رشيد الضعيف لـ«الشرق الأوسط»: لم تعلمني والدتي كيف أكون مواطناً

بعد فيلم «غود مورنينيغ» تطلّ رواية «خطأ غير مقصود»

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف
TT

رشيد الضعيف لـ«الشرق الأوسط»: لم تعلمني والدتي كيف أكون مواطناً

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف

رواية جديدة للأديب اللبناني رشيد الضعيف، تحمل عنوان «خطأ غير مقصود» تبصر النور قريباً. وهي استكمال لما بدأه في روايته الجريئة «ألواح» التي فيها بوح والتقاط لحظات هاربة من عمر مضى، أو من عمر متخيَّل.
المؤلَّف الجديد أشبه بشذرات من سيرة ذاتية، فيه الكثير من الكشف والمصارحة أيضاً. ويقول رشيد الضعيف في حديث لنا معه إنه هذه المرة، ذهب إلى أبعد مما قرأناه في «ألواح» حيث يتابع: «القصّ حول أمور حدثت بالفعل، لكن أيضاً عن أمور أخرى لم تحدث، لكنها لو حدثت لكان حدوثها كما وصفتُه. وأخبرت فيها عن أمور أخرى كنت أتمنّى أن تحدث كما أخبرتها».
هذه اللقطات من حياته أو ما يُفترض أنها حياته التي وزعها رشيد الضعيف على كتابين، هل ستسد الباب مستقبلاً أمام كتابة سيرة ذاتية مكتملة؟ «لا أعرف إذا كان بمقدور المرء أن يكتب سيرته. فعندما يتحول أي حدث إلى نص يصبح نصاً يخضع لشروط الكتابة».
هو روائي مثير للجدل، لا شك. ثمة من يرى في كتاباته جرأة وجرعة حرية مطلوبة لكسر المحظور، وهناك من يتهمه بالبذاءة والابتذال. وتجد من يعتبر رواياته متعة للقراءة بفضل سلاستها، ومن يرى فيها نصوصاً سهلة لا تستحق الوقت الذي يُهدر في قراءتها. وفي كل الأحوال فإن الأديب لا يزعجه أن تتنوع الآراء حوله، وأن يختلف القراء والنقاد في تقييم نصوصه، ويمضي في إصدار مؤلفاته التي وصلت إلى ما يقارب العشرين، حيث تجد لها طلاّبها في العربية والراغبين في ترجمتها إلى لغات العالم، حتى أصبح له كتب في 14 لغة بينها الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية والبرتغالية وحتى الفيتناميّة.
البدايات كانت مع الشعر، لكنه لم يجد في القصائد غايته وذهب إلى كتابة روايات تنبش في طبقات الذات، وأخذ يتنقل في الموضوعات والأساليب ويخوض غمار الرواية التاريخية، ومن ثم عالم السينما مع المخرج بهيج حجيج، حيث كتب قصة فيلم «غود مورنينغ» ومن ثم تعاون مع مخرج الفيلم على كتابة السيناريو وخرج العمل قبل أيام إلى الصالات. الفيلم يروي حكاية مسنَّين اثنين تخطيا الثمانين من العمر، وهما متقاعدان يذهبان كل يوم إلى نفس المقهى، ويتسليان بحل الكلمات المتقاطعة لتقوية الذاكرة وتنشيطها. وهما إذ يقومان بهذه التمارين اليومية لإبعاد شبح النسيان، يقرآن وهما يجلسان في الشارع، هموم المدينة والناس والمآلات، وكيف انتقل البلد من حال إلى حال. العمر المديد يشغل حيزاً من روايات عديدة كتبها رشيد الضعيف مثل بطليه في «ألواح» أو «أوكيه مع السلامة» ذلك لأن هذه الشريحة التي تقدمت في العمر، كما يقول، «باتت مهمة جداً في المجتمع اللبناني، وهي أيضاً فئة فعالة ونشيطة، تشمل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومديري بنوك وأساتذة جامعات، لذلك على الأدب أن يضيء على هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه».
رغم أن الأنا هي الطاغية في كتابات رشيد الضعيف فإنها أحياناً مخادعة، ولا تعدو أن تكون وسيلته للقصّ الأقرب إلى مزاجه. «لا أعرف على وجه التحديد عما أحب أن أكتب. ربما أنني أكتب ما يؤلمني، وأكتب عمّا أعتبره مبادئ أخلاقية أساسيّة تحكم سلوكنا في يومياتنا وفي السياسة ويجب مساءلتها وإلقاء الضوء عليها بقوّة وبلا خجل. الأم، مثلاً، في ثقافتنا هي الحنان والحب والتضحية. أحاول أن أقول: إن هذا لا يوصلنا إلى فهم واقعنا. الأم كائن مركب، وهي لا تُختزل بالحب والحنان فقط لأن كل الميكروبات التي تمنعنا من بناء وطن ومواطن ومؤسسات نقلتْها لنا أمهاتنا وآباؤنا. لم تعلمني والدتي، على سبيل المثال، كيف أكون مواطناً، كيف يمكن أن أتزوج من امرأة من دين أو طائفة أخرى. كل هذه الأمور تمنعنا من بناء دولة. الأم تؤنّب ابنها ربما، حين لا يقوم بواجب ديني، لكنها لا تفعل الشيء نفسه حين يرمي ورقة في الطريق». يطرح رشيد الضعيف أسئلته على الأمومة والأبوة والصداقة، والأخلاق الأساسية التي تحكم سلوكنا خصوصاً تلك التي تُبنى عليها سياساتنا كدول.
يعترض الضعيف بقوة حين نلفته إلى أن ثمة من يعتبر أنه هو آخر من يحق له أن يتكلم عن الأخلاق لأنه جعل المحظورات جزءاً من ثيماته الأثيرة في رواياته، ويجيب: «لا مشكلة عندي في أن أُنتقد بسبب ما أكتب، هذا موضوع آخر. الأخلاق التي تعنيني هنا هي المواطنة الصالحة التي نحتاج إليها كي نبني مجتمعاً يتسع لنا جميعاً. أما عن خياري في الكتابة، فأقول دائماً إن الكتابة نوعان: هناك الرواية (الفصحى) التي يختارها الأب لابنته وينصحها بقراءتها، وأنا لا أكتب هذا النوع. وهناك رواية أسمّيها (الرواية الدنيا)، وتتناول أمور حياتنا المنخفضة، وهذا ما أكتبه أحياناً. بهذا المعنى فإن كثيراً من كتبي لا تُقرأ في الساحات العامة. فما يُقرأ وسط العموم، يبدو لي غالباً، أنه يساير السائد وأقرب إلى البروباغندا».
يرى رشيد الضعيف أن ما كل ما يُكتب وُجد ليقرأه كل الناس، فمجتمعاتنا تمارس الكثير من النفاق، ومن واجب الكاتب أن يضيء على ما يرى ويشاهد، وهو ما قد يزعج البعض. فليس الهدف في النهاية عند كسر المحظورات أو تجاوز الخطوط الحمراء هو الإثارة «أنا لا أكتب مشاهد تستدعي الإثارة. ذلك أن هذه الأمور تأتي في نصوصي لأن لها وظيفتها، ومن دون ذكرها لا يمكن للرواية أن تكتمل. ليس من أدب في العالم ليس فيه مشاهد من هذا النوع».
يذكر أديبنا وهو يتحدث عما تمتلئ به كتب الأدب العربي من كلام عن العشق والغلمان والجواري، يمر على أشعار عمر بن أبي ربيعة، وامرئ القيس. يقول: إنهم «كانوا يكتبون بحرية وبلا خجل. كتاب الأغاني يستخدم مفردات (فجة) ما عدنا نستطيع الإتيان على ذكرها. العرب في عزّ مجدهم، يوم كانوا يحكمون الدنيا، كانوا أحراراً. وأنا حين أكتب بهذه اللغة، إنما أستوحي من الناثرين العرب الكبار ومن الشعراء. فأهم شاعر عربي هو أبو نواس. وأنا أكرر دائماً بأن من يجد في كتابي جرأة لا يحتملها أنصحه بألا يقرأه. فواحد من أكثر الكتب المقروءة بالعربية هو (ألف ليلة وليلة)، ومع ذلك لا يُعلّم في المدارس ولا الجامعات، ويحاولون محاصرته، لكنه موجود».
الأسلوب الحيادي الذي غالباً ما نلحظه في روايات رشيد الضعيف لا يأتيه عفو الخاطر، فكل قصة لها ما يناسبها. «رواية (أهل الظل) هي قصيدة في رواية أو رواية في قصيدة. وروايتي (ألواح) لغتها ليست حيادية على الإطلاق. وحين نقرأ (معبد ينجح في بغداد) ندخل إلى مكان تعبيري آخر. اللغة في نصوصي متوارية خلف الحدث، لغة شفافة نرى عبرها ما نريد قراءته. لكن مرات أخرى لا تكون كذلك. فاللغة أحياناً، تصبح شخصية من شخصيات الرواية، أعمل عليها بعناية. في (تقنيات البؤس) لم أستعمل أي فعل لا يمكن تصويره أو تجسيده. لم أستعمل كلمة تذكّر أو فكّر. لم أستخدم أحبّ أو كره. كنت أسعى إلى تلمس نمط وجود الخوف بدل أن أستعمل الفعل خاف مثلاً. كأن أقول (خرج من بيته، تلمّس حبة الأعصاب في جيبه، تدفقت الدماء إلى صدغيه...)، هنا اشتغلت على اللغة بهذا الشكل. فلكل أسلوب وظيفة ولكل حدث أسلوب ولكل حالة أسلوبها».
منذ البداية كان يشعر بحاجة إلى الخروج من البلاغة الغبية، متيقناً أن اللغة العربية قادرة على استنباط بلاغات حديثة. أما سهولة الأسلوب وسلاسته في الروايات «فهذا ليس لأنني لا مبالٍ أو أميل إلى الخفة، بل بالعكس لأنني أبذل جهداً كبيراً في سبيل هذه الغاية. فالهدف أن يشعر القارئ بقدرة على قراءة الرواية بيسر. وأنا أعمل على التشذيب والحذف، والمراجعة لأصل إلى لغة تبدو للوهلة الأولى شديدة البساطة».
يبدو لك أن رشيد الضعيف الذي ينشر كتبه الأدبية منذ ما يناهز الأربعين سنة، من يوم أصدر مجموعته الشعرية «حين حلّ السيف على الصيف»، هو من المرّاس في الكتابة بحيث يحتفظ بمسافة مشغولة أيضاً كأسلوبه ولغته، بين شخصه وما يكتب، فبقدر ما يبدو جاداً يستطيع أن يصبح ساخراً في نصوصه، ومع أنه يوهمك ببساطة الجملة يشرح لك كم أن الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى تفكير ونحت وتخطيط. وهو جريء حقاً، وغالباً ما يثير تساؤلات حول موضوعات يكتب عنها، إلا أنه يعترف بأنه في الحياة خجول، وأن الأمر في الكتابة يستدعي منه الكثير من الإقدام والثبات، لا بل والثقة بالنفس. وهنا يتسلح بقول عربي قديم يقول: «من ألّف استهدف»، أي وضع نفسه هدفاً (أما المعنى الآخر الشائع فهو وضع لنفسه هدفاً).



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.