إجراءات لضبط المشهد الإعلامي المصري

في محاولة لضبط المشهد الإعلامي في مصر، بعد انتشار المواقع الإلكترونية التي تحض على الكراهية وتروج للفتنة والإرهاب، بدأت مصر في اتخاذ إجراءات لترخيص المواقع الإلكترونية وتقنين أوضاعها، وبينما يخشى البعض من أن تشكل هذه الإجراءات مزيدا من القيود على حرية التعبير، ما سيؤثر على مستقبل الصحافة وخاصة الإلكترونية، يرى آخرون أن هذه الإجراءات وإن كانت تتضمن تقييدا للحريات إلا أنها مهمة في المرحلة الحالية لحماية «الأمن القومي والمصلحة الوطنية».
وأعلن المجلس الأعلى للإعلام عن فتح باب ترخيص المواقع الإلكترونية، بموجب قانون تنظيم الصحافة رقم 180 لسنة 2018. وقال عبد الفتاح الجبالي، وكيل المجلس الأعلى للإعلام، في مؤتمر صحافي، قبل أسبوع، إن «معظم المواقع الإلكترونية في مصر غير مرخصة، وأمامها مهلة 6 أشهر لتقنين أوضاعها، وسيكون للمواقع الصادرة عن جهات حكومية وضع خاص»، مشيرا إلى أنه «سيتم حرمان الكيانات الإرهابية والمحرضة ضد الدولة من الحصول على هذه التراخيص».
وأضاف الجبالي أن «رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية تبلغ 50 ألف جنيه مصري، ويمنح الترخيص لمدة 5 سنوات، وتدخل هذه الرسوم الخزانة العامة للدولة»، وتابع: «هدفنا ضبط المشهد الإعلامي ونحن مع الحرية الكاملة في الإطار التشريعي المنظم للعمل».
ووضع المجلس عدة شروط لمنح الترخيص للمواقع الإلكترونية، من بينها تحديد اسم الموقع الإلكتروني، واسم مالكه ولقبه وجنسيته، واللغة والجمهور المستهدف، ونوع النشاط، والسياسة التحريرية، ومصادر التمويل، والهيكل التحريري الإداري، ومقر الموقع وعنوان المراسلات، وتحديد رئيس التحرير، ورئيس مجلس الإدارة، ومكان بث الموقع الإلكتروني، وتتوافق هذه الشروط مع ما ورد في المادة «40» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
وانتشر في الآونة الأخيرة كثير من المواقع الإلكترونية في مصر، نظرا لسهولة إصدارها، وقلة تكلفتها حيث لم تكون هناك شروط أو قيود على إنشاء المواقع الإلكترونية، ويواجه هذا النوع الآن صعوبة في تلبية شروط التراخيص، خاصة البند الخاص بالرسوم، ولذلك بدأ البعض في البحث عن شركاء لتمويل إجراءات الترخيص، وأثارت نقطة الرسوم الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها البعض «قيدا على حرية التعبير».
هشام قاسم، الخبير الإعلامي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرسوم المفروضة بموجب القانون لا ينبغي أن تكون نقطة إعاقة، حيث يجب التعامل مع المشاريع الإعلامية بطريقة اقتصادية، وأي موقع إلكتروني يحتاج إلى أكثر من 50 ألف جنيه لإصداره»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أنه «لا ضرورة لمثل هذا الشرط، فهناك مشروعات في العالم بدأت دون تمويل، فشركة آبل بدأت نشاطها في جراج منزل والد ستيف جوبز، قبل أن يجد لها التمويل».
واعتبر قاسم إجراءات ترخيص المواقع الإلكترونية «قيدا جديدا على حرية الرأي والتعبير»، وقال إن «القوانين الآن تفرض بغرض السيطرة، وليس بغرض قيام صناعة أو حمايتها».
لكن الدكتور حسين أمين، الأستاذ بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أكد أهمية وجود مثل هذه القوانين لتنظيم العمل الإعلامي، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يكن هناك أي قوانين تنظم المهنة قبل صدور هذا القانون»، مشيرا إلى أنه «في ظل انتشار المواقع الإلكترونية والمدونات وصفحات السوشيال ميديا، كان لا بد من وضع قانون لتنظيم عملها»، لافتا إلى أن «هناك 30 مليون مستخدم لفيسبوك في مصر، وهو رقم ضخم جدا إذا ما قورن بتوزيع جميع الصحف الورقية في مصر، الذي لا يتجاوز 300 ألف نسخة يوميا».
وأضاف أمين أن «البعض قد يرى في هذه القوانين قيودا، لكن لا بد من أن نضع في اعتبارنا الظروف والتحديات التي تمر بها المنطقة العربية، التي تعد من أكثر المناطق التهابا في العالم، وهناك جهات تحاول استقطاب الشباب والسيطرة على عقولهم عبر الفضاء الإلكتروني»، موضحا أن «هناك علاقة بين الإعلام والأمن والقومي، وكلما قلت المخاطر على الأمن القومي زادت الحريات، والعكس بالعكس، وذلك للسيطرة على الانحرافات».
وأكد الدكتور أيمن ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا بد من وضع بعض القيود لتنظيم المواقع الإلكترونية التي أصبحت بديلا عن الصحافة»، مشيرا إلى «ضرورة التفريق بين ما هو شخصي وما هو مؤسسي، فالعمل الإعلامي عمل مؤسسي، وهذه القيود أو الرسوم هي محاولة للتأكيد على ذلك، فالمواقع الشخصية يجب أن تبحث لها عن دور آخر غير الصحافة».
وقال الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، إن «المجلس يعمل لحماية المواطنين وتوفير مناخ أفضل للعمل الإعلامي، والرسوم المفروضة على ترخيص المواقع الإلكترونية ليست جباية ولكنها وسيلة لتنظيم العمل الإعلامي»، مشيرا إلى أنه «سيتم رفض ترخيص المواقع التابعة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين».
وتنص المادة «6» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، على أنه «لا يجوز تأسيس مواقع إلكترونية في جمهورية مصر العربية أو إدارتها أو إدارة مكاتب أو فروع لمواقع إلكترونية تعمل من خارج الجمهورية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى وفق الضوابط والشروط التي يضعها في هذا الشأن، مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية المقررة، للمجلس الأعلى في حالة مخالفة أي مما تقدم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها إلغاء الترخيص أو وقف نشاط الموقع أو حجبه في حالة عدم الحصول على ترخيص سار».
وتمنح المادة «33» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام للمصريين، سواء أكانوا أشخاصا طبيعية أم اعتبارية، عامة أم خاصة «الحق في تملك الصحف أو المواقع الإلكترونية الصحافية أو المشاركة في ملكيتها، وفقا لأحكام هذا القانون»، لكن المادة «34» تشترط فيمن يتملك هذا النشاط أو يشارك في ملكيته «ألا يكون محروما من مباشرة الحقوق السياسية، أو صدر ضده حكم في جناية، أو في جنحة مخلة بالشرف، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره».
وتشترط المادة «35» من القانون أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه، «يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة، ولمدة عام»، وذلك بهدف «الإنفاق على أعمالها ولسداد حقوق العاملين فيها في حال توقفها عن الصدور، وفي هذه الحالة تكون الأولوية لسداد حقوق العاملين عن غيرها».
وتحظر المادة «36» على المساهمين في المواقع الإلكترونية من غير المصريين، تملك نسبة من الأسهم تخول لهم حق الإدارة، وتحدد المادة «60» من القانون رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية بمبلغ 50 ألف جنيه، ويصدر لمدة 5 سنوات بموجب المادة «61» من القانون.
وتؤكد مصر أنها تسعى من خلال هذا القانون لضبط المشهد الإعلامي، ومحاربة المواقع التي تنشر الفتنة والإرهاب، وتحاول السيطرة على عقول الشباب، في محاولة لحماية مستقبل الصحافة، ومواجهة الإشاعات والأخبار الزائفة.
لكن قاسم يرى أن «كل هذه الشروط هي مجرد قيود على حرية التعبير، وهي قيود على المواقع والإعلام في الداخل، ولن تنجح في مواجهة الإعلام والمواقع الإلكترونية التي تبث من الخارج»، مشيراً إلى أن «مثل هذه القوانين غير موجودة إلا في أماكن محدودة في العالم، حيث يتعامل العالم مع الإعلام باعتباره نشاطا اقتصاديا، يتوجب عليه دفع الضرائب»، مؤكدا أن «أفضل طريقة لضبط المشهد الإعلامي والارتقاء بمستوى الإعلام والصحافة هي منحه مزيدا من الحرية، والممارسة والمنافسة كفيلة بتحسين الأداء وضبط المشهد».
واتفق معه أمين في «أهمية المطالبة بمزيد من الحريات»، وقال: «أتطلع إلى مزيد من الحريات والأفكار التي ترتقي بالثقافة المصرية وبالإعلام»، لكنه في الوقت نفسه أكد على «ضرورة الموازنة بين المصلحة العامة والحريات»، موضحا أنه «من الطبيعي أن تكون هناك تخوفات من شبهات السيطرة التي يتضمنها قانون تنظيم الصحافة والإعلام، خاصة أنه قانون جديد، لكن ينبغي النظر للقانون في إطار حالة الاستقطاب التي نعيشها».
وأضاف: «سيكون هناك تقييد محسوب وليس مطلقا»، مشيرا إلى أنه «في كل دول العالم، هناك تراخيص لوسائل الإعلام، وهناك مواد وقوانين توضع لحماية المصلحة العامة»، وتابع: «المنظومة في مصر لم تكتمل، ولا بد من إيجاد أدوار للمؤسسات الصحافية ومنظمات المجتمع المدني، وجمعيات الدفاع عن الصحافة، وهذه الأدوار ستعمل على تطوير المهنة وتطوير القانون أيضا، فالجدل المثار حاليا حول القانون أمر مفيد جدا».
وأكد أمين أن الدولة «قادرة» على اتخاذ إجراءات بمنع المواقع التي تبث الكراهية وتحض على الإرهاب من خارج مصر، وقال: «هناك إجراءات متبعة في هذا الصدد في كثير من دول العالم، ومن بينها إنجلترا والسويد وفرنسا، فهناك قواعد للتعامل مع المواقع العابرة للحدود تتخذها الدول لحماية أمنها القومي».
وقال ندا إن «هذه القيود لن تؤدي إلى تحسين المشهد الإعلامي والقضاء على مواقع بث الفتنة والكراهية، فهي لا تتعلق بالمضمون، والمنافسة هي الوسيلة للارتقاء بالمهنة، لكن لا بد من وجود قيود تنظيمية لضمان الجدية»، مشيرا إلى أن «المشهد الإعلامي الراهن في مصر شبيه بالوضع في بدايات القرن الماضي، مع انتشار الإذاعات الأهلية التي كان معظمها ذا أهداف شخصية، عشوائية، وهو الذي تم ضبطه بالقانون عام 1934».
وما زال الجدل مستمرا حول مستقبل الصحافة والإعلام الإلكتروني في مصر، في ظل انتشار الأخبار الزائفة والمفبركة، والشائعات، واتجاه الدولة لفرض مزيد من القيود أو الإجراءات لتقنين أو ضبط أداء المشهد الإعلامي. ويبقى التطبيق هو الوسيلة الوحيدة لتقييم هذه الإجراءات، وما إذا كانت ستنجح في ضبط الإعلام ومحاربة مواقع الفتنة والتطرف، أم ستفرض مزيدا من القيود على حرية الصحافة.