تركيا تستنفر لحل أزمة «بنك خلق» تجنباً للعصف بسمعة اقتصادها

«بنك خلق» التركي (رويترز)
«بنك خلق» التركي (رويترز)
TT

تركيا تستنفر لحل أزمة «بنك خلق» تجنباً للعصف بسمعة اقتصادها

«بنك خلق» التركي (رويترز)
«بنك خلق» التركي (رويترز)

تجري أنقرة وواشنطن مباحثات تستهدف تجنب فرض عقوبات محتملة تبلغ مليارات الدولارات على النظام المصرفي وبنك «خلق» الحكومي في تركيا، بعد أن سبق وأدين نائب رئيسه السابق محمد هاكان أتيلا بالتحايل المصرفي من أجل انتهاك العقوبات الأميركية على إيران في الفترة ما بين عامي 2010 و2015. وحكم عليه القضاء الأميركي بالحبس لمدة 3 سنوات.
ولمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى حدوث انفراج في قضية بنك «خلق» مع الولايات المتحدة، عقب اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الأميركي دونالد ترمب يوم الخميس الماضي.
وقال إردوغان في تصريحات الليلة قبل الماضية إنه بحث مع ترمب قضية البنك الذي يواجه احتمال فرض غرامات أميركية بعد إدانة نائب رئيسه السابق بالمشاركة في عمليات لمساعدة إيران على تفادي العقوبات الأميركية.
وأضاف إردوغان أنه ناقش الأمر مع ترمب، وأنه أبلغه بأنه «سيوجه على الفور تعليماته للوزراء المعنيين»، وأن «مسؤولين أميركيين اتصلوا بوزير الخزانة والمالية التركي برات البيراق في اليوم التالي... وأن المحادثات مستمرة بشأن هذه القضية، ومن المهم للغاية أن تبدأ هذه العملية».
وأدين أتيلا في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي بالاختلاس المصرفي والتحايل لانتهاك العقوبات الأميركية في ختام جلسات في مانهاتن دامت أكثر من 3 أسابيع، وقد تؤدي القضية أيضاً إلى فرض عقوبات على النظام المصرفي التركي وفي مقدمته «بنك خلق».
وقالت مصادر تركية إن مساومات جرت بين أنقرة وواشنطن حول قيام تركيا أولاً بتسليم القس الأميركي أندرو برانسون الذي كانت تحاكمه بتهمة دعم تنظيمات إرهابية، قبل أن تفرج عنه بالفعل في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ويعود إلى بلاده، مقابل الإفراج عن أتيلا وإعادته إلى تركيا وعدم إصدار عقوبات على البنك والنظام المصرفي في تركيا. وأضافت المصادر أن المساومات شملت أيضاً إطلاق سراح موظفين محليين يعملان بالقنصلية الأميركية بإسطنبول، وعدد آخر من الموقوفين الأميركيين في تركيا. وأوضحت المصادر أن المسؤولين الأتراك يعطون أهمية قصوى لإنهاء قضية بنك خلق، لأن إدانة البنك بغسل الأموال والالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران، من شأنه أن يضرب السمعة الاقتصادية لتركيا في مقتل؛ لأن معاملاتها التجارية مع العالم تتم من خلاله، وسيعصف بالليرة التركية المنهارة أصلاً، وأنه في حال استجابت واشنطن لهذا الطلب، سيتم لاحقاً بحث قضايا المواطنين الأميركيين الآخرين المعتقلين في السجون التركية، وعددهم 18 شخصا.
وتصر السلطات التركية على عدم حصول أي انتهاكات للعقوبات الأميركية على طهران، مشددة على أنها «لم تكن طرفا» في أي عمليات مصرفية «غير قانونية». ومن المقرر أن يلتقي ترمب وإردوغان في 11 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، على هامش مؤتمر دولي في باريس، وتسود توقعات بأنه سيتم الإعلان عن انتهاء قضية بنك خلق بعد هذا اللقاء.
وتبادلت أنقرة وواشنطن يوم الجمعة الماضي رفع عقوبات فرضت من الجانبين بسبب التوتر الذي صاحب محاكمة القس برانسون. وفي 10 أغسطس (آب) الماضي، ضاعف الرئيس الأميركي الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب التركية إلى 20 و50 في المائة على التوالي، بعد أيام من فرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، متذرعاً بعدم الإفراج عن برانسون وردت تركيا بالمثل.
وتوقعت تركيا أن تكون واحدة من الدول الثمان المعفاة من العقوبات الأميركية على إيران. وسيتم الإعلان عن هذه الدول اليوم (الاثنين).
وقالت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، السبت، إن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران بلغ 10.6 مليارات دولار العام الماضي، و7.4 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة المنقضية من العام الجاري، وهذه الأرقام تدل على أن العقوبات التي فُرضت على إيران في المرحلة الماضية، أثرت على قطاعات مختلفة.
وأضافت أن تركيا مضطرة إلى مواصلة تجارتها مع جيرانها في المنطقة، قائلة: «ننتظر من الولايات المتحدة أن تعفي تركيا من العقوبات في مسألة الطاقة، فنحن لدينا بالفعل اتفاقية مع إيران في هذا المجال، وتركيا مجبرة على الدفع لإيران حتى لو لم تأخذ منها شيئا، في إطار الاتفاقية، ولا يمكنها التراجع».
وتابعت بكجان: «بما أن تركيا ليس لديها احتياطي من الغاز الطبيعي، فإنها مضطرة لضمان حماية شعبها في الشتاء»، مشيرة إلى أن الأنباء الأولية تشير إلى أن تركيا ستكون واحدة من الدول الـ8 المعفية، ونحن ننتظر أن يكون الأمر بهذا الشكل». ولفتت الوزيرة التركية إلى أن تفاصيل قرار العقوبات الأميركية على إيران سيتضح اليوم الاثنين.
وأعلنت واشنطن، يوم الجمعة الماضي، عزمها إعادة العمل بعقوبات نفطية على إيران، رُفعت بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015، مع استثناء 8 دول بشكل مؤقت من تطبيق تلك العقوبات.
والعقوبات المقررة على إيران هي حزمة ثانية تتعلق بالنفط، بعد حزمة أولى اقتصادية، دخلت حيز التنفيذ في 6 أغسطس (آب) الماضي، بعد 3 أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع طهران الموقع في 2015، وإعادة العقوبات الاقتصادية على إيران.
وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، رحب يوم الجمعة، بتصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، المتعلقة بإعفاء 8 دول من العقوبات المفروضة على طهران ووصفها بـ«الإيجابية».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.