد أن كشفت تقارير عن أن أزمة السيولة النقدية في البلاد، الممتدة منذ ستة أشهر، أنعشت خدمات الدفع الإلكتروني، وإن كان ذلك لا ينفي أن الأزمة ما زالت قائمة.
وارتفعت مؤخراً أعداد المتعاملين مع خدمات الدفع الإلكتروني عبر الهاتف الجوال إلى 6 ملايين شخص، وبلغ عدد نقاط البيع الإلكتروني أكثر من 10 آلاف نقطة، كما زاد عدد أجهزة نقاط البيع من 3500 نقطة، لتصل إلى أكثر من 10.000 نقطة بيع حالياً.
ورغم إعلان «المركزي» منذ شهر عن تمكين البنوك من تغذية الصرافات، فإن عدداً من البنوك فشل في توفير النقد للصرافات التابعة له.
وعقب اجتماع بين رئيس الوزراء السوداني ومحافظ بنك السودان المركزي لبحث مشكلة توقف بعض صرافات البنوك الآلية، تقرر أن يقوم «المركزي» بتغذية الصرافات التي فشلت البنوك في تغذيتها.
وقال معتز موسى، رئيس الوزراء ووزير المالية، في تغريدة على صفحته بموقع «تويتر»، إنه اتفق مع بنك السودان المركزي، على أن يتولى تشغيل الصرافات الخاصة بأي بنك يعجز عن تشغيل 85 في المائة من صرافاته الآلية، وذلك إلى حين تمكن البنك من تشغيل تلك الصرافات.
وأثنى رئيس الوزراء في تغريدته على المصارف المميزة التي تقوم بتغذية الصرافات الآلية بصورة منتظمة.
وكادت أزمة السيولة أن تنفرج في البلاد منتصف الشهر الماضي، بعد تدخل بنك السودان المركزي وضخه أمولاً لنحو 38 بنكاً في البلاد، لتغذية صرافاتها الآلية.
لكن ما زال عملاء بنوك في الخرطوم يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على النقد من الصرافات، فبعضهم يجد الصرافات خالية من النقد أو الماكينات عاطلة.
وقال مصدر يعمل في بنك معروف لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتلقى عشرات الشكاوى من عملائه كل يوم حول خصم مبالغ من حساباتهم دون أن تتم عملية سحب حقيقي في الصراف الآلي، مشيراً إلى أنهم يبلغون بنك السودان بهذه الشكاوى، إلا أن البنك لا يرد عليهم بسرعة ويستغرق وقتاً طويلاً؛ مما زاد حالات الشكاوى التي يتلقاها البنك المركزي.
وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» على صرافات بمنطقة أم درمان بالخرطوم، (يقطنها نحو 5 ملايين نسمة) كانت هناك حالات تذمر بين المواطنين من عدم تغذية الكثير من الصرافات الآلية، واستمرار البنوك في تحديد ألف جنيه فقط سقفاً للسحب. وظل عملاء يترددون على صرافات لبنوك متعددة، دون أن يظفروا بالنقود.
ويشير مدير فرع بنك كبير في الخرطوم، فضّل حجب اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن بنكه ذا الفروع السبعة يتسلم يومياً من بنك السودان المركزي مبلغ 400 ألف جنيه لا تغطي سوى 200 عميل، أما صرافات البنك الآلية التابعة لهم، فلم تتم تغذيتها منذ أيام، في حين تعمل صرافات أخرى لبنوك محدودة الانتشار بمستوى جيد.
واعتبر «المصرفي» أن عدم تمكن بنك السودان المركزي من التغذية الكاملة والمتواصلة للصرافات الآلية لجميع البنوك العاملة في البلاد، يعد تراجعاً وهزيمة لسياسات وزارة المالية والبنك المركزي معاً، حيث أعلنا قبل أقل من شهر أنهما وفرا النقد وطبعا واستوردا عملات بكميات كبيرة، مما كان من المفترض أن يمكّن البنوك من تغذية صرافاتها يومياً.
ونتج من أزمة السيولة النقدية في السودان والممتدة أكثر من سبعة أشهر، اهتزاز الثقة في الجهاز المصرفي، حيث فضّل كثير من التجار والأفراد الاحتفاظ بالنقود داخل المنازل. لكن الأزمة دفعت حاملي بطاقات الصرافات الآلي إلى خدمات الدفع الإلكتروني والتعامل مع نقاط البيع.
وأشار متعاملون مع المصارف إلى أنهم بالفعل أصبحوا لا يثقون في البنوك، التي وضعت سقفاً على السحب من الأرصدة لتغطية الاحتياجات اليومية، وبخاصة أن تكلفة الاحتياجات اليومية في تزايد مستمر مع ارتفاع سعر الدولار في مواجهة العملة المحلية، مثل الارتفاع الأخير لسعر الدولار في آلية صناع السوق خلال الأسبوع الماضي من 46.95 إلى 47.50 جنيه. والذي أثر على التداولات غير الرسمية ليرفع السوق الموازية سعر العملة الأميركية إلى 48.50 جنيه للدولار في حالة الشراء 52 جنيهاً للبيع و55 جنيهاً سعر بيع الدولار من حساب لحساب.
وكان محافظ بنك السودان أعلن بداية الشهر الحالي، أنه يتطلع لتوفير السيولة من خلال البنوك التجارية، حيث سُمح لها بالانتشار والتوسع في خدمات الشمول المالي، وزيادة ساعات عملها، وإعطائها حرية التصرف في فتح الحساب، وجذب أكبر قدر من العملاء، خصوصاً الراغبين في قروض التمويل الأصغر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.