تطبيقات الذكاء الصناعي تكتب نهاية «الأخبار الكاذبة»

فرق بحثية على «فيسبوك» و«غوغل» للكشف عن مروجي الأخبار الكاذبة
فرق بحثية على «فيسبوك» و«غوغل» للكشف عن مروجي الأخبار الكاذبة
TT

تطبيقات الذكاء الصناعي تكتب نهاية «الأخبار الكاذبة»

فرق بحثية على «فيسبوك» و«غوغل» للكشف عن مروجي الأخبار الكاذبة
فرق بحثية على «فيسبوك» و«غوغل» للكشف عن مروجي الأخبار الكاذبة

«الأخبار الكاذبة» أصبحت أخطر سلاح يمكن التلاعب به عبر مواقع «السوشيال ميديا»... وأجمع الخبراء على أن «أفضل وسيلة للحد من انتشارها هي الرجوع للمصادر الرسمية الموثوقة للأخبار».
ففي عام 2016 كانت البداية حينما ظهر مصطلح «الأخبار الكاذبة» في أعقاب الانتخابات الأميركية، ومنذ ذلك الوقت أصبح «فيسبوك» و«غوغل» و«تويتر» تحت مقصلة أجهزة الدول الأمنية، وتطالبها من وقت لآخر بوقف الترويج لتلك الأخبار التي تمس الأمن القومي، والبورصات العالمية، والأمن الغذائي، والرعاية الصحية، وأيضاً قضايا الرأي العام التي تمس الحياة الاجتماعية اليومية لملايين المواطنين.
والآن تقوم فرق بحثية متخصصة في كل من «فيسبوك» و«غوغل» لتطويع الذكاء الصناعي في الكشف عن الأخبار الكاذبة ومروجيها. وأخيراً أطلقت الصين منصة إلكترونية «بياو» تشمل تطبيقاً للهواتف الجوالة تتيح للمواطنين الإبلاغ عن «الأخبار الكاذبة»، وتستخدم أيضاً الذكاء الصناعي للتعرف على التقارير الكاذبة.
وستبث منصة «بياو» أخباراً «حقيقية» مصادرها تقارير من وسائل إعلام تملكها الدولة وصحف محلية تحت إدارة حزبية ووكالات حكومية مختلفة. وتستضيف اللجنة المركزية لشؤون الفضاء الإلكتروني المنصة مع وكالة «شينخوا» الرسمية للأنباء، وتدمج «بياو» بين أكثر من 40 منصة إلكترونية محلية لدحض الشائعات، وتستخدم الذكاء الصناعي للتعرف على «الأخبار الكاذبة»؛ لكن عملياً هل يمكن للذكاء الصناعي أن يكشف زيف الأخبار ووقف انتشارها عبر ملايين الصفحات على الإنترنت؟
منذ عام 2012 تقوم الصين بمحاولات حثيثة لتحليل الخطاب على الإنترنت، والسيطرة على الإشاعات، وفي تقرير صادر عن إدارة الفضاء السيبراني الصينية فقد تم إغلاق 1370 موقعا إلكترونيا يروج للأخبار الكاذبة، وملايين الحسابات الشخصية لمواقع التواصل، والتي تبث معلومات مغلوطة وإشاعات.
ويبدو أن مهمة التحقق من «الأخبار الكاذبة» ستظل مرهونة بجهود بشرية تبحث وتدقق، إلى أن يزيل العلماء الكثير من العقبات أمام الذكاء الصناعي، فقد أكد مارك زوكربيرغ في أحاديث إعلامية حول قدرات الذكاء الصناعي، أن «الأمر ليس بعيد المنال، وأن (فيسبوك) يستخدم كلمات محددة للتنقيب وكشف الأخبار الكاذبة؛ لكن الأمر ليس بهذه السهولة، ويجب أن نطور قدرات الذكاء الاصطناعي على تصنيف المعلومات المغلوطة من المعلومات الصحيحة... وهذا يعني العمل لتطوير نظام تقني يتتبع ما يمكن أن يعتبره الناس (أخبارا كاذبة) قبل أن يعتبروه كذلك بالفعل».
هناك مواقع باتت تكشف زيف واستنساخ المحتوى عبر البحث عن الكلمات المتطابقة؛ لكن إذا كان مصدر «الأخبار الكاذبة» شخصا يمتلك حسابا على موقع تواصل اجتماعي، فإن دحض الشائعة يتطلب بحثا بشريا عن الأمر.
ومن خلال التحري عن أبرز المحاولات في التعرف على «الأخبار الكاذبة» وجدنا أن «سنوب» وهو موقع لتقصي الحقائق عبر الإنترنت من خلال البحث عن الهاشتاغ أو كلمات مفتاحية معينة، أبلى بلاء جيداً في الكشف عن زيف الكثير من الأخبار المتعلقة بالحملات الانتخابية في أوروبا وأميركا، كذلك موقع «بوليتيفاكتس» الذي يقارن الأخبار مع ما تنشره وكالات الأنباء والمواقع الموثوقة للصحف الكبرى، ويقدم تحليلاً للنص يكشف تزييف أجزاء منه... وهناك الكثير من المواقع. ويعمل معهد MIT على مشروع بحثي يقارن ويحلل الأخبار من عدة مصادر بتحليل الخطاب وأسلوب السرد الخبري.
من جهته، قال الدكتور غسان مراد، أستاذ اللسانيات الحاسوبية في الجامعة اللبنانية، مدير مركز علوم اللغة والتواصل لـ«الشرق الأوسط»: «عندما نطرح موضوع التعرف على المعلومات المزيفة أو الزائفة، أي من خلال ما يسمى تطبيقات الذكاء الصناعي، نكون فعلاً في صلب امتحان هذه التطبيقات، لأن التعامل مع النصوص واللغة هو أساس الذكاء الصناعي، وعندما يكون بإمكاننا التعرف على المعلومات الزائفة، نكون فعلاً وصلنا إلى مرحلة الذكاء... ولهذا أشك في ذلك حتى الآن». مؤكداً «هذه العملية في غاية الصعوبة وهي تتعلق بحوسبة اللغة؛ لكن لا يعني ذلك أنه لا يجب علينا أن نجرب ونستكمل الأبحاث في المجال، كي نستطيع الاستفادة من حوسبة اللغة، لأن الإنسان لم يعد باستطاعته معالجة هذا الكم الهائل من المعلومات على أنواعها النصية وغير النصية».
ويلفت مراد، وهو أحد أبرز المتخصصين في مجال الإنسانيات الرقمية في العالم العربي، إلى أن «هناك إمكانية لاستخدام تقنيات البحث عن النصوص التي تحكي عن موضوع محدد والتنقيب، ومقارنة ما يُنشر على شبكات التواصل مع المصادر الأساسية للمعلومات إذا ما وجدت، والتأكد من موثوقية ومصداقية هذه المعلومات، لأنه كما نعلم توجد عدة معايير تحدد موثوقية ومصداقية مواقع الويب».
ويتوقع الكثير من الخبراء والمدونين المهتمين بالذكاء الاصطناعي أن يشهد العقد المقبل الكثير من التطورات في هذا الشأن، خاصة مع الاهتمام البحثي العالمي بالذكاء الصناعي... فوفقاً للباحثة إيلا ستاسكيفير، مديرة الأبحاث بمركز open AI: «علينا أن نطور نظام ذكاء الصناعي يفهم محتوى النصوص والقصص الإخبارية، وللأسف هذا الأمر غير ممكن بالتقنيات الحالية».
وحول إمكانية الاستفادة من الذكاء الصناعي في كشف زيف المحتوى الإخباري العربي، قال مراد: «نظراً لثراء المحتوى الرقمي في اللغات الأجنبية، بالأخص ما يكتب بالإنجليزية نجد الكثير من النصوص ومراكز الأبحاث تنشر دراساتها، لهذا من الممكن المقارنة والتأكد من المعلومات عند نشرها عشوائياً... أما في اللغة العربية هذا الأمر لا يزال صعباً جداً؛ لأن المحتوى الرقمي العربي ما زال ضعيفاً، كما أنه حتى المعلومات الصحيحة (كما المزيفة) تُنشر غالباً دون ذكر المصادر، بالإضافة إلى صعوبة التعرف الآلي على الكلمات والجمل المنشورة على شبكات التواصل، فالمعالجة الآلية للغة العربية رغم أن مراكز الأبحاث تعكف عليها، لا تزال غير مثمرة فعلياً».
وينوه الدكتور غسان مراد إلى «إمكانية الاستفادة بالتطبيقات الحالية التي تعتمد على حوسبة اللغة (أي على الذكاء الصناعي) في تنبيه المستخدم بزيف الأخبار وتترك له خيار البحث». مضيفاً: «كل ذلك يؤكد أنه علينا تعزيز دور الإعلام والإعلاميين قبل نشر المعلومات، ما سيعزز دور الإعلام الكلاسيكي، لأنه ما زال يتمتع بمصداقية، فحسب الإحصاءات العالمية فإن أكثر من 75 في المائة من الناس لا تزال تعتمد على الإعلام الكلاسيكي للتأكد من المعلومات».


مقالات ذات صلة

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

العالم شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكتين لشركة «ميتا» متعطلتان لدى آلاف من المستخدمين في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تامونا موسيريدزي مع والدها (صورة من حسابها على «فيسبوك»)

بعد 40 سنة... سيدة تكتشتف أن والدها الحقيقي ضمن قائمة أصدقائها على «فيسبوك»

بعد سنوات من البحث عن والديها الحقيقيين، اكتشفت سيدة من جورجيا تدعى تامونا موسيريدزي أن والدها كان ضمن قائمة أصدقائها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»

«الشرق الأوسط» (تبليسي )
العالم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)

أستراليا تقر قانوناً يحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم أقل من 16 عاماً

أقر البرلمان الأسترالي، اليوم (الجمعة) قانوناً يحظر استخدام الأطفال دون سن الـ16 عاما لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيصير قريباً أول قانون من نوعه في العالم.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
العالم يلزم القانون الجديد شركات التكنولوجيا الكبرى بمنع القاصرين من تسجيل الدخول على منصاتها (رويترز)

أستراليا تحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً

أقرت أستراليا، اليوم (الخميس)، قانوناً يحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».