مصر تحاول الخروج من أزمة «الإيجار القديم» التاريخية

بدأت مصر معركة الإيجارات القديمة، في محاولة لضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، وإعادة فكرة الإيجار لسوق العقارات المصرية التي يسيطر عليها فكر التملك؛ نظراً لعدم وجود قوانين تحمي ملاك العقارات في حالة الإيجار، ومن المنتظر أن يناقش مجلس النواب المصري مقترحاً بقانون حول الإيجارات القديمة، يراه البعض ضرورة ستؤدي إلى ازدهار سوق العقارات المصرية، بينما يخشى آخرون من أن يشكل ضرراً على بعض المستأجرين الفقراء.
وتقدم النائب عبد المنعم العليمي بمقترح لتعديل قانون الإيجارات القديمة، في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يسمح بأن تكون الإيجارات مناسبة لقيمة العقار السوقية، حيث إن القانون الحالي المعمول به، يسمح بتأجير العقار مدى الحياة دون زيادة في قيمة الإيجار؛ مما أدى إلى وجود الكثير من العقارات التي لا يزيد إيجارها على جنيهين شهرياً، رغم أن قيمتها بالملايين، ومن المقرر أن يناقش القانون خلال دور الانعقاد الحالي.
وأوضح العليمي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر يحكمها 3 قوانين للعقارات، الأول هو القانون رقم 121 لسنة 1947، والثاني القانون رقم 49 لسنة 1977، والثالث القانون رقم 52 لسنة 1969. وقال: إنه «نتيجة للظروف الاقتصادية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تدخلت الدولة لحماية المواطنين عبر تحديد القيمة الإيجارية، وأن تكون عقود الإيجار مفتوحة المدة؛ مما أحدث خللاً اجتماعياً، وأدى إلى انعدام التوازن».
وأضاف العليمي: إنه «بموجب القانون رقم 49 لسنة 1977، فإن المواطن كان يستطيع تأجير وحدة سكنية أو تجارية مدى الحياة بقيمة إيجارية ثابتة، كما يمكن توريث هذه الوحدة لورثته بالإيجار نفسه»، مشيراً إلى أن «التعديل الذي يقترحه يهدف إلى إعادة التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر، وسيتم تنفيذه على مراحل عدة».
من جانبه، قال الدكتور تامر ممتاز، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»: إن «مصر تأخرت كثيراً في إصلاح العلاقة بين المالك والمستأجر؛ مما أدى إلى فترة طويلة من التردي»، مشيراً إلى أن «تعديل القانون سيؤدي إلى خفض قيمة الإيجارات وإنعاش السوق العقارية». وأضاف ممتاز: إن «الملاك كانوا يخشون تأجير عقاراتهم ويطرحونها للبيع؛ لأنهم لا يملكون إخراج المستأجر أو زيادة قيمة الإيجار»، مشدداً على «أهمية تعديل القانون لإنعاش المنافسة في السوق العقارية، على أن يتم ذلك عبر فترة انتقالية، مع حماية حقوق المستأجرين وعدم طرد أحد من مسكنه».
وتثير مقترحات تعديل القانون الكثير من الجدل خوفاً من أن تؤدي إلى طرد المواطنين من مساكنهم، ويطالب كثيرون بطرح المسألة لحوار مجتمعي، وتحديد فترة انتقالية؛ حتى لا يتم الإضرار بالمستأجر.
وأوضح العليمي، أن «المقترح الذي تقدم به سيتم تنفيذه على مدار فترة انتقالية مدتها 5 سنوات»، مشيراً إلى أنه «بالنسبة للوحدات التجارية، فسيتم إخضاعها للقانون المدني، بحيث يتم الاتفاق بين المالك والمستأجر على القيمة الإيجارية الجديدة ومدة الإيجار، وفقاً لأسعار السوق»، وقال: «لا يمكن لشخص أن يستمر في نشاط تجاري فاشل، فمن المؤكد أن هناك عائداً لهذا النشاط»، لافتاً إلى أن «تنفيذ هذا القانون لن يكون قبل شهر يوليو (تموز) المقبل».
وأكد العليمي، أن «مشروع القانون يراعي البعد الاجتماعي للمالك والمستأجر»، مشيراً إلى أنه «في حال عدم قدرة المستأجر على دفع الإيجار الجديد، أي يقل دخله عن الحد الأدنى للأجور المحدد بالقانون بمبلغ 1200 جنيه شهرياً، تلتزم الدولة بتوفير وحدات سكنية بديلة له، عبر إنشاء صندوق إسكان بمساهمة من الملاك لدعم محدودي الدخل». وسيتم تطبيقه تدريجياً، بحيث تتم زيادة قيمة إيجار الوحدات السكنية بنسبة 25 في المائة سنوياً، من القيمة الحقيقية للإيجار، التي سيتم تحديدها وفقاً لتقديرات الضريبة العقارية للقيم السوقية للوحدات السكنية كل حسب منطقته»، مشدداً على أن «القانون الجديد لن يلحق ضرراً بالمالك أو المستأجر، ولن يتم طرد المواطن من مسكنه».
وقال ممتاز، إنه «بالنسبة للوحدات التجارية فمن الممكن أن يدخل المالك شريكاً في النشاط التجاري، بدلاً من أن يحصل على الإيجار»، مؤكداً ضرورة أن «يقتنع الناس بأن تعديل القانون لمصلحتهم ولمصلحة أولادهم»، مشيراً إلى أن «هذا التعديل سيقضي على الكثير من النزاعات القانونية في المحاكم المتعلقة بقضايا الإيجار».
ويبرر المدافعين عن تعديل القانون مشروعاتهم بأنها ستزيد من موارد الدولة، حيث إن هناك عدداً كبيراً من الوحدات الخاضعة للقانون القديم، التي لا يزيد إيجارها على 10 جنيهات (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري)، ومن المتوقع أن يزيد عند تعديل القانون إلى نحو 500 جنيه في المتوسط، وهذا سيخضعها للضريبة العقارية، ويدر دخلاً للدولة سيتجاوز المليار ونصف المليار جنيه، بينما يخشى المعارضون من «الإضرار بالمواطنين».
واعترض النائب عادل بدوي، على مقترح العليمي خوفاً من «طرد الكثير من الأسر غير القادرة في حال تحرير العقود»، كما رفضه النائب عمرو أبو اليزيد؛ لأنه «سيحدث انقساماً مجتمعياً، وبخاصة أنه يخاطب شريحة كبيرة من المجتمع المصري، حيث يقدر عدد الوحدات المؤجرة بالقانون القديم بنحو 3 ملايين وحدة».
وانتقد العليمي من يهاجمون القانون، وقال إنهم «لم يطلعوا على المشروع الذي يهدف إلى تحقيق التوازن الحقيقي، وتنفيذ حكم المحكمة الدستورية في هذا الشأن»، واستند العليمي إلى فتوى شرعية صادرة في عام 1996 «ببطلان عقود الإيجار مفتوحة المدة ومحددة الإيجار؛ لعدم توافر الرضا بين الطرفين».
في الوقت نفسه، تقدم النائب معتز محمود، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، بمقترحات لتعديل قانون الإيجارات القديمة: «عبر تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بمنح المالك 60 في المائة من القيمة السوقية للوحدة المؤجرة، على أن تصبح ملكاً للمستأجر، وفي حال رغب المالك في الحفاظ على ملكيته للوحدة يمنح المستأجر 40 في المائة من قيمتها السوقية، وإذا لم يتمكن الطرفان من دفع هذه المبالغ يتم طرح الوحدة للبيع ويحصل المالك والمستأجر على حصتها بواقع 60 في المائة للأول، و40 في المائة للثاني».
ويعد هذا المقترح أقرب للطريقة المعمول بها في السوق حالياً، حيث إن المستأجر عندما يرغب في ترك الوحدة المؤجرة، يتم عرضها للبيع أو الإيجار ويحصل المستأجر على مبلغ يقترب من ثمنها الحقيقي، بينما يحصل المالك على الباقي، مقابل تأجيرها بإيجار أعلى لمستأجر جديد.
وأثار المقترح الذي قدمه معتز محمود جدلاً بين أعضاء مجلس النواب، حيث أشاد به النائب محمد الحصي، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب؛ لأنه «يتبنى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ويمنح حقوقاً متوازنة للمالك والمستأجر»، مشيراً إلى أن «لجنة الإسكان ستناقش جميع المقترحات التي قدمها النواب، وسنخرج بقانون يرضي معظم الأطراف دون إلحاق ضرر بالمواطن البسيط»، بينما رفضه العليمي مؤكداً «تمسكه بالمشروع الذي تقدم به والذي يتماشى مع الدستور». من جانبه، قال النائب إسماعيل نصر الدين، الذي تقدم بمقترح لتحرير عقود الإيجار: إن «تحرير عقود الإيجار سينعش السوق العقارية، ويخفض أسعار الإيجارات»، مشيراً إلى أن «القانون المطبق حالياً غير موجود في العالم».
يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع قانون الإيجارات القديمة للنقاش، حيث سبق طرحه مرات عدة من قبل، لكن لم يجرؤ أحد على تعديله؛ خوفاً من ثورة المواطنين المتضررين من تعديل القانون، وبخاصة أن كثيراً منهم يعتبرون الشقة ملكاً لهم، وحتى عندما يرغبون في تركها فهم يحصلون على عائد كبير من تركها لمستأجر آخر، حتى أنه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لم يجرؤ أحد على تعديل القانون، وتم الاكتفاء بإصدار قانون جديد عام 1996 يتعلق بالإيجارات الجديدة، وبموجه أصبح عقد الإيجار محدد المدة، وتزيد قيمته بنسبة سنوية، لكن هذا القانون لم يمس الإيجارات القديمة، ورغبة في التحايل على هذا القانون، أصبح البعض يضع 90 عاماً في خانة مدة العقد، حيث اعتاد المصريون عند تأجير الوحدات السكنية على الحصول على مبلغ كبير مقدماً يسمى بـ«الخلو»، يُخصم جزء منه من الإيجار الشهري على مدى سنوات عدة، بينما يذهب جزء منه للمالك.