كان هناك شعور لدى مسؤولي نادي آرسنال الإنجليزي بأن هناك حملة منظمة ضد المهاجم التوغولي بيير إيميريك أوباميانغ، يقودها قطاع من الإعلام الألماني، لكن ذلك الأمر لم يمنع مسؤولي آرسنال من التعاقد مع اللاعب. وفي حين كان آرسنال يستعد للتعاقد مع أوباميانغ من بروسيا دورتموند، ليصبح أغلى لاعب في تاريخ المدفعجية، كان هناك سؤال يطرح نفسه بقوة داخل أروقة النادي الإنجليزي آنذاك: هل حقاً أوباميانغ شخص سيئ؟
وكانت هناك بعض الأدلة التي نُشرت بتفاصيل مثيرة في هذا الصدد، حيث أشارت وسائل الإعلام آنذاك إلى أن نادي بروسيا دورتموند قد عاقب أوباميانغ بالإيقاف 3 مرات بسبب عدم الانضباط.
وكانت المرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، عندما دخل في مفاوضات مع ميلان الإيطالي دون إذن من ناديه، وغاب بسبب ذلك الإيقاف عن مباراة بروسيا دورتموند أمام سبورتنغ لشبونة البرتغالي في دوري أبطال أوروبا.
وكانت المرة الثانية التي يتعرض فيها أوباميانغ للإيقاف قد حدثت بعد ذلك بـ12 شهراً، وكان السبب عدم التزامه بالمواعيد المقررة للتدريبات. وقد اعتذر أوباميانغ في المرة الأولى، لكنه في المرة الثانية عبر عن اندهاشه من تعرضه لمثل هذه العقوبة.
وكان أوباميانغ يريد مغادرة بروسيا دورتموند في صيف عام 2017، ويرجع السبب في ذلك بصورة جزئية إلى أن النادي الألماني كان قد حصل على عرض أولي من نادي برشلونة الإسباني بقيمة 97 مليون جنيه إسترليني، ارتفع بعد ذلك إلى 135 مليون جنيه إسترليني، للتعاقد مع زميله في الفريق عثمان ديمبلي.
وبدأت العلاقة بين أوباميانغ والنادي الألماني تشهد توترات كبيرة، كما بدأ التركيز على سلوكيات اللاعب التوغولي ووضعها تحت المجهر. وزعم بيتر ستوغر، المدير الفني لبروسيا دورتموند في ذلك الوقت، أن أوباميانغ «رفض الركض خلال الحصة التدريبية الأخيرة قبل المباريات للتأكيد على رغبته في الرحيل».
وتساءل كاتب ألماني متخصص في شؤون كرة القدم عما إذا كان يمكن للاعب التوغولي أن «ينصب سيرك القرود هذا»، ويقوم بمثل هذه التصرفات، لو كان يلعب في نادٍ مثل بايرن ميونيخ! وأدت هذه الكلمات إلى شعور أوباميانغ وأسرته بغضب شديد، وهو الأمر الذي كان يمكن تفهمه في واقع الأمر، بسبب مثل هذه الكلمات العنصرية.
وفي منتصف شهر يناير (كانون الثاني)، غاب أوباميانغ عن اجتماع للفريق، وتم إيقافه من قبل النادي، وغاب عن مباراة دورتموند في الدوري الألماني الممتاز أمام فولفسبورغ، وكانت هذه هي أول مباراة يلعبها الفريق بعد العودة من فترة التوقف الشتوية للدوري الألماني. كما قرر الطاقم الفني لبروسيا دورتموند استبعاد أوباميانغ من المباراة التالية أمام هيرتا برلين لأنهم شعروا بأنه يفتقد للتركيز. ووصلت العلاقة بين اللاعب والنادي الألماني إلى طريق مسدود.
وكان آرسنال يترقب ما يحدث عن كثب، كما أن النادي الإنجليزي كان لديه شخص قادر على معرفة التفاصيل التي تحدث في النادي الألماني، وهو مسؤول التعاقدات سفين ميسلينتات، الذي كان قد انضم لآرسنال قادماً من بروسيا دورتموند في ديسمبر (كانون الأول) 2017. وكان ميسلينتات، الذي لعب دوراً محورياً في انتقال أوباميانغ من سانت إتيان الفرنسي إلى بروسيا دورتموند في عام 2013، يشيد بقوة باللاعب، خصوصاً في ما يتعلق بسلوكه واحترافيته.
ويجدر بنا هنا أن نشير إلى بعض التصريحات التي أدلى بها هانز يواكيم فاتسكه، الرئيس التنفيذي لبروسيا دورتموند، في 14 يناير، عندما قال: «في خضم كل هذا التمحيص والتدقيق، بالشكل الذي يجعلني أشعر بالقلق، يجب ألا ننسى شيئاً واحداً، وهو أن بيير أميرك أوباميانغ لاعب يتمتع بالاحترافية التامة. أنا لا أحب الطريقة التي تتحدث بها وسائل الإعلام الألمانية، التي ستفتقده بشدة عندما لا يلعب هنا بعد الآن».
ووصف أوباميانغ نفسه بأنه «طفل مجنون» بعد انتقاله لآرسنال مقابل 56 مليون جنيه إسترليني. ومن المؤكد أنه كان من الممكن أن يتصرف بشكل أفضل خلال الأشهر الأخيرة من مسيرته في بروسيا دورتموند - ربما كان غاضباً بسبب احتمال فشل انتقاله مرة أخرى - لكن الشيء المؤكد أيضاً هو أن أوباميانغ بعيد كل البعد عن أن يكون لاعباً مثيراً للمشكلات والمتاعب.
وكان المدير الفني الألماني يورغن كلوب هو من يتولى قيادة بروسيا دورتموند خلال أول موسمين لأوباميانغ في النادي الألماني، وقد ساعده على التطور، وتحويله من لاعب في مركز الجناح إلى مهاجم متكامل.
وقال كلوب قبل مباراة فريقه ليفربول أمام آرسنال على ملعب الإمارات يوم السبت، التي انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق: «لم يكن من الصعب التعامل مع أوباميانغ، ولو لثانية واحدة. إنه فتى ذكي للغاية، وشخص لطيف للغاية. لقد كان من دواعي سروري أن أعمل معه».
وأضاف: «أوباميانغ يمتلك سرعة فائقة. إنه واحد من أفضل اللاعبين في الهجمات المرتدة، بسبب توقيته في الركض، وقدرته الفائقة على إنهاء الهجمات».
ويقدم أوباميانغ مستويات جيدة مع آرسنال، حيث لعب مع الفريق 20 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، بالإضافة إلى 3 مباريات أخرى كبديل، سجل خلالها 17 هدفاً، كما تألق في مباراتين أخريين في بطولة الدوري الأوروبي هذا الموسم.
ومنذ بدايته ضد إيفرتون، في الثالث من فبراير (شباط) الماضي، وهي المباراة التي أحرز خلالها هدفاً بلمسة رائعة، لم يحرز سوى لاعب واحد فقط أهدافاً أكثر منه في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو المهاجم المصري محمد صلاح، الذي أحرز 18 هدفاً منذ ذلك الحين.
وأحرز أوباميانغ 17 هدفاً من 50 تسديدة، بمعدل يصل إلى 34 في المائة، وهو المعدل الذي لا يقترب منه أي لاعب آخر في المسابقة، حيث إن اللاعب الذي يأتي في المركز الثاني خلال هذه الفترة هو لاعب برايتون غلين موراي، بنسبة 28.9 في المائة.
وقبل مباراة ليفربول الأخيرة، كان أوباميانغ قد أحرز أهدافاً من آخر 6 تسديدات له على مرمى الفرق المنافسة، لكن الإحصائية الأقوى بالطبع تتمثل في معدل أهدافه بالنسبة لعدد الدقائق التي لعبها، حيث أحرز اللاعب هدفاً كل 103 دقائق، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز.
لقد تألق أوباميانغ في الدوري الفرنسي الممتاز مع نادي سانت إتيان، وجاء في المركز الثاني بين هدافي المسابقة في موسم 2012 / 2013، بـ19 هدفاً، كما أحرز 16 هدفاً في الموسم السابق. ومع نادي بروسيا دورتموند، حصل اللاعب التوغولي على لقب هداف الدوري الألماني الممتاز في موسم 2016 / 2017، بـ31 هدفاً. وبصفة إجمالية، سجل أوباميانغ 98 هدفاً في 144 مباراة لعبها في الدوري الممتاز، و141 هدفاً في 213 مباراة في جميع المسابقات. والآن، يواصل أوباميانغ التألق في الدوري الإنجليزي الممتاز.
والسؤال الآن هو: كم عدد المهاجمين الآخرين الذين يمكن أن يقولوا إنهم تألقوا في 3 دوريات مختلفة من الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا؟ لقد ولد أوباميانغ في فرنسا لأب غابوني وأم إسبانية، وصنع لنفسه اسماً كبيراً على مستوى الشباب في إيطاليا، عندما كان يلعب مع نادي ميلان، كما يصف نفسه بأنه فرنسي - غابوني - إسباني، فضلاً عن أنه يتكلم الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والإنجليزية.
ويُعرف عن أوباميانغ تحليه بالمرح والنشاط والحيوية، ورغبته المستمرة في تغيير قصات شعره، كما كان يحتفل بأهدافه في السابق عن طريق وضع أقنعة خارقة، بما في ذلك أقنعة لسبايدرمان وباتمان. ولن ننسى أبداً أنه كان يجرى عمليات الإحماء قبل إحدى المباريات لنادي سانت إتيان الفرنسي وهو يرتدي حذاءً مرصعاً بالكريستال! كما يمتلك اللاعب التوغولي مجموعة من أغلى السيارات، من بينها سيارة من طراز لامبورغيني أفينتادور.
لكن ما يميز أوباميانغ في آرسنال حقاً هو قدرته على التكيف السريع مع لاعبي الفريق، والمدير الفني الإسباني أوناي إيمري. ويحظى اللاعب التوغولي بحب واحترام جميع زملائه في الفريق - وهي الصفة التي لا تتوفر في كثير من المهاجمين من الطراز الرفيع - كما يبدو للجميع أن هناك تفاهماً وتعاوناً كبيراً بينه وبين اللاعب الفرنسي ألكسندر لاكازيت.
وكان آرسنال قد دفع مبلغاً قياسياً في تاريخ النادي، بلغ 52.7 مليون جنيه إسترليني، لنادي ليون الفرنسي، من أجل التعاقد مع لاكازيت قبل 6 أشهر من مجيء أوباميانغ، وكان هناك شعور بأنه ستكون هناك منافسة شديدة بين اللاعبين، ربما بسبب ما تردد عن توتر في العلاقة بينهما، إلا أن الأمور كانت مختلفة تماماً، واتضح أن هناك علاقة صداقة قوية بين اللاعبين.
ومن المواقف التي تعكس العلاقة القوية بين اللاعبين ما حدث في مباراة آرسنال أمام ستوك سيتي في أبريل (نيسان) الماضي، حيث كان أوباميانغ قد أحرز هدفين، وكان بإمكانه أن يكمل الهاتريك بعد حصول فريقه على ركلة جزاء في الدقيقة 89 من عمر اللقاء، لكنه ترك تسديد ركلة الجزاء للاكازيت، وقال أوباميانغ بعد ذلك إنه فعل ذلك لأن اللاعب الفرنسي كان بحاجة إلى إحراز هدف من أجل استعادة ثقته بنفسه.
وفي مباراة الفريق أمام فولهام الشهر الماضي، كان أوباميانغ يجلس على مقاعد البدلاء، وعندما افتتح لاكازيت النتيجة ركض إلى خط التماس لكي يحتفل معه بالهدف.
وعلاوة على ذلك، أعرب أوباميانغ عن استعداده للعب على اليسار، إذا كان ذلك سيسمح للاكازيت بأن يلعب في مركز المهاجم الصريح، وقال عن ذلك: «هناك تفاهم واضح بيننا عندما نكون في الملعب معاً».
أوباميانغ... من «طفل مجنون» إلى أخطر أسلحة آرسنال الهجومية
رد على منتقديه ونجح في ثالث دوري يلعب له من بين البطولات الخمس الكبرى في أوروبا
أوباميانغ... من «طفل مجنون» إلى أخطر أسلحة آرسنال الهجومية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة