قبل بدء أقسى حزمة من العقوبات الأميركية بساعات، اختار كبار قادة «الحرس الثوري»، أمس، مواصلة التصعيد، وتوجيه الرسائل الحادة إلى البيت الأبيض، وفي حين قال قائد «الحرس»، محمد علي جعفري، إن بلاده «هزمت أميركا في انتخابات العراق»، لوَّح نائبه حسين سلامي باستهداف «المصالح الحيوية الأميركية إذا لزم الأمر»، وبرعاية الحكومة، تظاهرت، أمس، حشود لإحياء الذكرى الـ39 لهجوم السفارة الأميركية في 1979، وبداية أكبر أزمة دبلوماسية بين البلدين.
وقال قائد «الحرس الثوري»، محمد علي جعفري، إن أيّ مساعٍ من الولايات المتحدة لإسقاط النظام «محض جنون»، وأضاف: «أميركا لا ترغب في مواجهة عسكرية مع إيران»، مشيراً إلى «الخوف من قوة (حزب الله) والقوة الرادعة لإيران».
واستئناف العقوبات الأميركية، التي تستهدف مبيعات النفط الإيرانية، وحرمان إيران من التعامل بالدولار، جزء رئيسي من جهد أوسع يبذله ترمب لإجبار طهران على وقف برامجها النووية، الخاصة بالصواريخ الباليستية تماماً، وكذلك دعمها لقوات تعمل بالوكالة عنها في صراعات في أنحاء الشرق الأوسط.
وزعم جعفري أن إيران «حققت انتصاراً في الانتخابات العراقية الأخيرة بنتيجة 3 مقابل صفر، ضد الولايات المتحدة»، وذلك في تلميح ضمني إلى انتخاب الرئيس العراقي، ورئيس البرلمان، ورئيس الوزراء. وفي توضيح كلامه قال إن مراكز أساسية في الحكومة العراقية اليوم ضمن المعسكر الإيراني.
وكان جعفري يشير إلى شرط أميركي باحتواء الدور الإيراني في الشرق الأوسط، كما تطرَّق إلى سوريا، مشدداً على أن «الثبات في سوريا غير ممكن من دون إيران»، وأضاف أن «أميركا انهزمت من جبهة المقاومة في سوريا، ومن المؤكَّد أن ذلك لم يكن ليحصل لولا إيران». وأشار إلى الدعم الصاروخي الذي قدمته إيران إلى «حزب الله» و«حماس».
وكان خامنئي قال في كلمة، أول من أمس (السبت)، إن سياسات ترمب تواجه معارضة في أنحاء العالم.
وتواجه إيران انتقادات دولية بسبب برنامجها الصاروخي وتدخلاتها الإقليمية، لكن حلفاء واشنطن في أوروبا يرفضون ربط الاتفاق حول البرنامج النووي بسلوكها الإقليمي وبرنامج الصواريخ.
وتريد أوروبا ترك الباب مفتوحاً على شركاتها للنشاط الاقتصادي في إيران، واستيراد النفط الإيراني عبر تفعيل آلية مالية عبر شبكة «سويفت» المالية العالمية، غير أن الولايات المتحدة وجَّهت تحذيراً، الجمعة الماضي، إلى الشبكة، من التعرض لعقوبات مباشرة.
وفي السياق ذاته، قال جعفري إن «وزارة الدفاع الأميركية أصدرت أوامر أخيراً إلى وحدة عسكرية حظرت فيها نشر أي أخبار عن قدرات عسكرية إيرانية، حفاظاً على معنويات جنودها».
قبل تصريحات جعفري بيوم كشفت إيران عن تدشين مقاتلات «كوثر»، وهي نسخة من مقاتلات «إف 5» الأميركية، وذلك بعدما أثار إعلان عن تجريب المقاتلة ردود فعل ساخرة بين الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي، الشهر الماضي.
ودافع قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري، أمس، عن الاستيلاء على السفارة الأميركية قبل 39 عاماً، وقال: «لو أن الأميركيين بقوا في وكر التجسس، لم تبلغ الثورة عامها الأربعين بلا ريب، وكان الأمر سينتهي في بداية الثورة».
وخاطب قائد «الحرس الثوري» الرئيس الأميركي دونالد ترمب قائلاً: «لا تهدِّد إيران أبداً».
وجاءت عبارة جعفري بعدما كان يسرد وقائع من أخذ الدبلوماسيين الأميركيين رهائن في غضون ساعات، لافتاً إلى أن مسؤولين إيرانيين حينذاك «كانوا بصدد تنفيذ انقلاب على النظام».
كان ذلك مقدمةَ جعفري للتعليق على العقوبات الأميركية الجديدة التي دخلت اليوم حيز التنفيذ. وقال إن إيران «ستقاوم الحرب النفسية»، والعقوبات الأميركية على قطاعها النفطي، وستتغلب عليها. وتابع أن «أميركا شرعت في حرب اقتصادية ونفسية كملاذ أخير... لكن مؤامرات أميركا وخططها للعقوبات سيجري التغلب عليها عن طريق المقاومة المستمرة».
وكان جعفري يتحدث أمس في مظاهرة بمناسبة الذكرى السنوية لاقتحام السفارة الأميركية، في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، بعد قليل من سقوط الشاه، واحتجزوا 52 أميركياً رهائن لمدة 444 يوماً.
وفرضت أجواء الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية نفسها بقوة على المظاهرات التي ينظمها سنوياً «الحرس الثوري»، الجهاز العسكري الموازي للجيش النظامي، وقوات «الباسيج» التابعة له وتمولها الحكومة.
وردد المشاركون في التجمع الحاشد هتافات معادية للولايات المتحدة وبثَّها التلفزيون الرسمي على الهواء، منها: «الموت لأميركا». وأحرق الآلاف من الطلاب الأعلام الأميركية، ومجسماً للعمِّ سام، وصوراً للرئيس دونالد ترمب خارج المجمّع الذي كان يضم ذات يوم السفارة الأميركية، وفقاً لوكالة «رويترز».
ولوحظ تجنُّب «الحرس الثوري» استعراض الصواريخ الباليستية وسط حشود المتظاهرين، وأظهرت صور تناقلتها وكالات «الحرس» استعراض صواريخ من البلاستيك بدلاً من الصواريخ الباليستية، وتحمل أسماء الصواريخ الإيرانية.
ولا تربط واشنطن علاقات بطهران منذ ذلك الحين، ويقفان على طرفي نقيض من الصراعات في الشرق الأوسط.
وتقول وسائل إعلام إيرانية إن «الملايين خرجوا للمشاركة في مسيرات وتجمعات في معظم المدن والبلدات في أنحاء البلاد، مجددين لنظام ولاية الفقيه وعلى رأسها المرشد علي خامنئي».
وتُعدّ المسيرات والتجمعات السنوية في هذا اليوم الذي يضجّ بهتاف «الموت لأميركا» في ذكرى الاستيلاء على السفارة، رمزاً للعداء الإيراني. لكن مشاعر الضغينة بين أنصار النظام تجاه واشنطن كانت أقوى هذه المرة في أعقاب قرار ترمب في مايو (أيار) الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية الكبرى مع طهران عام 2015، ومعاودته فرض العقوبات على طهران.
وتلزم إيران موظفي الحكومة وطلاب المدارس والجامعات (الحكومية) والعسكريين بالحضور المكثف في المظاهرات.
وفي سياق متصل، هدد نائب قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، أمس، باستهداف المصالح الحيوية الأميركية «إذا ما استدعت الضرورة»، لافتاً إلى أن إيران «تملك القدرة على إخراج الشرق الأوسط من السيطرة الأميركية على وجه السرعة».
وهوَّن سلامي من قدرة الضغوط الأميركية التي «بلغت حدها الأقصى» على حد تعبيره. وأشار إلى «بساطة إحباط العقوبات»، وقال: «هذه هي معركتنا الأخيرة مع العدو». متسائلاً: «هل تمكنت الولايات المتحدة من منع تأثير إيران وقوتها المعنوية في المنطقة أو الحد منها؟ وهل تمكنت من تغيير سلوكنا السياسي من خلال الحظر الاقتصادي الواسع؟ وهل تمكَّنت من إقناعنا بالجلوس معها إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى؟».
وقبل تنفيذ العقوبات الأميركية بساعات، قال سلامي: «اليوم هو يوم عظيم بالنسبة للشعب الإيراني؛ فأميركا قالت في البداية إنها تريد تصفير صادرات النفط الإيراني، ولكنها غيَّرت ذلك لأنها أدركت أنها لا يمكنها تنفيذ هذا عملياً، وقد شاهدتم أنها استثنت ثماني دول من حظرها المفروض على إيران».
ومع ذلك أشار إلى حالة الهلع في أسواق المال الإيرانية وخسارة الريال أكثر من 70 في المائة من قيمة منذ أبريل (نيسان) الماضي، وعزا أسباب الأزمة الاقتصادية إلى «الحرب النفسية الأميركية».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» أن سلامي قال إن «وجود إيران في سوريا كان بطلب من الحكومة السورية، وليس لدينا أي خطة بعيدة الأمد للبقاء في هذا البلد».
على صعيد آخر، رفض مجلس صيانة الدستور الإيراني أمس قانونا يتيح الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب، التي تُعد ضرورية للحفاظ على روابط طهران التجارية والمصرفية مع العالم.
وقال المجلس الذي يختار نصف أعضائه المرشد الإيراني، ومهمته الإشراف على القوانين التي يقرها البرلمان، إن بنود الاتفاقية تخالف التشريعات والدستور، قبل أن يردها إلى البرلمان لمراجعتها.
وكتب المتحدث باسم المجلس عباس علي كدخدايي على «تويتر»: «ناقش مجلس صيانة الدستور، في جلسات متعددة، القانون الذي أقره البرلمان... واعتبره يحتوي على إشكاليات وأمور غامضة».
والقانون الذي أقره البرلمان بغالبية بسيطة، في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، واحد من أربعة مشروعات قوانين تقدمت بها حكومة الرئيس حسن روحاني لتلبية مطالب مجموعة العمل المالي الدولية (إف إيه تي إف)، التي تراقب الجهود التي تبذلها الدول لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتنفي الحكومة الإيرانية أن يحد القانون من قدرة طهران على دعم نشاط «فيلق القدس»، الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» وحلفائه الإقليميين، مثل «حزب الله» اللبناني، بسبب معايير الشفافية الواسعة التي يفرضها على حساباتها.
لكن حكومة روحاني ترى أن هذا القانون أمر حيوي، خصوصاً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وفرضها العقوبات مجدداً. وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن عدم انضمام بلاده «سوف يزوّد الولايات المتحدة بأعذار أكثر لزيادة مشكلاتنا».
وسعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، الأطراف الأخرى الموقِّعة على الاتفاق النووي، إلى إنقاذه، والحفاظ على التجارة مع إيران، لكنها طالبت بانضمامها إلى مجموعة العمل المالي، كشرط أساسي لتفعيل آلية مالية لمواجهة العقوبات الأميركية.
وتدرج المجموعة إيران وكوريا الشمالية فقط على لائحتها السوداء، على الرغم من أن المنظمة التي تتخذ من باريس مقراً لها قد علّقت الإجراءات ضد إيران منذ يونيو (حزيران) 2017، بينما تعمل الأخيرة على الإصلاحات المطلوبة. والشهر الماضي مدَّدت مجموعة العمل المالي المهلة التي أعطتها لإيران لتحديث قوانينها حتى نهاية شهر فبراير (شباط).
{الحرس} يحيي ذكرى اقتحام السفارة الأميركية عشية العقوبات «الأقسى»
قادته يهددون بمهاجمة المصالح الحيوية لواشنطن
{الحرس} يحيي ذكرى اقتحام السفارة الأميركية عشية العقوبات «الأقسى»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة