الوضع المالي داخل نادي توتنهام بدأ يترك تأثيره على المدرب الناجح ماوريسيو بوكتينيو الذي يشعر بالسأم إزاء سياسات التقشف، في زمن تتسابق فيه الأندية الكبيرة للصرف بقوة لتدعيم صفوفها.
أنصح عشاق كرة القدم بأن يدخروا المال، وتحاشي إنفاقه على الاشتراكات التلفزيونية الباهظة. بدلاً من ذلك، يمكنكم خلق نقاش فيما بينكم على غرار النقاشات التي يثيرها برنامج كرة القدم مساء الاثنين على قناة سكاي سبورتس الإنجليزية، من خلال الوقوف خلف مكتب والصياح بعبارات من عينة صافي 29 مليون جنيه إسترليني! و500 مليون أنفقت على استاد! وذلك بصوت مرتفع للغاية لدرجة يتعذر سماعها سوى من جانب الأسماك والكلاب والقواقع، قبل الانخراط في نقاش ميتافيزيقي حول ماهية النجاح في عالم أصبح يفتقر إلى أي معنى حقيقي يوماً بعد آخر.
من بين الغرائب الكثيرة في المقارنة التي عقدت بين توتنهام هوتسبر ومانشستر سيتي فيما يتعلق بمجمع ويمبلي الرياضي، الاثنين، مشهد انجذاب غاري نيفيل وجيمي كاراغر إلى داخل موجة الشك العام السائدة حول ماهية الموقف الذي يتخذه نادي توتنهام هوتسبر ومدربه على وجه التحديد في الوقت الراهن.
وعلى ما يبدو، يجد الاثنان نفسيهما محصورين بين القديم والجديد، مع وجود ثقل متنام يخيم بظلاله على كل تحرك أو قرار. في الواقع، تبدو هذه أشبه بلحظة تيه في تاريخ النادي. ومع هذا، فإنه ليس ثمة سبب يدعو للتشكك في جدوى خطة دانييل ليفي رئيس توتنهام، أو الشعور بأي شيء بخلاف الألم الحتمي في مثل هذا الموقف ـ إنها لحظة تتطلب الثبات وعدم التراجع.
إضافة لذلك، تحول هذا الأمر إلى اختبار نادر لثقة وطموح ماوريسيو بوكتينيو، والذي يواجه مسألة ربط مسيرته المهنية بصورة وثيقة بمشروع بناء جرى تصميمه وإطلاقه منذ أكثر عن 10 سنوات ماضية، بينما كان لا يزال يدرس للحصول على ترخيص لمزاولة مهنة التدريب.
من ناحية أخرى، لا تعتبر الهزيمة أمام مانشستر سيتي بنتيجة 1 - 0 كارثية على الإطلاق، فقد كان باستطاعة توتنهام هوتسبر تحقيق التعادل في المباراة بسهولة. أما فوز مانشستر سيتي، فقد تحقق لأن موارد الفريق في قلب الملعب كانت كافية لدعمه خلال ليلة عصيبة وأرضية ملعب سيئة. واللافت أن مانشستر سيتي امتلك القدرة على ترك كيفين دي بروين على مقعد البدلاء، في استعراض مذهل، لكنه مثير للقلق، للقوة الإبداعية. كان دي بروين أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي خلال النصف الأول من الموسم الماضي، لكن عصف به الإرهاق والإصابات. ولذلك نجد أنه منذ يناير (كانون الثاني)، أحرز دي بروين هدفاً واحداً في إطار بطولة الدوري الممتاز، لكن مانشستر سيتي لم يتراجع أداؤه خلال تلك الفترة. ويبدو أن الوقت يمر سريعاً هناك.
ويمثل هذا درساً سيزداد إدراك توتنهام هوتسبر ورئيسه ليفي أكثر عن أي ناد أو شخص آخر. لقد بدا معلب ويمبلي مكاناً غريباً، يوم الاثنين. وبدت الأماكن العليا به شبه خالية، بينما خيم الهدوء على المدرجات لفترات طويلة، تخللتها نوبات من التذمر وصيحات الاستنكار. وعلى امتداد المباراة، ظل بوكتينيو على خط التماس، حيث استمر في السير ذهاباً وإياباً بينما كان يرتدي ملابس سوداء تماماً ويضع يديه في جيوبه، وبدا أشبه بشخص يقدم العزاء بإحدى الجنازات.
وبعد المباراة، تحدث بوكتينيو بحماس مصطنع حول مدى سعادته، بعد أن كان قد تحدث قبل المباراة عن أنه يخالجه أسوأ شعور منذ خمس سنوات داخل توتنهام. في اليوم ذاته، صدر قرار طرد جولين لوبيتيغي من منصبه كمدرب لـريال مدريد. ومن الواضح أن بوكتينيو تراوده الرغبة في تولي هذا المنصب عند نقطة ما في مسيرته، ذلك أن ولاءه تجاه توتنهام لا ينبغي مطلقاً أن يخيم بظلاله على طموحه القوي.
تميل غالبية الآراء إلى أن بوكتينيو سيبقى مع توتنهام هوتسبر. ومن المقرر أن يوقع في مايو (أيار) عقداً لمدة خمس سنوات، وذلك بأجر أعلى بالتأكيد. وداخل الملعب، يقدم توتنهام أداءً جيداً بما يكفي. علاوة على أن بوكتينيو فيما مضى تحدث بإخلاص عن رغبته في قيادة الفريق داخل أرض الاستاد الجديد، وسعيه الحثيث لجني ثمار سياسة التقشف التي عايشها النادي في الفترة الأخيرة، إضافة لتحقيق حلم الفوز ببطولة الدوري الممتاز مع الفريق.
عند لحظة معينة، بدأت الأصوات تخفت تدريجياً ويسود صمت مقلق، وذلك لأنه خلال الشهور القليلة الماضية ثمة أمور أخرى بدأت في الحدوث. على رأس هذه الأمور تجاوز تكلفة جميع مشروعات المباني الكبرى المبالغ التي كانت مخصصة لها. أما بالنسبة لتكلفة استاد وايت هارت لين 2. فقد تفاقمت بصورة بالغة لتتجاوز مليار جنيه إسترليني. وسرب توتنهام هوتسبر أنباء، قبل أيام بخصوص إقدام النادي على اقتراض 237 مليون جنيه إسترليني أخرى من البنوك لتغطية هذا الارتفاع في التكاليف. وبمرور الوقت تحولت مسألة الألم قصير الأجل من أجل مكسب على المدى المتوسط إلى فكرة بعيدة، وربما بدأ هذا الوضع الخانق في ترك تأثير سلبي على بوكتينيو تحديداً أكثر عن أي شخص آخر.
حتى اليوم، حقق بوكتينيو نجاحاً مدوياً مع توتنهام، حيث يبدو التعريف الوحيد المنطقي للنجاح هو معدل ما يمكن تحقيقه قياساً إلى السبل المتاحة لديك. لقد نجح بوكتينيو في قيادة الفريق نحو المشاركة في ثلاثة مواسم ببطولة دوري أبطال أوروبا بإجمالي نفقات بلغت 18 مليون جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس الماضي، وذلك بالاعتماد على فريق جرى تدريبه وتطوير مهاراته وتعزيز بالاعتماد على موارد داخلية فحسب، الأمر الذي يشكل إنجازاً ليس بالهين.
أما الخطوة التالية، فتبدو أقل وضوحاً. واللافت أنه منذ بضعة شهور توقف بوكتينيو نفسه عن الحديث بنبرة متفائلة عن المستقبل، وتقبل فكرة أن الأموال لن تهبط من السماء بمجرد الانتهاء من الاستاد الجديد. وكل ما يستطيع بوكتينيو فعله الآن محاولة المضي قدماً تبعاً للوضع الراهن.
ومع هذا، تظل الحقيقة أن المسيرات المهنية في عالم كرة القدم قصيرة بطبيعتها، وقد أنجز بوكتينيو من جانبه هذا المستوى. وقد حقق بالفعل إنجازات تفوق المأمول، وذلك بالاعتماد على سياسات مفرطة في التقشف. ويبدو النموذج الأقرب لهذا الوضع آرسنال، حيث تبدو سنوات الجفاف الأخيرة في عهد آرسين فينغر مثالاً غير مشجع بالنسبة لمدرب متعطش للفوز ببطولات.
من ناحية أخرى، تبقى احتمالية ألا تفلح خطوة الانتقال للاستاد الجديد، لصنع السعادة أو بناء روح الفريق أو محاولة حصد بطولات، أو بمعنى أدق تنجح على نحو يبدو منطقي بالنسبة لأولئك الذين يحكمون على نادي كرة القدم كمشروع تجاري، وليس كآلة. ومثلما الحال مع كل خطوة متعطشة لتحقيق مزيد من الأرباح والمكاسب داخل لندن، تعتمد إعادة تطوير ملعب «وايت هارت لين» على فكرة أن النمو الاقتصادي طويل الأمد سيؤدي إلى قدر أكبر من السعادة ـ لكن يظل التساؤل هنا: ما هي السعادة بمجال الرياضة، وما هي السعادة داخل نادي مثل توتنهام هوتسبر أو آرسنال أو وستهام يونايتد؟
ويبقى تساؤل هنا: هل كان توتنهام ليصبح أسعد حالاً اليوم لو أنه اختار بدلاً من بناء ملعب جديد، تحسين ملعبه القديم، وإعطاء 200 مليون جنيه إسترليني لإنفاقها والاستمتاع بها اليوم، في محاولة للفوز ببطولات ومنح الجماهير ما تتوق إليه حقاً ـ المجد؟ ربما كان هذا صحيحاً على المدى القصير.
من جانبه، فإن بوكتينيو يتميز بقدر كبير من اللياقة وعمق الإدراك لواجباته على نحو يمنعه من إظهار شعوره بالإحباط علناً، لكن هل هو راضي حقاً عن الوضع الراهن؟ الأمر الأكيد أنه إذا كانت هناك سبل لتوفير الأموال الإضافية اللازمة لتغطية النفقات التي تجاوزت التقديرات المسبقة، فإنه يمكن توفير المال أيضاً لتلبية احتياجات بوكتينيو قدر المستطاع. والمؤكد كذلك أن خسارة المدرب الآن ستخلف تداعيات كارثية على الفريق، خاصة أنها ستعني على الأقل خسارة عدد من اللاعبين المحوريين. ومع أن هاري كين ربما يستمر في صفوف الفريق، فإن ريال مدريد ربما يسعى خلف كريستيان إريكسن وديلي ألي.
إلا أن بوكتينيو لا يرغب في الرحيل والاحتمال الأكبر أنه لن يقدم على هذه الخطوة، على الأقل في الوقت الراهن. ورغم ذلك، فإنه في اللحظة التي يرى فيها مسيرته المهنية تتردى من كونها محط موجة من الثناء المستمر إلى أن تصبح محور نقاش فلسفي حول معنى النجاح في خضم سياسات رياضية متقشفة، فإنه سيصبح له كل الحق في التفكير في هذه الخطوة.
سياسة التقشف تهدد استمرار بوكتينيو مع توتنهام
المدرب الناجح أثبت ولاءه للفريق الإنجليزي لكن هل يقاوم إغراءات ريال مدريد؟
سياسة التقشف تهدد استمرار بوكتينيو مع توتنهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة