«داعش» يقاوم «فرار» عناصره بأكاذيب «النبأ»

الجريدة احترفت التضليل وهاجمت التنظيمات الأخرى

أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يقاوم «فرار» عناصره بأكاذيب «النبأ»

أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)
أحد أغلفة جريدة «النبأ» التي تصدر عن «داعش» («الشرق الأوسط»)

يرى قطاع معتبر من المراقبين والباحثين، أن «المعركة الأولى للتنظيمات الإرهابية، كانت ولا تزال هي معركة الإعلام وصورة التنظيم أمام الرأي العام... واستخدام الصحافة هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب العقول». وتعد جريدة «النبأ» الأسبوعية الصادرة عن ما يسمى «ديوان الإعلام المركزي» التابع لتنظيم داعش الإرهابي، أحد أهم الأدوات الدعائية التي استخدمها التنظيم في نشر أخباره وأفكاره المضللة. وأكدت دراسة مطولة حديثة في مصر، أن «الجريدة احترفت التضليل وهاجمت التنظيمات الأخرى، ويستخدمها التنظيم في مقاومة الانشقاقات و(فرار) عناصره عقب هزائم متتالية طالته في سوريا والعراق».
الدراسة أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تضمنت تحليلاً لمضمون أعداد «النبأ» خلال عام 2017... وكشفت عن اختلال خطاب الجريدة والحديث عن الهزائم، بعدما كانت أداة ساهمت في تجنيد الأتباع عام 2014. وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الدراسة اعتمدت على منهجية كمية وكيفية، فعرضت تصنيفاً للمحتوى الخبري وللمقالات؛ استكشافاً للمسكوت عنه الذي يحاول التنظيم إخفاءه، عندما يركز على إظهار سمة وتوجه ما، فعندما تركز الجريدة على ضرورة الثبات، فهي تخفي تزايداً في أعداد الفارين بغية مواجهة حالات الانشقاق».
و«النبأ» مرآة عاكسة لفكر وممارسة التنظيم، تحترف التضليل في أخبارها وافتتاحياتها ومقالاتها... كما أنها أداة إعلامية تنتهج استراتيجية التنظيم في الصدمة والرعب، فعناوينها تصدم متصفحها بـ«الدماء والأشلاء والتكفير».
وقال المراقبون: إن «داعش» يقاوم الآن للحفاظ على منصاته الإعلامية، التي وفر لها طاقات مالية وبشرية، منذ أول مرة صعد فيها أبو بكر البغدادي على منبر «الجامع الكبير» بالموصل عام 2014 ليعلن عن «دولته المزعومة» التي تهاوت بعد ذلك.

صحافة الدعاية
بلغت العينة التي عملت عليها الدراسة المصرية، التي جاءت بعنوان «التضليل المحترف»، 44 عدداً من الجريدة، شملت 331 خبراً، و223 مقالاً، و7 إنفوغرافات. ويشار إلى أن التنظيمات الإرهابية أدركت مبكراً أن استخدام الصحافة هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب العقول؛ لذا ففي عام 1988 أنشأ زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن إدارة «إعلام القاعدة» بهدف نشر ما يقوم به التنظيم من عمليات في أفغانستان... واستخدم «داعش» كافة أشكال وسائل الإعلام، سواء التقليدية عبر جريدة «النبأ»، أو المتطورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الوكالات الإعلامية.
ويشار إلى أن «النبأ» عكست التطور الذي طرأ على الأداة الإعلامية لـ«داعش» وسعى التنظيم لتوظيف فكرة الجهاد من دون قائد، التي ظهرت مع «القاعدة»، وتقوم على أساس «الجهاد» عبر الإنترنت لأبو مصعب السوري، الذي وثّق لهذه الفكرة عبر مؤلف له بعنوان «الاستراتيجية اللامركزية للجماعات الجهادية»؛ وذلك لضمان استمرار التنظيمات حال مقتل قادتها... وتنظر الجماعات الإرهابية إلى أهمية التغطية الصحافية لما تقوم به على أساس أنه اعتراف صريح بوجودها وبمشروعية ما تقوم به من عنف؛ فظهور القيادات الإرهابية عبر حوارات أو أخبار يحقق لهم شهرة وانتشاراً، من وجهة نظرهم.

تداول إجباري
قالت دراسة الإفتاء: إن الصفحة الأولى لـ«النبأ» تعكس مرايا العدد، والكلمة الافتتاحية إذا كانت مهمة مثل أن تكون كلمة لأحد قيادات التنظيم أو كلمة صوتية تم تفريغها لأبو بكر البغدادي، والعدد يقع غالباً في 12 صفحة، ثم زاد إلى 16... وكانت توزع عقب صلاة الجمعة في النقاط الإعلامية وفي الأسواق والأماكن العامة... وتحتوي الصفحة الأولى على تحذير من إلقاء الجريدة؛ كونها تحتوي على آيات قرآنية وأحاديث، وهذا التحذير يهدف فقط إلى زيادة تداولها بين الأعضاء.
لغة الخبر في «النبأ»، بحسب الدراسة، يغلب عليها الطابع المركزي، الذي يعمل على تجميع الأخبار من مختلف أفرع التنظيم ويضعها في قالب دعائي يستثير حماسة أتباعه، ويقوم بتضخيم أعداد الضحايا في صفوف خصوم التنظيم... فمثلاً أعلنت «النبأ» عن مقتل 572 وجرح 393 في العراق خلال أغسطس (آب) الماضي، وبالرجوع إلى بيانات «منظمة ضحايا حرب العراق» وجد أن عدد القتلى 201، في حين رصدت «المنظمة الدولية» مقتل 90 شخصاً وإصابة 117؛ ما يؤكد أن «النبأ» تقوم بنشر أكاذيب عن عمليات وهمية، وتقوم بتضخيم أرقام الضحايا، في إطار الحرب النفسية التي يشنها التنظيم على دول المنطقة.
وتحتوي «النبأ» على عدد كبير من صور الغرافيك التي تبعث موضوعاتها دلالات كثيرة، جاءت أغلبها في الفترة الأخيرة عبارة عن رسائل إيمانية لمقاتلي التنظيم، كما حوت موضوعات ركزت على وجهة نظر التنظيم في «الانتخابات والديمقراطية».
وأكدت الدراسة، أن مجموعة المقالات التي اختصت بمنظومة القيم الدعوية مثلت أكثر من 25 في المائة من مجموع المقالات خلال عام؛ وهو ما يشير إلى أهميتها، حيث يسعى التنظيم إلى توظيفها لبث قيم تخدم الطابع التجنيدي القائم على «السمع والطاعة»، والحفاظ على هياكله الداخلية في مواجهة عمليات الانشقاقات وتثبيت عناصره في المواجهات... ومن بين هذه القيم «حفظ الأسرار، والصبر، والصمت، وتجنب المعاصي، والثبات».

نصيحة في مقال
تناولت أعداد الجريدة أيضاً مقالات حملت نصائح أمنية للعناصر، تمحورت حول مجموعة تقنيات تتعلق بتنفيذ العمليات. وأهمية «الصولات الهجومية» في إيقاع الخسائر التي تتم عن طريق مجموعات صغيرة من «الذئاب المنفردة». وآلية استخدام العبوات الناسفة. وطرق التصدي للحملات الأمنية.
وأشار مستشار مفتي مصر إلى «تناقض منظومة القيم التي يدعيها التنظيم بشكل كامل مع واقع ممارساته التي قامت على استباحة الدماء للأبرياء وارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية من نشر الرعب بمشاهد الذبح والحرق وقتل الرجال والنساء وتدمير ممتلكات المسلمين».
وكشف الباحثون، معدّو الدراسة، عن أن الجريدة ضمت في صفحاتها الأخيرة مجموعة من الفتاوى بمتوسط 2 في العدد... وركزت هذه الفتاوى على العبادات بمعدل 6 فتاوى خاصة بالصلاة والاعتكاف، و3 بالصيام، و4 بالأضحية والنذر، و2 بالزكاة. أما ما يتعلق بالمعاملات العائلية، فهي عبارة عن 3 فتاوى حول تعدد الزوجات، وعقوق الوالدين، وسفر المرأة، فضلاً عن فتاوى أقل حول «الجهاد ونيل الشهادة والديون».
وتظهر الأرقام، أن هناك اهتماماً أقل بفتاوى القتال لصالح المعاملات العائلية، وهو ما يبرز تركيزهم على قضايا الاختلاط والزواج، وأنهم يريدون التحكم في العلاقات الاجتماعية قسراً، وإشارة إلى الهوس الجنسي... كما أن تساوي عدد فتاوى الديون مع الجهاد يشير إلى أن المنضمين للتنظيم يعانون من الفقر، وهم ما يستهدفهم بخطابه.

خداع العناصر
أكد الباحثون، أن الجريدة لجأت إلى عرض سير بعض «الإرهابيين» الذين قتلوا أثناء تنفيذ عمليات انغماسية، أو في عمليات استهداف أوكار التنظيم، باعتبارهم أبطالاً؛ بهدف كسب تعاطف العناصر للإقدام على نيل الشهادة وتنفيذ عمليات خاصة.
وعن اعتراف «داعش» بهزائمه في جريدة «النبأ»، أكدت الدراسة، أن التنظيم يدرك أنه لم يعد هناك مجال للاستخفاف بعقول أنصاره... فلم تعد «دولته المزعومة» باقية وتتمدد، ومن هنا كانت هناك ضرورة للمصارحة والمكاشفة أمام عناصره لمحاولة استعادة الثقة المفقودة، مع الدعوة إلى الصبر. لكن خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة تحول خطاب الجريدة لتأكيد أن «داعش» دين ودولة، وأن ما يعاني منه التنظيم هو ضريبة للجهاد.
وقال الباحثون: إن ذلك الخطاب في ظل مساعي التنظيم لاستعادة نشاطه الميداني والإعلامي في العراق وسوريا والعودة إلى وضع ما قبل 2014، وهو ما ركز عليه البغدادي في خطاباته للحفاظ على معاقل التنظيم في سوريا، والقتال في جبهات مفتوحة واستخدام «الذئاب المنفردة» وبخاصة في أوروبا، وتوظيف «مهاجمة العدو البعيد»، وعلى رأسها أميركا وروسيا والدول الأوروبية لإعادة كسب ثقة الأنصار الفارين واستقطاب عناصر جديدة.

تجنيد {الإخوان}
وحول رؤية التنظيم نفسه في مرآة التنظيمات الإرهابية الأخرى، أشار الباحثون إلى سعي التنظيم من خلال الجريدة إلى تضليل عناصره بمحاولة إقناعهم بأنه التنظيم الأوحد الذي يسعى إلى إقامة الدولة – على حد زعمهم -، أما باقي الفصائل والجماعات التي لم تبايعه فهي لم تقدم للإسلام شيئاً. فهاجمت الجريدة «صحوات الشام»، و«الفصائل المسلحة في سوريا»، و«حراس الدين»، وجماعة «الإخوان» الذي سعى التنظيم لاستمالة عناصرها بانتقاد منهج الجماعة الفكري، كما اشتبكت الجريدة مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
وكشفت الدراسة عن سبع أزمات هيكلية ضربت التنظيم وأظهرتها أعداد «النبأ»، هي، خسارة الرهان على الفروع الكبرى، ومنها «ولاية سيناء» في مصر بعد نجاح «العملية الشاملة في سيناء 2018»، وتزايد أعداد الفارين والمنشقين من التنظيم، فضلاً عن الانقسامات والخلافات الداخلية بين صفوفه عقب الهزائم التي لحقته في العراق وسوريا. وكذا تفكك العقيدة القتالية والدعوية لدى عناصره. والإفلاس القيمي والإعلامي. والتراجع الشديد في التخطيط المركزي وغياب الاستراتيجيات. وانتشار ضعف القوة الإيمانية والنفسية لدى العناصر وفقدانهم الثقة بالتنظيم. وانتشار المعاصي والانحرافات السلوكية بين عناصر «داعش».
وقدمت الدراسة المصرية توصيات للتصدي للدعاية السوداء التي تطلقها «النبأ»، أهمها، إيجاد آلية تضمن استبدال المحتوى العنيف بمحتوى آخر معتدل. وحظر الوجود العنيف على المنصات الإلكترونية والعمل على حذفها بشكل سريع وعاجل وملاحقتها في المنصات كافة المنتشرة في مختلف الدول. فضلاً عن العمل على إيجاد منصة عالمية تقوم بفضح الأكاذيب التي تتعلق بالعمليات الإرهابية وضحاياها. إضافة إلى البحث العلمي والأمني لإصدارات التنظيمات الإرهابية، والكشف عما إذا كانت تحتوي على رسائل «مشفرة» لأعضاء التنظيم بخصوص القيام بالعمليات الإرهابية.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.