السودان ينتقد أميركا بعد تمديدها قانوناً يعتبره «تهديداً للأمن القومي»

TT

السودان ينتقد أميركا بعد تمديدها قانوناً يعتبره «تهديداً للأمن القومي»

أبدت الحكومة السودانية أسفها لقرار الإدارة الأميركية تمديد حالة الطوارئ المعلنة من قبلها تجاه السودان، واعتبرته «محاولة لفرض المعايير الأميركية على الآخرين»، ولا يتسق مع التعاون القائم بين البلدين في كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الخميس، قراراً تنفيذياً جدد بموجبه حالة الطوارئ الوطنية، التي تفرضها الولايات المتحدة على السودان، وأرجع قراره إلى أن حكومة السودان «ما تزال تشكل تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية».
وبحسب الأمر التنفيذي، فإن حكومة السودان انتهجت إجراءات وسياسات تعزز استمرار «حالة الطوارئ الوطنية»، المفروضة وفقاً للأمر التنفيذي الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1997، وتوسيعه إلى الأوامر التنفيذية الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ويناير (كانون الثاني)، ويوليو (تموز) 2017 تباعاً.
وقال أبوبكر الصديق، المتحدث باسم الخارجية السودانية، في تصريح صحافي أمس رداً على القرار الأميركي، إن وزارته تأسف لتمديد حالة الطوارئ المشار إليها، في وقت تتواصل فيه الجهود للتعاون بين البلدين، ووصل فيه الحوار بين الدولتين مراحلة متقدمة.
وانتقد الصديق تبرير الإدارة الأميركية للأمر التنفيذي بكونه جاء نتيجة لـ«اعتبارات إجرائية وقانونية خاصة بالإدارة الأميركية»، ووصفه بأنه «غير مقبول»، وقال بهذا الخصوص: «ليس من العدل ولا من المنطق أن تظل العلاقات الثنائية للبلدين ضحية تعقيدات قانونية، تخص الولايات المتحدة وحدها». مشدداً على أن الخطوة الأميركية «لا تتسق وروح التعاون البناء القائم بين البلدين في قضايا كثيرة ذات اهتمام مشترك... وهو تعاون أقرّت به الإدارات الأميركية المتعاقبة، وأزالت بمقتضاه العقوبات الاقتصادية والتجارية، التي فرضتها على السودان سابقاً».
في غضون ذلك، سخر الصديق مما أسماه اعتراف الأمر التنفيذي بالتعاون والتطور في علاقات البلدين بقوله «لم يغفل الأمر التنفيذي الذي صدر أمس هذا التعاون، وأشار إليه في تناقض مستغرب». وجدد المتحدث باسم الخارجية التزام حكومة بلاده بمسؤولياتها تجاه السلم الإقليمي والأمن الدولي، موضحاً أن السودان «سيظل ملتزماً بالنهوض بمسؤولياته تجاه السلم الإقليمي والأمن الدولي، عملاً بسياساته ومنطلقاته الوطنية».
ووصف الصديق تصنيفات الولايات المتحدة الأميركة بـ«التناقض وعدم الموضوعية»، ودعا الإدارة الأميركية للوفاء باستحقاقات التعاون بين البلدين، بقوله: «بغض النظر عن تصنيفات الولايات المتحدة التي لا تكشف إلا عن التناقض وعدم الموضوعية، فإن السودان يدعو الإدارة الأميركية للوفاء باستحقاقات التعاون الراهن، الذي ارتضاه البلدان، وإلى احترام مبادئ القانون الدولي، التي تقيم التعاون بين الدول على المساواة الكاملة في السيادة».
كما أشار الصديق إلى أن صدور القرار يوجب تنبيه الإدارة الأميركية بأنها غير محقة في محاولة فرض معاييرها الداخلية على الآخرين، وقال بهذا الخصوص: «ننبه الإدارة الأميركية إلى أن ذلك يقتضي عدم أحقية أي دولة بفرض معاييرها الداخلية على الآخرين».
وبحسب النشرة، فإن الخطوة الأميركية لا تتناسب والحوار المتقدم الذي يديره مسؤولون في الولايات المتحدة والسودان لتطبيع العلاقات، ويستهدف شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في الجولة الثانية من الحوار بين البلدين، والذي أعلن بدئه الشهر الماضي. وكانت الحكومة الأميركية قد رفعت في أكتوبر 2017 حظراً تجارياً واقتصادياً ظلت تفرضه على السودان منذ عام 1997. بيد أنها أبقت عليه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي أدرجته فيها منذ عام 1993.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.