انتخابات أميركا النصفية... سباق قياسي بكل المعايير

لا تحظى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة عادة باهتمام كبير خارج واشنطن، رغم تأثير نتائجها الكبير على سياسات البيت الأبيض. إلا أن الحملات الانتخابية شكّلت قطيعة مع هذا النهج وسجّلت عدّة نتائج قياسية على مستويات التصويت المبكّر، وتكلفة الحملات، وعدد المرشّحات من النساء.

- مشاركة مبكرة لافتة
أكثر من 35 مليون ناخب شاركوا في التصويت المبكر في الولايات المتحدة، قبل فتح مكاتب الاقتراع أمس. ويتجاوز ذلك نسبة المشاركة في التصويت المبكر في الانتخابات النصفية لعام 2014، التي لم تتجاوز 20 مليون ناخب وفق شبكة «سي إن بي سي».
وفيما تبدو هذه الأرقام باهتة بالمقارنة مع التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 - بلغت 46 مليون ناخب -، فإنها تعدّ تاريخية بالنسبة للاستحقاق النصفي الذي يتميّز عادة بمستويات مشاركة متدنّية. ويرجع محللون هذا الارتفاع في التصويت المبكر إلى تمسك الناخبين بالتعبير عن معارضتهم أو تأييدهم لأداء ترمب، خاصة منهم الشباب والناخبين من أقليات عرقية داخل ولاياتهم.
بهذا الصدد، يقول دينيش أ.، سائق سيارة أجرة في العاصمة واشنطن: «أشجّع أبنائي في كل سنة انتخابية على الإدلاء بأصواتهم، وأجادلهم للتسجيل في لوائح الناخبين. هذه السنة، كانوا هم السبّاقين إلى إرسال أصواتهم عبر البريد». وأضاف متحدّثا لـ«الشرق الأوسط»: «لم أشهد خلال 40 سنة من انتقالي للعيش في هذا البلد هذا النوع من الاستقطاب السياسي. سياسات الرئيس ترمب الاقتصادية تحظى بدعم كبير من طرف كثيرين، لكن خطابه قسّم الوطن».
من جهتها، قالت روبيرتا غولدبيرغ وهي مديرة مطعم في فينيكس: «أنتظر بفارغ الصبر أن ينتهي هذا الكابوس السياسي الذي تعيشه بلادنا. يجب أن يتحلّى الديمقراطيون والجمهوريون المحبون لوطنهم بالشجاعة للوقوف في وجه هذا الرئيس». وتابعت: «يسألني أصدقائي الداعمين لترمب لماذا لا أؤيد الرئيس رغم دعمه الراسخ لإسرائيل. وأقول لهم إنني أعارضه لأنني يهودية أميركية... الهجوم الأخير على كنيس بنسلفانيا (الذي أسقط 11 قتيلا) خير دليل على أن خطاب ترمب وأساليبه شجّعت الصوت الأبيض العنصري واليمين المتطرف».
وساهمت مشاركة الناخبين الشباب في رفع مستويات التصويت، مع تأكيد 40 في المائة من الشباب - الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما - نيتهم الإدلاء بأصواتهم وفق دراسة نشرها «معهد هارفرد للسياسة». وتشكل هذه النسبة ارتفاعا كبيرا مقارنة مع نسبة تصويت الشباب في الانتخابات النصفية الماضية، التي لم تتجاوز 20 في المائة.

- الصوت النسائي
تقدم عدد قياسي من النساء للكونغرس بغرفتيه ومناصب حكام الولايات، في أول انتخابات نصفية تشهدها الولايات المتحدة بعد حركة «مي تو» النسوية. وفاز إجمالي 278 سيدة بترشيح حزبها لسباقات النواب والشيوخ وحكام الولايات. وفي مجلس النواب، مثلت 84 سيدة فقط من أصل 435 نائبا، دوائرها الانتخابية حتى اقتراع أمس. وتقدمت 239 مرشحة للحفاظ أو انتزاع مقاعد في مجلس النواب، 187 منهن ديمقراطية و52 جمهورية. وفي مجلس الشيوخ، نافست 23 مرشحة في الانتخابات النصفية، 15 منهن ديمقراطية و8 جمهورية. ويبدو عدد النساء المرشحات لمناصب حكام الولايات لافتا، مع ترشيح 16 سيدة (12 منهن ديمقراطية)، مقابل 6 فقط قبل انتخابات أمس. ولم تكن هذه الظاهرة مفاجئة، خاصة بعد صعود الصوت النسائي بعد النجاح الذي حققته حركة «مي تو» المنددة بالاعتداءات الجنسية، والمظاهرات النسائية الحاشدة ضد الرئيس ترمب. وتبدي الأميركيات حماسة كبيرة للتصويت هذه السنة، ويتركز الاهتمام على مجموعة محددة من الناخبات بإمكانهن ترجيح كفة المعارك الانتخابية الشديدة المنافسة لصالح الديمقراطيين، وهن نساء الأحياء الميسورة ذوات التحصيل الجامعي والأكثر اعتدالا عادة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

- نشاط ترمب الانتخابي
يعود الاهتمام البالغ بالانتخابات النصفية لهذا العام إلى سبب واحد، هو تحوّلها إلى استفتاء على الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأداء إدارته خلال السنتين الماضيتين، وأولوياته السياسية. وأدرك ترمب هذه الحقيقة في وقت مبكّر من الحملات الانتخابية، وألقى بكل ثقله لدعم مرشحي الحزب الجمهوري في السباق على مقاعد مجلس الشيوخ ومناصب حكام الولايات، في ظاهرة لم يعتد عليها الناخبون الأميركيون. وكثّف الرئيس السبعيني نشاطه في الأسبوع الأخير من الانتخابات، وكرر مرارا مخاطبا قواعده الانتخابية أن «هذه الانتخابات تتعلّق بي، وبما حققناه خلال سنتين».
وكان لمشاركة الرئيس المكثفة نتائج متباينة بين الولايات. ففي الوقت الذي استفاد فيه مرشحون جمهوريون في ولايات داعمة لترمب من حملته الانتخابية، فضّل آخرون التركيز على قضايا محلية تحظى باهتمام الناخبين، بعيدا عن «تهديد الهجرة غير القانونية» و«تطرّف الديمقراطيين».

- حملات بمليارات الدولارات
كلّفت الحملات الانتخابية للحزبين الديمقراطي والجمهوري مبالغ غير مسبوقة، تراوحت بين 4 و5 مليارات دولار، وفق آخر الإحصاءات. وأعلن «مركز السياسة المستجيبة» (سي آر بي)، المتخصص في إحصاء الموارد المالية للحملات الانتخابية، أن الإعلانات السياسية المنشورة في القنوات التلفزيونية والإذاعات كلّفت 3.27 مليار دولار، فيما كلفت الإعلانات الرقمية بين 900 مليون ومليار دولار أميركي. وتقول شيلا كرومهولز، المديرة التنفيذية لـ«سي آر بي»: «كنا نتوقّع أن ترتفع الموارد المالية المسخّرة للحملات الانتخابية لهذا العام، لكن القفزة الضخمة التي سجّلتها التبرعات الفردية (لصالح المرشّحين) تعكس الحماس الذي رافق حملات هذه السنة». ويشير المركز إلى أن الديمقراطيين تفوّقوا على الجمهوريين على صعيد التبرعات الفردية، التي بلغت 1.3 مليار دولار لصالح مرشحي حزب الأقلية في الكونغرس، مقابل أقل من مليار دولار لحزب الرئيس دونالد ترمب.
وعلى صعيد المرشّحين، سجّل الديمقراطي بيتو أورورك الذي نافس السيناتور الجمهوري تيد كروز على مقعده في مجلس الشيوخ أعلى معدل تبرعات، بلغت 70.4 مليون دولار مقابل 40 مليون فقط لصالح كروز، وفق صحيفة «هيوستن كرونيكل». وبأكثر من 100 مليون دولار، دخل السباق على مقعد كروز التاريخ بوصفه أغلى سباق انتخابي على مقعد في مجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة.