أوكرانيا تحتاج مجددا لمليارات الدولارات من المساعدات لمواجهة أزمتها الاقتصادية

بعد ثلاثة أشهر من حصولها على حزمة قروض بـ17 مليار دولار

جانب من الدمار أمام أحد البنوك الأوكرانية في العاصمة كييف خلال الأحداث التي اطاحت قبل شهور بالرئيس الأوكراني السابق
جانب من الدمار أمام أحد البنوك الأوكرانية في العاصمة كييف خلال الأحداث التي اطاحت قبل شهور بالرئيس الأوكراني السابق
TT

أوكرانيا تحتاج مجددا لمليارات الدولارات من المساعدات لمواجهة أزمتها الاقتصادية

جانب من الدمار أمام أحد البنوك الأوكرانية في العاصمة كييف خلال الأحداث التي اطاحت قبل شهور بالرئيس الأوكراني السابق
جانب من الدمار أمام أحد البنوك الأوكرانية في العاصمة كييف خلال الأحداث التي اطاحت قبل شهور بالرئيس الأوكراني السابق

دفع القتال الدائر في شرق أوكرانيا البلاد إلى انهيار اقتصادي محتوم، وسوف تحتاج الدولة التي مزقتها الصراعات إلى مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية الجديدة لهذا العام، على حد وصف الاقتصاديين.
بعد أقل من ثلاثة شهور من الموافقة على حزمة القروض البالغة 17 مليار دولار لأوكرانيا، راجع صندوق النقد الدولي من توقعاته، حيث يتوقع تراجعا اقتصاديا حادا في البلاد، وانخفاضا في العائدات الضريبية، وارتفاعا في الإنفاقات العسكرية، وتكاليف جديدة لإصلاح الجسور وغير ذلك من البنية التحتية المتضررة جراء القتال.
وقال أندريس آسلوند، وهو زميل بارز في معهد الاقتصاد الدولي ومستشار سابق لروسيا وبولندا «سوف تحتاج أوكرانيا الآن إلى المزيد من التمويل». وقال إن الدولة سوف تحتاج إلى ما لا يقل عن 3 مليارات دولار، وقال خبراء آخرون إنها قد تتطلب ما يقدر بخمسة مليارات دولار في صورة مساعدات.
ويوم الجمعة، وفي تقرير طغت عليه أنباء الطائرة الماليزية المحطمة والقتال في قطاع غزة، أصدر صندوق النقد الدولي أول استعراض لبرنامج الإصلاح الأوكراني، وقال إن الحكومة قد استوفت كل المعايير إلا واحدا من أجل الحصول على مساعدات الصندوق، مما يعتبر إنجازا ملحوظا.
غير أن صندوق النقد الدولي أضاف أنه نظرا للقتال الدائر في شرق أوكرانيا، فإنه يتوقع أن يشهد اقتصاد البلاد انكماشا بنسبة 6.5 في المائة بدلا من نسبة 5 في المائة، وأن العجز المالي للحكومة سوف يصل إلى 10.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من نسبة 8.5 في المائة من توقعات شهر أبريل (نيسان).
وقد أصيبت الإيرادات الضريبية بصدمة قوية بسبب أن الكثير من السكان في المدن التي استولى عليها الانفصاليون لم يعودوا يسددون الضرائب. وأدى القتال مع الحدود الروسية المغلقة إلى انخفاض المخرجات في المصانع المحلية. وقبل اندلاع القتال، شكلت المناطق التي يسيطر عليها المتمردون نحو سدس الاقتصاد الأوكراني ونسبة 27 في المائة من الصادرات، على حد وصف الاقتصاديين. وقال آسلوند: «لقد توقف الإنتاج في العديد من الصناعات في تلك المنطقة. وتلك مناطق صناعية كبرى، مثل كليفلاند أو بيتسبرغ».
وقال مستشار كبير في التمويل الدولي، طالبا عدم الكشف عن هويته لحماية العلاقات، إن نسبة 30 إلى 40 في المائة من الناس في المدن الرئيسة التي يسيطر عليها المتمردون لا يدفعون الضرائب. وبفضل دافعي الضرائب في غرب أوكرانيا، والذين يتقدمون توقعات صندوق النقد الدولي، كانت الخسائر التي شهدتها الإيرادات الحكومية المركزية أكثر تواضعا غير أنها لا تزال خطيرة.
وواجهت شركة «نفتوغاز»، وهي شركة الغاز الطبيعي المملوكة للدولة، مشاكل في تحصيل الديون من المناطق الشرقية الواقعة تحت سيطرة المتمردين. وفي الأثناء ذاتها، تظل الإنفاقات الحكومية الأوكرانية في المناطق الشرقية مرتفعة بسبب مدفوعات المعاشات التي لا تزال تسدد. وإيقاف تلك المعاشات سوف يؤدي إلى نفور الناس في المناطق الشرقية عن الحكومة، على حد زعم المحللين.
وتعتبر الإنفاقات العسكرية العالية كذلك من عوامل استنزاف الميزانية. وقال لوبومير ميتوف، وهو كبير الاقتصاديين في وسط وشرق أوروبا لدى معهد التمويل الدولي، إن وزير المالية الأوكراني قد طالب بمليار دولار زيادة في الإنفاق العسكري، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي قال إن الحكومة تعمل على تسوية تخفيضات الإنفاق في المناطق الأخرى. وسوف يضيف استبدال الدبابات والطائرات التي أسقطت المزيد من التكاليف لاحقا.
وقال آسلوند إنه يتوقع من الولايات المتحدة تقديم بعض المساعدات العسكرية غير الفتاكة، غير أن الكميات الكبيرة من المساعدات سوف تتطلب موافقة الكونغرس الأميركي.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الأوكرانية على رأس عقدين من السياسات الخاطئة، والفساد، والتراجع. ففي عام 1990، حينما انهار الاتحاد السوفياتي، كان لدى أوكرانيا وبولندا تقريبا نفس الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وبحلول عام 2013 كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في بولندا أكبر بمقدار 13/2 مرة عن أوكرانيا. «يظهر من ذلك تكلفة عدم فعل أي شيء»، على حد وصف ميتوف.
وأحد الأسباب هو البنوك الأوكرانية، والتي تتمتع بإرث طويل من سياسات الإقراض السيئة. حتى قبل نشوب الصراع في أوكرانيا، فإن القروض المتعثرة تصل إلى 40 في المائة من الأصول لدى البنوك الأوكرانية، كما يقول ميتوف. ويمكن للقلة الثرية المتشاحنة في أوكرانيا أن تضخ الأموال إلى بعض البنوك، غير أن ميتوف يقول إنه من غير المرجح حدوث ذلك «كانت البنوك الأوكرانية في حالة يرثى لها قبل اندلاع كل تلك الفوضى، وكانت الدولة تتوارى عن ذلك لفترة طويلة».
وقال البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لوكالة «رويترز» للأنباء في شهر يونيو (حزيران) إنه يمكنه بناء حصصه في البنوك الأوكرانية للحيلولة دون انهيار النظام. وكان التضخم المصطنع لسعر الصرف إرثا آخر، الأمر الذي جعل من أوكرانيا أقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية، حيث كانت صادراتها أقل قدرة على المنافسة بينما الواردات ذات جاذبية أكبر. ونتيجة لذلك، تصاعد عجز الحساب لدى الدولة وتضاءل احتياطي النقد الأجنبي لديها.
ومنذ اتفاقية صندوق النقد الدولي، سمحت الحكومة لقيمة العملة المحلية، الهريفنيا، بالتدهور لنحو نسبة 30 في المائة. لكن تعديل سعر الصرف قد يكون ضروريا، على الرغم من أنه مؤلم. وإلغاء الإعانات من النفط والغاز - وكلاهما يسدد بالدولار - سوف يعني زيادة حادة في أسعار العملة المحلية. ويقول ميتوف إن إلغاء إعانات الغاز سوف يعني الآن زيادة بمقدار ستة أضعاف العملة المحلية، مقارنة بالزيادة التي مقدراها أربعة أضعاف في سعر الصرف القديم.
علاوة على ذلك، وبسبب الصراع القائم، انكمش احتياطي النقد الأجنبي، حيث تخرج رؤوس أموال الأعمال خارج البلاد في الوقت الذي يحجم فيه المستثمرون. وقال صندوق النقد الدولي إن تدفقات رؤوس الأموال عبر الشهور الثلاثة الماضية كانت أعلى من المتوقع. ويقول حاليا إن الانخفاض في احتياطي النقد الأجنبي في أوكرانيا بحلول منتصف عام 2015 سوف يصل إلى 3.4 مليار دولار وهو أكبر من التوقعات السابقة.
وقال أحد المستشارين الماليين الذي زار أوكرانيا أخيرا إن الاحتياطي النقدي تراجع تحت المستوى المطلوب لسداد قيمة واردات الشهور الثلاثة الماضية. وكان صندوق النقد الدولي راضيا عن الجهود الحكومية، وقد ضخ نحو 3 مليارات دولار إلى أوكرانيا، وسحبا بمقدار 1.4 مليار دولار إضافية سوف يتم في وقت لاحق. ولا يزال لدى الصندوق 12 مليار دولار باقية.
وقبل بدء الأزمة هذا العام لم يكن الدين الخارجي الأوكراني مشكلة ذات بال، حيث كان يقدر بنسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. غير أن الديون المتصاعدة والاقتصاد المتراجع سوف يدفعان بتلك النسبة إلى ما يربو على 60 في المائة، على حد قول الاقتصاديين. وقال صندوق النقد الدولي إن معدل الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي سوف يرتفع بنسبة 7 نقاط أعلى من المتوقع لشهر أبريل.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تحريك بند رئيس بقيمة 3 مليارات دولار من السندات الأوروبية تحتفظ به روسيا، مما يؤدي لأوكرانيا للمطالبة بالسداد الفوري. وقد يدفع ذلك، مع كل ما تقدم، أوكرانيا إلى العجز عن السداد، ويشكك الاقتصاديون بأن روسيا سوف تتخذ مثل تلك الخطوة من تدمير الذات. وتستحق تلك السندات هذا العام.
وعلى الرغم من سلسلة الأخبار القاتمة، أشاد صندوق النقد الدولي بالحكومة الأوكرانية حيال تدابير مكافحة الفساد التي اتخذتها، وتعديلات العملة، وزيادات الأجور والمعاشات المقتصرة على حدود التضخم، وضوابط الإنفاقات.
لكن صندوق النقد الدولي أخبر قادة الولايات المتحدة، وروسيا، وأوروبا، بأن الاقتصاد الأوكراني قد يزداد سوءا إذا لم ينته الصراع في أقرب وقت. وقال الصندوق يوم الجمعة «يتوقف برنامج الإصلاح بشكل كبير على فرضية تهدئة الصراع خلال الشهور المقبلة. ولكن استطالة وقت الأزمة سوف ترهق المقدرة الأوكرانية على الإصلاح بشكل كبير، من دون الزيادة الكبيرة في الدعم الخارجي ذات الشروط المناسبة».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الحكومة الأميركية تدافع أمام القضاء عن إلزام مالكي «تيك توك» ببيعه

شعار «تيك توك» (أ.ف.ب)
شعار «تيك توك» (أ.ف.ب)
TT

الحكومة الأميركية تدافع أمام القضاء عن إلزام مالكي «تيك توك» ببيعه

شعار «تيك توك» (أ.ف.ب)
شعار «تيك توك» (أ.ف.ب)

في فصل جديد من المواجهة بين شبكة التواصل الاجتماعي الصينية «تيك توك» والحكومة الأميركية، قدمت وزارة العدل الأميركية الجمعة حججها إلى المحكمة الفيدرالية التي ستقرر ما إذا كان القانون الهادف إلى البيع القسري للتطبيق يتماشى مع الدستور أم لا.

واعتمد الكونغرس الأميركي في أبريل (نيسان)، قانوناً يجبر «بايتدانس»؛ الشركة المالكة لتطبيق «تيك توك»، على بيعه لمستثمرين غير صينيين خلال 9 أشهر، وإلا تواجه خطر حظرها في الولايات المتحدة.

ويرى التطبيق أن هذا القانون ينتهك حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي في التعديل الأول منه.

لكن الحكومة الأميركية تؤكد أن القانون يهدف إلى الاستجابة لمخاوف تتعلق بالأمن القومي، وليس إلى الحد من حرية التعبير، عادّة أن ليس بإمكان «بايتدانس» الاستفادة في هذه الحالة من الحماية التي ينص عليها التعديل الأول من الدستور.

ووفقاً للحجج التي قدمتها وزارة العدل الأميركية، تتعلق المخاوف بأن «بايتدانس» ملزمة على الاستجابة لطلبات السلطات الصينية في الوصول إلى بيانات المستخدمين الأميركيين، كما يمكن للتطبيق أيضاً فرض رقابة على محتوى معين على منصته أو تسليط الضوء على آخر.

وكتبت وزارة العدل في ملف حججها، أنه «نظراً لانتشار (تيك توك) الواسع في الولايات المتحدة، فإن قدرة الصين على استخدام ميزات (تيك توك) لتحقيق هدفها الأساسي المتمثل في الإضرار بالمصالح الأميركية يخلق تهديداً عميقاً وواسع النطاق للأمن القومي».

وذكر الملف أيضاً أن «تيك توك» يمنح بكين «الوسائل لتقويض الأمن القومي الأميركي» من خلال جمع كميات كبيرة من البيانات الحساسة من المستخدمين الأميركيين واستخدام خوارزمية خاصة للتحكم في مقاطع الفيديو التي يشاهدها المستخدمون.

وأضافت وزارة العدل الأميركية «يمكن التحكم بهذه الخوارزمية يدوياً». وتابعت: «موقعها في الصين من شأنه أن يسمح للحكومة الصينية بالتحكم سراً في الخوارزمية - وبالتالي تشكيل المحتوى الذي يتلقاه المستخدمون الأميركيون سراً».

علم الولايات المتحدة وأعلاه شعار التطبيق الصيني «تيك توك» (رويترز)

وردت الشركة المالكة لتطبيق «تيك توك» السبت بالقول إن «الدستور إلى جانبنا».

وعدّت الشركة أن «حظر تيك توك من شأنه إسكات أصوات 170 مليون أميركي، في انتهاك للتعديل الأول للدستور»، في إشارة إلى مستخدميه بالولايات المتحدة.

وأضاف التطبيق: «كما قلنا في السابق، لم تقدم الحكومة أبداً دليلاً على تأكيداتها»، بما في ذلك أثناء اعتماد القانون.

ولكن أوضح مسؤول أميركي أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تشعر بالقلق بشأن إمكانية قيام بكين «باستخدام تطبيقات الهاتف الجوال سلاحاً».

وشدّد المسؤول على أن «الهدف من القانون هو ضمان أنه يمكن للصغار والمسنين على حد سواء، وكل (الفئات العمرية) بينهم، استخدام التطبيق بكل أمان، مع الثقة في أن بياناتهم ليست في متناول الحكومة الصينية أو أن ما يشاهدونه لم تقرره الحكومة الصينية».

ورأى مسؤول في وزارة العدل الأميركية أن «من الواضح أن الحكومة الصينية تسعى منذ سنوات إلى وضع يدها على كميات كبيرة من البيانات الأميركية بأي طرق ممكنة، بينها هجمات سيبرانية أو شراء بيانات عبر الإنترنت، وتدرِّب نماذج من الذكاء الاصطناعي لاستخدام هذه البيانات».

ويرى «تيك توك» أن طلب بيع التطبيق «مستحيل ببساطة»، خصوصاً خلال فترة زمنية محدد.

وجاء في الشكوى المقدمة من «تيك توك» و«بايتدانس»، أنه «لأول مرة في التاريخ، اعتمد الكونغرس تشريعاً يستهدف منصة واحدة لفرض حظره على مستوى البلاد ومنع كل أميركي من المشاركة في مجتمع عالمي واحد يضم أكثر من مليار شخص».

وأكدت «بايتدانس» أنها لا تنوي بيع «تيك توك»، معتمدة المسار القضائي وصولاً إلى المحكمة العليا الأميركية، باعتباره الرد الوحيد لمنع الحظر في 19 يناير (كانون الثاني) 2025.

وظل «تيك توك» لسنوات في مرمى السلطات الأميركية لوضع حد لاستخدامه في البلاد.

وفي عام 2020، نجح «تيك توك» في تعليق قرار بحظره أصدرته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من خلال طلب استئناف. وعلّق قاضٍ القرار مؤقتاً، عادّاً أن الأسباب المقدمة للحظر مبالغ فيها، وأن حرية التعبير مهددة.

لكن يهدف القانون الأميركي الجديد إلى التغلب على الصعوبات التي تمت مواجهتها سابقاً.

ويرى خبراء أن المحكمة العليا قد تأخذ في الحسبان حججاً تشير إلى إمكانية تهديد التطبيق للأمن القومي يقدمها مسؤولون في الولايات المتحدة.

ولكن من الصعب حالياً تصور إمكانية استحواذ طرف آخر على «تيك توك»، حتى لو كانت «بايتدانس» منفتحة على إمكانية بيعه، إذ لم يتقدم أحد بالفعل لشرائه.

وليس من السهل توفر طرف لديه أموال كافية للاستحواذ على تطبيق يضم 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، وأكثر من مليار مستخدم في كل أنحاء العالم، في حين أن الشركات الرقمية العملاقة هي بلا شك الوحيدة التي تمتلك الإمكانات اللازمة للاستحواذ على التطبيق.