قراءة في التحولات السياسية الراديكالية بدول أميركا اللاتينية

جاءت فرصة الشعبوية... لأن الديمقراطية أثبتت أنها لا تحمل حلولاً سحرية

قراءة في التحولات السياسية الراديكالية بدول أميركا اللاتينية
TT

قراءة في التحولات السياسية الراديكالية بدول أميركا اللاتينية

قراءة في التحولات السياسية الراديكالية بدول أميركا اللاتينية

تكفي جولة سريعة على التحوّلات في المشهد السياسي العالمي خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصة في بلدان الديمقراطيات البرلمانية، لنتبيّن كيف راحت معادلة اليمين واليسار التي قامت عليها منظومة الأحزاب والقوى السياسية في هذه البلدان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تنحلّ تدريجيّاً في مياه التيّارات التي تتشكّل حول المنازع القومية والشعبوية، لتقوم مكانها معادلة جديدة لم تتضّح معالمها ولم تترسّخ صيغتها النهائية بعد.
وكما يقول أنشط المنظّرين الأساسيين للفكر الشعبوي واليميني المتطرّف في الولايات المتحدة ستيف بانون، الذي كان «مهندس» وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وساعده اليمنى في الأشهر الأولى من ولايته إن «العالم سيكون مضطراً للمفاضلة بين اثنين: شعبوية اليمين أو شعبوية اليسار». هل نحن إذن أمام ظاهرة ظرفيّة تولّدت من التداعيات الاجتماعية الحادة للعولمة الاقتصادية، تتلاشى بزوال هذه التداعيات ومعالجتها؟ أو هو منعطف تطوّري يقوم على أشلاء الأحزاب التقليدية كما عرفناها إلى اليوم ليستقرّ في مسرى التاريخ السياسي العالمي؟
الفوز الذي حققه المرشّح الشعبوي واليميني المتطرّف جاير بولسونارو في انتخابات الرئاسة البرازيلية نهاية الأسبوع الماضي، جاء ليتوِّج صعود القوى اليمينية في معظم بلدان أميركا اللاتينية خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ويرسّخ تمدّد الحركات الشعبوية في العالم منذ الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2008، وبقدر ما كان هذا الفوز شبه كاسح - بل وغير متوقّع منذ أشهر قليلة - بقدر ما يُنتظر أن تكون له تداعيات في الجوار الإقليمي، كما على الساحة الدولية، نظراً لثقل اقتصاد البرازيل ودورها الوازن في النظام العالمي المتعدد الأطراف.
الموجة اليمينية كانت عارمة في عدد من الدول الأميركية اللاتينية الكبيرة: ماوريسيو ماكري في الأرجنتين، وسباستيان بينييرا في تشيلي، وإيفان دوكيه في كولومبيا. وحدها المكسيك شذّت عن هذا النزوع إلى اليمين، لكن وصول اليساري مانويل لوبيز أوبرادور إلى الرئاسة المكسيكية جاء محمولاً على خطاب قومي، ومغلّفاً ببرنامج شعوبي من الوعود التي يمكن لأي مرشح يميني أن يتبنّى معظمها.
ومن ثم، يلاحظ مواِكب الأوضاع في بلدان أميركا اللاتينية منذ استقلالها إلى اليوم، أن هذه المنطقة تكاد تعيش على خط زلازل سياسية واقتصادية لكثرة التقلّبات والاهتزازات القويّة التي تشهدها باستمرار، بحيث ما إن تلبث وتنعم بمرحلة من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والرفاه، حتى تعقبها مرحلة من الاضطرابات والركود والأزمات الاجتماعية.
يستهلّ غابرييل غارسيا ماركيز رائعته الشهيرة «مائة سنة من العزلة» بالمقطع التالي: «ستنقضي سنوات كثيرة قبل أن يقف الكولونيل أورليانو بوينديّا أمام كتيبة الإعدام ويتذكّر تلك العشيّة البعيدة عندما رافقه والده ليتعرّف على الجليد».
تدور رواية ماركيز، الأديب الكولومبي العالم وحامل جائزة نوبل للآداب، حول حياة سكّان قرية متخيّلة في مجاهل كولومبيا وهم يتعرّضون من فترة لأخرى إلى ما يسمّيه اليوم علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع «الصدمة الخارجية». الرواية ليست مجرّد سرد للصدمات الخارجية التي يواجهها سكّان قرية ماكوندو، وللاضطرابات التي تغيّر مسار حياتهم من حين لآخر. إلا أنها استعارة مناسبة لتناول الاهتزازات السياسية والتقلّبات الاقتصادية والاجتماعية الشديدة التي تعيشها أميركا اللاتينية باستمرار.
- من الثراء إلى الأزمات
الأرجنتين كانت في مطالع القرن الماضي دولة دائنة لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، والبرازيل تملك خزّاناً لا مثيل له في العالم من الموارد الطبيعية، والمكسيك تنعم بثروات نفطية ومعدنية وزراعية هائلة... فما الأسباب التي تحول دون رسوخ هذه البلدان على أنظمة اقتصادية وسياسية مستقرّة، خاصة أنها لا تعاني من صراعات إقليمية تُذكر ولم تكن طرفاً في المواجهات العسكرية العالمية الكبرى؟
تفيد دراسة وضعتها مؤخراً «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لأميركا اللاتينية» أن ثلاثة أرباع سكّان شبه القارة الأميركية ليسوا راضين عن النظام الديمقراطي الذي يرون فيه «... ملجأ لجماعات الفاشلين والمشبوهين الذين يسعون من خلاله لمنفعتهم وخدمة مصالحهم الخاصة، وأرضاً خصبة لكل أنواع الجرائم الصغرى والكبرى». ليسوا راضين، لكن غالبيتهم لا تملك بديلاً عن النظام القائم. أليست «الديمقراطية أسوأ النظم السياسية، باستثناء كل النظم الأخرى»... كما كان يقول ونستون تشرتشل؟
عدد الفقراء في الأرجنتين اليوم خمسة أضعاف ما كان عليه منذ 35 سنة، والبلد على أبواب كارثة مالية واجتماعية جديدة بعدما فقدت العملة نصف قيمتها منذ مطلع العام الحالي. ومعدّلات الإجرام والفساد في المكسيك تبدو من كوكب آخر، فيما تحتلّ البلاد المرتبة الأولى في العالم من حيث الفوارق الاجتماعية وتنزف مواردها البشرية إلى الولايات المتحدة حيث يعيش أكثر من 22 مليون مكسيكي حالياً. والبرازيل «بلد المستقبل» و«رئة العالم» تمرّ منذ سنوات بأصعب أزمة اقتصادية منذ استقلالها ويراقب العالم كيف تنهار مؤسساتها، التي ينخرها الفساد، وكيف يحصد العنف مع كل شروق شمس أرواح 176 مواطناً.
كل هذا حصل خلال أطول فترة تعاقبت فيها الأرجنتين كانت في مطالع القرن الماضي دولة دائنة لفرنسا وألمانيا وبريطانيا الحكومات الديمقراطية على هذه البلدان، ما رسخّ الاعتقاد عند كثيرين بأن النظام الديمقراطي السائد ليس هو الحل السحري لكل هذه الأزمات.
- تحديات عصر العولمة
في ظل العولمة، لم تعد مواقع النفوذ والسلطة بحاجة إلى الأنظمة العسكرية للسيطرة على مقاليد الحكم ومراكز القرار. وعلى مدى ثلاثة عقود أدرك المواطن أن الديمقراطية لا تكفي لردع الفساد والتصدّي للجريمة والعنف الاجتماعي ومكافحة الفقر والنهوض بمستوى التعليم والعناية الصحية.
قد لا تكون الديمقراطية هي السبب في تفاقم كل هذه الأزمات، لكنها كانت قائمة وكان عجزها مكشوفاً وفاضحاً.
حزب العمّال الذي هيمن على الحياة السياسية في البرازيل منذ أكثر من عشرين سنة، ويفاخر بأنه انتشل 23 مليوناً من براثن الفقر وحققت البلاد على عهده أكبر طفرة اقتصادية في تاريخها، انتهى أمره بسجن زعيمه والرئيس الأسبق «لولا» (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) بتهمة الفساد واختلاس الأموال العامة، وعزل الرئيسة السابقة ديلما روسّيف بتزويرها أرقام الموازنة. هذا ما يفسّر حصوله على 30 في المائة فقط من الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وهزيمته الواضحة في الجولة الثانية أمام مرشّح مغمور ومتهوّر لم تكن شعبيته تزيد على 15 في المائة قبل أربعة أشهر. ويسود الاعتقاد أن المسؤول الأوّل عن هذه الهزيمة هو «لولا»، الذي أصرّ على ترشيح نائبه فرناندو حدّاد، رافضاً التحالف مع المرشّح اليساري الآخر سيرو غوميش... الذي لا يحمل وِزر فضائح الفساد التي هزّت حزب العمّال وأثارت موجة عارمة من السخط والرفض لكل رموزه.
المشهد نفسه كان قد تكرّر في الأرجنتين، بعد ثلاث ولايات من حكم عائلة كيرشنير التي غاصت حتى رموشها في الفساد، حيث تخضع الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز كيرشنير منذ أشهر لسلسلة من الملاحقات القضائية... وكذلك في المكسيك التي لم يترك الفساد فيها مؤسسة إلا ونخرها من أدنى المستويات إلى أعلاها.
- الحالة البرازيلية
لكن البرازيل، في مقاربتها لظاهرة جاير بولسونارو والتعاطي مع فوزه، توشك أن ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته فنزويلا عندما دمجت بين الأسباب والمسببات... وانتهى بها الأمر إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه حاليّاً. المشكلة الحقيقية، في الحالتين، ليست عقائدية بقدر ما هي وليدة اليأس والإحباط الاجتماعي.
فشل الحكومات السابقة واستشراء الفساد فيها مهّدا لوصول هوغو شافيز و«خلفه» نيكولاس مادورو إلى الحكم، حيث تفاقمت الأزمات على عهديهما وأصبحت الحياة لا تطاق في فنزويلا. ويجدر التذكير بأنه سبق لبولسونارو أن أعرب عن شديد إعجابه بشافيز وقال إنه يتمنّى أن «تصل فلسفته إلى البرازيل»، ما يدفع إلى التخوّف من أن تسير البرازيل (اليمينية) على خطى فنزويلا (اليسارية) إذا ما تعثّر التعايش بين الغالبية الحالية والغالبية السابقة. حسناً تفعل النُخب الثقافية والسياسية عندما تحذّر من مخاطر وصول بولسونارو إلى رئاسة البرازيل، لكنها تخطئ عندما تلقي باللائمة على آيديولوجية معيّنة تولّدت محليّاً أو حملتها الموجة اليمينية العالمية إلى شواطئ البرازيل. إذ تبيّن دراسات علم الاجتماع السياسي أن طموحات المواطن عادة هي دون الأهداف والعناوين الكبرى التي ترفعها الأحزاب في برامجها السياسية والحملات الانتخابية...
المواطن عادة يكتفي بفسحة من الأمل، وبقدر معقول من الصراحة والنزاهة، وبألا توجّه إليه أصابع الاتهام عند كل أزمة اقتصادية بأنه كان يعيش فوق إمكاناته.
ومما يفاقم من أزمة صعود القوى الشعبوية أن الأحزاب التقليدية قد اكتفت، حتى الآن، بتوجيه الاتهامات إلى هذه القوى بأنها تهدف إلى القضاء على النظام القائم. ولكن لم نسمع أيّاً من هذه الأحزاب التقليدية يمارس النقد الذاتي العلني، ويعترف بمسؤولياته عن جموح العولمة التي زادت من حدة الفوارق الاجتماعية بشكل غير مسبوق منذ عقود.
وإذا كانت الموجة الشعبوية في أوروبا قد تقدّمت على وقع أزمة الهجرة، التي فشلت الأحزاب التقليدية في معالجتها وإدارتها، بعد الصدمات الاجتماعية التي تسببت فيها الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن الصعود السريع للشعبويين اليمينيين في أميركا اللاتينية مردّه إلى الأسباب الرئيسية الأربعة التالية:
أوّلاً، التقدّم في الحقوق التي حصلت عليها ما تسمّى «الأقليّات الجنسية»، الذي قابلته ردّة فعل قويّة مناهضة في الأوساط المحافظة والجماعات الدينية التي تعتبر المثليّة الجنسية مرضاً اجتماعياً. وهذه الأوساط ترفض أن تمنح تلك الأقليات أي اعتراف اجتماعي أو سياسي، أو أن تُعطى حقوق الوراثة والتبنّي، التي تعتبرها ضرباً من الانحطاط الاجتماعي.
ثانياً، المساواة بين المرأة والرجل في كل الميادين، وما تفرّع عنها من قوانين تساوي بينهما في الأجور، وتفرض وجود نساء في المجالس الإدارية للمؤسسات العامة والخاصة، وتسمح بالإجهاض، وتقيم نظاماً جديداً متشدّداً للعلاقات الزوجية من باب مكافحة العنف الأسري الذي يسجّل في أميركا اللاتينية أعلى المستويات في العالم.
ثالثاً، التراجع الخطير في المؤشرات الأمنية التي تتجاوز معدّلات البلدان التي تعيش حالات الحرب، والاستخفاف الذي وسم موقف الأحزاب التقدمية عموماً من هذا الموضوع. ومن ثم، عجز اليسار عن طرح حلول وأفكار مبتكرة لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية التي تهدد الأمن والتعايش، والتي نجحت القوى اليمينية والشعبوية في استغلالها.
رابعاً، «المثل الفنزويلي» الحي الذي يُغني عن كل الانتقادات التي يمكن أن توجَّه إلى الأنظمة اليسارية، والذي تنداح تداعياته كل يوم منذ سنوات أمام مواطني الجوار... وسيبقى عبئاً ثقيلاً جداً على كاهل اليسار إلى أجل غير مسمّى.
- آفة الفساد
إذا أضفنا إلى هذه الأسباب الأربعة موجة الفساد التي لم تسلم منها دولة في أميركا اللاتينية، تكتمل عناصر الخصب التي تتولّد منها هذه التيّارات الشعبوية التي تلجأ إلى أسلوب سياسي توتاليتاري ينمو على بذر الشِقاق ويتغذّى من التفرقة. ويستخدم ما أتيح له من وسائل، مشروعة وغير مشروعة، لتشويه الفكر التقدّمي ويروّج للنظريات التآمرية. ويبقى هدفه المركزي ضرب مشروعية النظام الليبرالي القائم وتقويض مؤسساته الأساسية. ويلفت في هذا الصدد ما جاء على لسان ستيف بانون بعد أن اتصّل بالرئيس البرازيلي الجديد مهنّئاً، فوصفه بالبطل، وقال: «بعد هذا الفوز الواضح أصبح بإمكانه أن يغيّر قواعد اللعبة». في ضوء هذا الواقع، أياً كانت الانتقادات الموجهة ضد الشعبويين، والتحذيرات من الأخطار التي يشكّلونها، فلن تكفي الانتقادات والتحذيرات وحدها لدحرهم في الاستحقاقات الانتخابي. بل لا بد من تحديد الأسباب التي تؤدي إلى صعودهم وتمددهم بهذه السرعة، ومعالجة هذه الأسباب قبل أن يفوت الأوان.
إنه الغضب العارم الذي ينتشر في كل المجتمعات ضد الأنظمة التي رعت نموّاً اقتصاديا لم تستفد منه سوى حفنة ضئيلة بأساليب ملتوية، في غالب الحالات، وزاد من حدّة الفوارق الاجتماعية، ودفع نحو نمط «كوزموبوليتي» بات يشكّل تهديداً مباشراً لأنماط الحياة المحلية. هذا الصعود الشعوبي ينذر بمستقبل أسود للديمقراطية وللتعايش الاجتماعي والسلمي بين الأعراق والثقافات والأديان، لكنه أيضا يعكس رغبة عميقة في التغيير عرف الشعبويون كيف يستخدمونها.
تجربة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي كانت بليغة في عِبَرِها.
كانت هناك رغبة في التغيير للقضاء على نظام سياسي قائم على أرستقراطية الأراضي، ترددت الأحزاب الليبرالية وتلكّأت في التجاوب معها، فقامت الفاشيّة ومزّقت النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أوروبا. وحده الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت عرف كيف يتجاوب مع تلك الرغبة بطرحه عقداً اجتماعيّاً جديداً عبر مشروع «الصفقة الجديدة» New Deal، الذي مكّنه من دحر القوى والحركات الشعبوية في الولايات المتحدة، بينما كانت القارة الأوروبية تغرق في مآسيها.
قد لا يبدو الخطر داهماً بالنسبة لكثيرين، لكن الخرافات القديمة تشقّ طريقها بسرعة حتى في المجتمعات التي ذاقت مرارة التجربة، والمشهد العالمي يغلي على نيران الحروب التجارية والأزمات الإقليمية المعمّرة، فيما تتهاوى دعائم النظام الدولي المتعدد الأطراف الذي شكّل صمّام الأمان الوحيد في ظروف الشِّدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
- الشعبوية... ظاهرة سياسية تستحق الاهتمام
> الشعبوية Populism، في العلوم السياسية، هي معتقد سياسي يقوم على استنهاض سلطة الشعب المباشرة وحقوقه الطبيعية في المواجهة التاريخية بين المواطن العادي والنخبة الحاكمة أو المسيطرة. وثمّة توافق بين الدارسين على أن هذا المصطلح الذي شاع استخدامه منذ مطالع القرن الماضي في الدول الغربية، هو حمّال معانٍ يصعب تعريفه بدقّة. وغالباً ما يُستخدم للتعبير عن حالات متباينة وأحياناً متضاربة. إذ إنه يعني تارة الحكومات المنتخبة ديمقراطيّاً... وطوراً الحركات الشعبية أو الاشتراكية من باب إضفاء صفة سلبية عليها.
والشعبوية، بمفهومها العلمي، لا تحمل دلالة عقائدية بقدر ما يُستدلّ بها على استراتيجية هجومية، وأحياناً تشهيريّة في الصراع التقليدي بين اليمين واليسار من أجل الوصول إلى السلطة. ويُرجّح أنه استخدم للمرة الأولى في روسيا أواسط القرن التاسع عشر مع بداية تشكّل الحركات الريفيّة للدفاع عن حقوق المزارعين. كما شاع استخدامه، إلى جانب مصطلح «ديماغوجية» لتبرير الانقلابات والسياسات الليبرالية الجديدة في أميركا اللاتينية في خمسينات وستينات القرن الماضي.



من تنصيب ترمب إلى انتهاء حرب أوكرانيا... أهم الأحداث المتوقعة لعام 2025

ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

من تنصيب ترمب إلى انتهاء حرب أوكرانيا... أهم الأحداث المتوقعة لعام 2025

ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

هناك الكثير من الأحداث المهمة المنتظر حدوثها في عام 2025، بدءاً من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومروراً بالانتخابات في أوروبا واضطراب المناخ والتوقعات بانتهاء حرب أوكرانيا.

ونقل تقرير نشرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية تفاصيل هذه الأحداث المتوقعة وكيفية تأثيرها على العالم ككل.

تنصيب دونالد ترمب

سيشهد شهر يناير (كانون الثاني) الحدث الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، بل وربما للعالم أجمع، وهو تنصيب ترمب ليصبح الرئيس السابع والأربعين لأميركا.

وسيقع هذا التنصيب في يوم 20 يناير، وقد تعهد الرئيس المنتخب بالقيام بتغييرات جذرية في سياسات بلاده الداخلية والخارجية فور تنصيبه.

ونقل مراسل لشبكة «سكاي نيوز» عن أحد كبار مستشاري ترمب قوله إنه يتوقع أن يوقّع الرئيس المنتخب على الكثير من «الأوامر التنفيذية» الرئاسية في يوم التنصيب.

وتنبأ المستشار بأنه، بعد لحظات من أدائه اليمين الدستورية «سيلغي ترمب قدراً كبيراً من إرث الرئيس الحالي جو بايدن ويحدد اتجاه أميركا للسنوات الأربع المقبلة».

وعلى الصعيد المحلي، سيقرّ ترمب سياسات هجرة جديدة جذرية.

وقد كانت الهجرة قضية رئيسية في الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، حيث إنه وعد بترحيل الملايين وتحقيق الاستقرار على الحدود مع المكسيك بعد عبور أعداد قياسية من المهاجرين بشكل غير قانوني في عهد بايدن.

ويتوقع الخبراء أن تكون عمليات الترحيل الجماعي التي وعد بها خاضعة لمعارك قانونية، إلا أن فريق ترمب سيقاتل بقوة لتنفيذها.

ومن المتوقع أيضاً أن يصدر ترمب عفواً جماعياً عن أولئك المتورطين في أحداث الشغب التي وقعت في 6 يناير 2021، حين اقتحم الآلاف من أنصاره مبنى الكونغرس بهدف منع التصديق على فوز بايدن بالانتخابات.

وعلى الصعيد الدولي، يتوقع الخبراء أن يكون لرئاسة ترمب تأثيرات عميقة على حرب أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط، وأجندة المناخ، والتعريفات الجمركية التجارية.

ومن المتوقع أن ينسحب ترمب من اتفاقية باريس للمناخ؛ الأمر الذي سيجعل أميركا غير ملزمة بأهداف خفض الانبعاثات الكربونية.

وفيما يتعلق بأوكرانيا، قال ترمب إنه يستطيع تحقيق السلام وإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة.

أما بالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فقد هدَّد الرئيس الأميركي المنتخب حركة «حماس» بأنه «إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن في غزة قبل 20 يناير (موعد تنصيبه) سيكون هناك جحيم يُدفع ثمنه في الشرق الأوسط». إلا أن الخبراء لا يمكنهم توقع كيف سيكون رد فعل ترمب المتوقع في هذا الشأن.

انتخابات أوروبا

سيبدأ العام بانتخابات في اثنتين من أبرز دول أوروبا، وهما فرنسا وألمانيا.

سينصبّ التركيز أولاً على برلين - من المرجح أن ينتهي الأمر بالليبرالي فريدريش ميرز مستشاراً لألمانيا؛ مما يحرك بلاده أكثر نحو اليمين.

ويتوقع الخبراء أن تكون أولويات ميرز هي السيطرة على الهجرة.

أما في فرنسا، فسيبدأ رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب في الترويج لنفسه ليحلّ محل إيمانويل ماكرون رئيساً، بحسب توقعات الخبراء.

ويعتقد الخبراء أيضاً أن يتطور دور جورجيا ميلوني وينمو من «مجرد» كونها زعيمة لإيطاليا لتصبح قناة الاتصال بين أوروبا وترمب.

علاوة على ذلك، ستجري رومانيا انتخابات لاختيار رئيس جديد في مارس (آذار) المقبل.

الأوضاع في الشرق الأوسط

يقول الخبراء إن التنبؤ بما قد يحدث في الشرق الأوسط هو أمر صعب للغاية.

وعلى الرغم من تهديد ترمب بتحويل الأمر «جحيماً» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الموجودين في غزة، فإن وضع الرهائن لا يزال غير معروف وغير محسوم.

وعلى الرغم من التفاؤل الأخير بشأن المفاوضات، لا تزال الخلافات قائمة بين «حماس» وإسرائيل. لكن وقف إطلاق النار لا يزال محتملاً.

لكن أي هدنة ربما تكون مؤقتة، وهناك الكثير من الدلائل على أن الجيش الإسرائيلي ينوي البقاء في غزة في المستقبل المنظور مع تزايد الدعوات إلى احتلال دائم بين الساسة الإسرائيليين من أقصى اليمين.

وما لم يتحسن الوضع الإنساني في غزة بشكل كبير وسريع، فإن سمعة إسرائيل الدولية سوف تستمر في التردي في حين تنظر محكمة العدل الدولية في اتهامات بالإبادة الجماعية.

ويتوقع الخبراء أن يفكر نتنياهو في ضرب إيران، سواء لردع الحوثيين أو للتصدي للبرنامج النووي للبلاد، لكن قد يتراجع عن ذلك إذا لم يحصل على دعم من الرئيس الأميركي القادم.

ومن بين الأحداث التي يدعو الخبراء لمراقبتها من كثب هذا العام هي صحة المرشد الإيراني المسن علي خامنئي، التي كانت مصدراً لكثير من التكهنات في الأشهر الأخيرة، حيث ذكرت الكثير من التقارير الإعلامية أنها متردية للغاية.

أما بالنسبة لسوريا، فسيحتاج قادة سوريا الجدد إلى العمل على دفع البلاد للاستقرار وجمع الفصائل الدينية والعسكرية المختلفة، وإلا فإن التفاؤل المفرط الذي شوهد بعد الإطاحة ببشار الأسد سينقلب وتحلّ محله تهديدات بوقوع حرب أهلية جديدة بالبلاد.

العلاقات بين الصين والولايات المتحدة

قد تكتسب المنافسة بين الصين والولايات المتحدة زخماً كبيراً هذا العام إذا نفَّذ دونالد ترمب تهديداته التجارية.

وقد هدد الرئيس الأميركي المنتخب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع السلع الصينية؛ وهو ما قد يشعل حرباً تجارية عالمية ويتسبب في انهيار اقتصادي.

وتستعد بكين لمثل هذه المتاعب، وهي منخرطة بالفعل في إجراءات تجارية انتقامية مع الولايات المتحدة.

ودبلوماسياً، وفي حين توجد جهود لقلب العلاقة المتوترة بين المملكة المتحدة والصين، من المرجح أن تستمر مزاعم التجسس واتهامات التدخل الصيني في السياسة الأميركية، وهي اتهامات تنفيها بكين بشدة.

حرب أوكرانيا

يتوقع الخبراء أن تنتهي حرب أوكرانيا في عام 2025، مشيرين إلى أن القتال سيتوقف على الأرجح وأن الصراع سيتجمد.

وأشار الجانبان الروسي والأوكراني مؤخراً إلى استعدادهما لتقديم تنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لـ«سكاي نيوز» إنه على استعداد للتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها كييف، بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا مستعدة لتقديم تنازلات أيضاً.

إنه تحول دراماتيكي في اللهجة، نتج من انتخاب دونالد ترمب، بحسب الخبراء الذين قالوا إن المحادثات والتوصل لصفقة بات أمراً حتمياً الآن.

ومهما كانت النتيجة، ستقدمها روسيا للعالم على أنها انتصار لها.

ويعتقد الخبراء أن الكرملين يأمل في اختتام المفاوضات قبل التاسع من مايو (أيار)، الذي يصادف الذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية، ليكون الاحتفال الروسي مزدوجاً.

لكن المشاكل لن تنتهي عند هذا الحد بالنسبة لبوتين. فمع ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الروبل، وضعف الإنتاجية، سيكون الاقتصاد هو معركة روسيا التالية.